توقعات بإقالات جديدة في إدارة ترمب

قد تشمل كيلي وماكماستر وسيشنز

ترمب يقف إلى جانب رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار قرب مقر الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
ترمب يقف إلى جانب رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار قرب مقر الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
TT

توقعات بإقالات جديدة في إدارة ترمب

ترمب يقف إلى جانب رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار قرب مقر الكونغرس أمس (إ.ب.أ)
ترمب يقف إلى جانب رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار قرب مقر الكونغرس أمس (إ.ب.أ)

أشعلت تعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عقب إقالته وزير الخارجية ريكس تيلرسون، بورصة التكهنات حول من سيليه، مع ترجيح البعض خروج كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، فضلا عن وزير العدل جيف سيشنز من إدارة الرئيس الأميركي الـ45.
ولمح ترمب في تصريحات للصحافيين، الثلاثاء، إلى مزيد من التغييرات الوشيكة في إدارته. وقال معلّقا على إقالته تيلرسون: «لقد تعرفت على كثير من الناس بشكل جيد خلال العام الماضي، وأنا بالفعل في نقطة أقترب فيها من تشكيل الإدارة التي أريدها». وتقول مصادر بالإدارة إن الرئيس يدرس استبدال كيلي لمدير مكتب الإدارة والميزانية ميك مولفاني الذي دافع بقوة عن خطة ترمب لخفض الضرائب على الشركات.
فضلا عن ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن ترمب يفكر كذلك في الاستغناء عن ماكماستر ليحل مكانه سفير واشنطن السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، الذي تردد طويلا على البيت الأبيض وكان اسما مطروحا للترشيح في منصب رفيع داخل الإدارة الأميركية. ويعد بولتون من صقور الحزب الجمهوري ويتخذ موقفا صارما من إيران، وانتقد طويلا الاتفاق النووي مع طهران، كما يُعرف بموقفه المتشدد من كوريا الشمالية. وعليه، تتوافق آراء ومواقف بولتون مع مايك بومبيو، المرشح الجديد لمنصب وزير الخارجية.
ويفكر الرئيس ترمب جديا في إقالة وزير شؤون المحاربين القدامى ديفيد شولكين، وتعيين وزير الطاقة الحالي ريك بيري في منصبه. ويواجه شولكين اتهامات كثيرة باستخدام أموال دافعي الضرائب في رحلات خاصة فخمة إلى أوروبا له ولزوجته. وذكرت مصادر لجهات إعلامية أن راي واشبورن، رئيس شركة الاستثمار الخاص عبر البحار، هو أبرز المرشحين لتسلم حقيبة الطاقة.
وتلاحق شائعات الإقالة أيضا وزير العدل جيف سيشنز، الذي كان محط أنظار الإعلام لفترة طويلة لنأيه بنفسه عن التحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، ولخلافاته العلنية الكثيرة مع ترمب. ويرجّح البعض أن يُعيّن سكوت برويت مدير وكالة حماية البيئة محل سيشنز، فيما يستبعد آخرون ذلك لصعوبة موافقة مجلس الشيوخ على تعيين بديل لسيشنز.
وأبدى جمهوريون في مجلس الشيوخ تخوفات واعتراضا على التكهنات لإقالة سيشنز، مما قد يثير خلافات مع ترمب إذا أقدم على هذه الخطوة. وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عن ولاية كارولينا الجنوبية للصحافيين: «سأكون مندهشا، وسيخيب أملي إذا أقيل جيف سيشنز، وسيكون من الصعب إيجاد بديل له». بدوره، حثّ السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الرئيس ترمب على عدم إقالة سيشنز، محذرا من أن عملية المصادقة على بديل له ستكون صعبة للغاية. كما حذر كبار أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين البيت الأبيض من إثقال كاهل المشرعين بتغييرات وترشيحات كثيرة، في وقت يواجهون فيه معركة انتخابات التجديد النصفي.
وسعى راج شاه، نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض، مساء الأربعاء إلى التقليل من شأن تلك التكهنات. وقال للصحافيين: «عندما يقرر الرئيس ترمب إجراء تغييرات سيعلن عنها في ذلك الوقت، وهناك كثير من التكهنات ونحن نتعامل مع الشائعات والتلميحات طوال الوقت، ولا توجد إعلانات حاليا، والرئيس ترمب لديه ثقة في فريقه».
من جانب آخر، أعلن الرئيس ترمب عن تعيين مستشار اقتصادي جديد هو لاري كودلو، المعلق الاقتصادي لشبكة «سي إن بي سي» ليحل محل غاري كوهين الذي استقال الأسبوع الماضي على خلفية اعتراضه على التعريفات الجمركية التي يرغب ترمب في فرضها. وقال ترمب عبر «تويتر»: «سيكون لاري كودلو كبير المستشارين الاقتصاديين ومدير المجلس الاقتصادي الوطني، وستشهد بلادنا سنوات كثيرة من النجاح الاقتصادي والمالي الكبير مع تخفيض الضرائب والتجارة العادلة والقوة العاملة القادة على قيادة الطريق».
على صعيد منفصل، أعلنت الشرطة الأميركية الأربعاء أن أستاذا في إحدى ثانويات ولاية كاليفورنيا (غرب) أطلق عن طريق الخطأ النار من مسدسه داخل الصف، مما أدّى إلى إصابة تلميذ واحد على الأقل بجروح طفيفة.
وارتدى هذا الحادث أهمية كبيرة، لأنه أتى في خضم الجدل الدائر حول اقتراح ترمب تدريب قسم من الأساتذة على استخدام أسلحة نارية وتسليحهم بصورة خفية، لكي يتمكنوا من التصدي لأي مسلح قد يهاجم مدارسهم على غرار ما حصل قبل شهر في فلوريدا، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي منتصف فبراير (شباط) المنصرم، قُتل 17 شخصا عندما أطلق شاب يبلغ من العمر 19 عاما النار داخل مدرسته الثانوية السابقة في جنوب شرقي فلوريدا، في أحد أسوأ الهجمات المسلحة في المدارس الأميركية منذ ربع قرن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟