زهور الربيع تتنفس جمالاً في حديقة الأورمان بالجيزة

يشارك في المعرض 131 شركة مصرية وعربية

جانب من معرض زهور الربيع في الجيزة («الشرق الأوسط»)
جانب من معرض زهور الربيع في الجيزة («الشرق الأوسط»)
TT

زهور الربيع تتنفس جمالاً في حديقة الأورمان بالجيزة

جانب من معرض زهور الربيع في الجيزة («الشرق الأوسط»)
جانب من معرض زهور الربيع في الجيزة («الشرق الأوسط»)

في حديقة الأورمان العتيقة بمدينة الجيزة، تتنافس نحو 131 شركة مصرية وعربية متخصصة في زراعة الزهور ونباتات الزينة على الفوز بنصيب الأسد من نسبة المبيعات في الدورة الـ85 لمعرض الزهور السنوي الذي افتتحه أخيراً وزير الزراعة المصري الدكتور عبد المنعم البنا، مع عدد كبير من المسؤولين المحليين.
ويحظى المعرض بنسب إقبال مرتفعة من المواطنين المصرين والعرب والأجانب من مختلف الطبقات، طوال أيام العرض التي تدوم قرابة 12 ساعة يومياً. ويُعتبر فرصة ذهبية لعشاق نباتات الزينة والمناظر الجميلة، حيث تجمّل الشركات المتخصصة ببيع الزهور أماكن العرض بمنتجاتها الطبيعية من النباتات ذات الألوان المتنوعة التي تسرُّ الناظرين، وتجذبهم جذبا للسؤال عن أنواع النباتات وأسعارها وطريقة اقتنائها.
وقال المهندس كريم إسماعيل، رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المشاركة في المعرض، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه هي المشاركة الثامنة لي. أعرض منتجاتي في جناحين كبيرين بمساحة 28 ألف متر». ولفت إلى أن «المشاركة في المعرض لا تقتصر على القطاع الخاص فقط، بل تشمل هيئات حكومية تابعة لوزارة الزراعة المصرية، فضلاً عن مؤسسات وجمعيات خيرية، ومتخصصين في مجال (اللاند سكيب) والمناحل، ومنتجات عسل النحل، ومستلزمات الإنتاج الزراعي، ونبات الزينة، والأسماك، وطيور الزينة، بالإضافة إلى عروض خاصة لمنتجات محافظة أسوان».
زينة الأشجار وتنسيق الحدائق أمران مهمان جداً للمجتمع، إذ يرفعان الذوق العام للمواطن المصري، ويساعدان في تنشيط السياحة، وفق إسماعيل الذي يعمل بالتعاون مع شركات عربية ودولية لإنتاج النجيل الصناعي، إلى جانب النباتات والزهور.
يشار إلى أن معرض زهور الربيع، يُنظّم سنوياً في حديقة الأورمان التي تعد واحدة من أكبر الحدائق النباتية في العالم، ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1875، وتضم مجموعة نادرة من الأشجار والنخيل والنباتات، وتحتوي على أكثر من 600 نوع من النباتات النادرة والأشجار المعمرة.
وفي ساحات المعرض الفسيحة، يمكن مشاهدة المشاركات العربية بسهولة، ومنها شركة «الوليد بن سلمان» السعودية، التي لم تتغيب عن الوجود طوال العشرين عاماً الأخيرة، حسب أحد العاملين بالشركة التي تقدم لعملائها مجموعات كبيرة من الزهور، مثل «الهادلي»، وهو صنف سوري من الورد البلدي ذي اللون الأحمر، بالإضافة إلى أصناف «البرج» و«المنديل» و«الكليزر» و«البلاك» و«البلينتا» و«البيبي روز».
وتعجّ طرقات المعرض وممراته بالزائرين والرواد من محبي الزهور والباحثين عن البهجة. وقالت سماح محمد، طالبة جامعية: «هذه أول مرة أزور فيها معرض زهور الربيع في حديقة الأورمان، وقد انبهرت جداً من النباتات الكثيرة الجميلة، لذلك سأحضر مجدداً في الأيام القليلة المقبلة للاستمتاع أكثر بتلك المناظر بصحبة زميلاتي»، ولفتت إلى أن أسعار نباتات الزينة في المعرض رخيصة جداً، مقارنة بأسعار المشاتل خارج أروقته.
وتشارك شركة صباريات المهندس وليد بدوي في المعرض منذ 22 سنة، وهي من أقدم المزارع المتخصصة في مصر بهذا المجال، وتضم 12 ألف صنف. وقال وليد لـ«الشرق الأوسط»: «سعر بيع الصبار يبدأ بـ5 جنيهات (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، وتتدرج حتى تصل إلى 50 جنيهاً، مثل أصناف «الهيلو سيرس» و«اللوبيفيا» و«الإكينو» و«الكريسيولا»، التي يطلق عليها المصريون لقب «رجل النملة».
ويتميّز معظم رواد المعرض بخبراتهم الكبيرة في مجال زراعة النباتات، خصوصاً الزهور، ومن هؤلاء كريم العزازي، الذي أنشأ مع عدد من أصدقائه صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تهتم بتقديم النصيحة لمحبي الزراعة، وتدعو لتجميل الأسطح والشرفات، بشكل علمي. وجاء العزازي إلى المعرض من أجل شراء زهور «بوتونيا» و«أراولا» و«أبو خنجر» و«ديتنباخيا» و«ريحان»، إلى جانب نبات «العطر» الذي يتمّيز برائحة ذكية قادرة على إضفاء مزيد من الجمال في المنازل.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)