الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول في مهرجان أبوظبي

«أمواج حياتي»... أمسية مميزة برفقة أوركسترا أكاديمية بيتهوفن

إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول
إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول
TT

الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول في مهرجان أبوظبي

إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول
إيهاب درويش يقدم عرضه العالمي الأول

أقيم في قصر الإمارات، العرض العالمي الأول للمؤلف الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش بعنوان «أمواج حياتي: كل قصة تبدأ بنوتة»، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي 2018. وهو العمل الذي استغرق سنوات من الإعداد والتحضير، وقدم إيهاب درويش حفله مساء أول من أمس برفقة «أوركسترا أكاديمية بيتهوفن» بقيادة المايسترو البلغاري ستويان ستويانوف، بمشاركة النجم الأسطوري اللبناني سامي كلارك.
وجمع إيهاب درويش في هذا الحفل بين التأثيرات الكلاسيكية والمعاصرة، حيث قدم مجموعة من أعماله الموسيقية الإبداعية التي أسرت الجمهور. ويطلق درويش أعماله للمرة الأولى في بلده الأم من خلال مؤلفاته «أمواج حياتي: كل قصة تبدأ بنوتة» ويأتي إصدار ألبومه الأول في إطار مبادرة مهرجان أبوظبي «منبر الإبداع والتوثيق الموسيقي»، وهي منصة داعمة لتحقيق المشروعات الجديدة للفنانين العرب، وسبق أن قدم «منبر الإبداع والتوثيق الموسيقي»، دعمه لمجموعة من الفنانين العرب من بينهم الإماراتي فيصل الساري والعراقي نصير شمة، والفرنسي اللبناني الأصل بشارة خوري، واللبنانية هبة القواس، والأردنية مكادي نحاس، ويمكن الاستماع لأعمالهم الموسيقية والغنائية في منصة الاستماع المتوفرة في قصر الإمارات. يتوفر الألبوم عبر المواقع الموسيقية والمنصات الإلكترونية آي تيونز وغوغل بلاي.
وقالت هدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي: «تسهم مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون منذ تأسيسها في تحفيز الإبداع الفني وتقدير المنجز الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة انسجاماً مع الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة، وإثراءً للرؤية الثقافية لأبوظبي، ويأتي احتضان الطاقات الإبداعية الإماراتية في إطار ترسيخ مقومات الاستدامة الفنية والنهضة الثقافية والمعرفية استشرافاً لمستقبل الإبداع إماراتياً وعالمياً».
وتابعت سعادتها أن «تقديم مهرجان أبوظبي للمؤلف الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش في عرضه العالمي الأول يترجم التزامنا بإبراز المبدعين الإماراتيين في العالم والتعريف بتجاربهم الرائدة في الموسيقى والفنون، وتشجيعهم على تبادل الخبرات والتكامل مع التجارب العالمية كما في حالة إيهاب وأوركسترا أكاديمية بيتهوفن العالمية والمايسترو المبدع ستويان ستويانوف».
ويتضمن البرنامج الرئيسي لأمسيات مهرجان أبوظبي عدداً من العروض الرائعة الأخرى التي تستمر حتى 30 مارس (آذار)، من بينها أمسية الأوبرا للسوبرانو العالمية الشهيرة ديبورا فويت، يرافقها التينور اللبناني المعروف بشارة مفرج في 15 مارس؛ وأمسية جاز مع المغني والملحن الفلسطيني عمر كمال تحت عنوان «عودة الأساطير» في 17 مارس، وفرقة «بينك مارتيني» المعروفة بـ«الأوركسترا المصغرة» في 21 مارس، و«بيانوغرافيك» أعمال على التي بيانو لفيليب غلاس، ستيف رايخ وموريس رافل مع عروض بصرية حية، يقدّمها عازفا البيانو دينيس راسل ديفيز وماكي ناميكاوا، برفقة كوري أولان في 24 مارس؛ وسلسلة أمسيات المهرجان للعزف المنفرد: مشروع باخ في 28 مارس، والختام مع الفرقة الوطنية الإسبانية للرقص التي ستقدم عرض الباليه المميز «دون كيشوت» لأول مرة في العالم العربي يومي 29 و30 مارس، كما يستمر عرض أوبرا كارمن في دار الأوبرا الملكية في لندن حتى 16 مارس وهي إنتاج مشترك مع مهرجان أبوظبي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)