عندما وصل عجوز في سن الـ84 عاماً إلى صالة الإسعاف وهو يشكو من الآلام، لم يعره الأطباء كثيراً من الاهتمام لأن أمثاله في هذا السن طالما يعانون من كثير من المشكلات الصحية. وقد شكا المريض من عدم التوازن خلال الشهور الماضية، وكثرة السقوط على الأرض في الأسابيع الأخيرة، كما شعر بضعف ملموس في يده ورجله اليسريين في الأيام الثلاثة الأخيرة.ولم يكن لدى المريض أي تاريخ من المشكلات الصحية، ولم يكن يتناول الكحول كثيراً، ولم تظهر تحاليل الدم لديه أي أمر غريب.
لغز الحالة المرضية
قال الأطباء، في خلاصة تقرير عن حالة المريض نشر في مجلة «كايس ريبورتس - المجلة الطبية البريطانية»، في 17 فبراير (شباط) الماضي: «لم يعانِ المريض من أي تشوش ذهني، أو ضعف في (عضلات) الوجه، أو اختلال في البصر أو الكلام... لقد كان يتمتع بلياقة بدنية، ومستقلاً، ويمارس أنشطة بدنية، وكان يعيش مع زوجته وولديه الاثنين».
وبمعنى آخر، فقد اعتقد الأطباء أنه لا يوجد أي سبب واضح لوجود مثل هذه الأعراض لديه. إلا أن التصوير الطبقي المقطعي والتصوير بالمرنان المغناطيسي أدى إلى اكتشاف أمر خطير، وهو أن جزءاً كبيراً من الفص الجبهوي من الدماغ لم يكن يحتوي على أي أنسجة، بل على كيس من الفراغ! ويتذكر فينلاي براون، الطبيب الذي كان يداوم في صالة الإسعاف في مستشفى كاوسواي في كوليرين بآيرلندا الشمالية حينذاك، كيف قام بدراسة صور المسوحات الطبية لدماغ المريض، وقال في رسالة إلكترونية لـ«واشنطن بوست»: «لقد صدمنا بتلك الصور، حيث كانت المسوحات استثنائية، وفكرنا في احتمال أن يكون المريض قد امتنع عن الكشف عن عملية جراحية أجريت على دماغه أو عن عيوب خلقية، إلا أنه نفى ذلك».
جيوب الدماغ
أظهرت التحليلات أن الرجل مصاب بحالة تسمى «Pneumocephalus»، التي تحدث فيها فجوة هوائية داخل الدماغ بسبب خلل ما، أو بعد إجراء جراحة على الدماغ أو الوجه. ويقول براون إن هذه الحالة ترصد في عمليات الدماغ الجراحية بنسبة 100 في المائة. كما أنها تظهر أيضاً بعد حدوث التهاب في الجيوب الأنفية، أو إصابات الرأس والوجه، إلا أن تلك الجيوب الهوائية تكون أصغر بكثير. ووفقاً للدراسة، كان الجيب في حالة المريض العجوز يحتوي على هواء منضغط باتساع 3.5 بوصة (8.75 سم).
وقال براون: «عند إجرائي البحث لتدوين هذه الحالة المرضية، لم أتمكن من رصد أي حالات موثقة تشابه هذه الحالة». وقد أظهر التصوير بالمرنان المغناطيسي وجود ورم عظمي من النوع الحميد تشكل وتكون داخل الجيوب الأنفية، وتغلغل من خلال قاعدة الجمجمة».
وكان هذا الورم يعمل مثل «مفتاح باتجاه واحد»، ما أدى إلى تشكيل الجيب الهوائي داخل الجمجمة. ويبدو أن الورم كان ينمو لأشهر وسنين «ولذلك كان الهواء ينفذ ويتغلغل عند الاستنشاق أو العطس أو السعال». وقالت الدراسة إن الجيب الهوائي كان «واحداً من الأسباب النادرة» في حدوث سكتة دماغية صغيرة تعرض لها المريض، ما أدى إلى ضعف في يده ورجله. وأكد براون أن المريض بإمكانه الخضوع لعمليات جراحية مختلفة: لتفريغ الهواء من الدماغ أو إزالة الورم، إلا أن أنه رفض إجراءهما. ولذا، فقد وصف له دواء لمنع تكرار سكتة دماغية أخرى، وأرسل إلى داره.
وقال الأطباء إن هذا الإجراء كان يمكن أن يسبب للمريض مشكلات صحية لأنه معرض للإصابة بالعدوى، فما دام هناك ممر لدخول الهواء، فإن البكتريا والفيروسات قد تنتقل معه نحو الفجوة. وحتى الآن، لم تظهر آثار ضارة جديدة على المريض. وبعد 12 أسبوعاً من المتابعة، لم تظهر عليه آثار ضعف في أطرافه.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}