«الخرز الزجاجي» يمسح أحزان أهالي شمال سيناء

سبعيني يعلم الحرفة للفتيات والسيدات في بئر العبد

سلامة أبو عليان داخل ورشته الصغيرة
سلامة أبو عليان داخل ورشته الصغيرة
TT

«الخرز الزجاجي» يمسح أحزان أهالي شمال سيناء

سلامة أبو عليان داخل ورشته الصغيرة
سلامة أبو عليان داخل ورشته الصغيرة

بأنامل خشنة، أكل الدهر عليها وشرب، يمسك العم سلامة أبو عليان حبات خرز متنوعة الأحجام والألوان، ويرتبها وفق تصميمات متنوعة، مكوناً أشكالاً متعددة من المشغولات اليدوية، لبيعها كلما سنحت له الفرصة، في محاولة منه للهروب من الواقع الصّعب الذي تمر به محافظة شمال سيناء (شمال شرقي القاهرة) التي تجري بها عملية عسكرية للقضاء على العناصر الإرهابية والتكفيرية وتسمى عملية «سيناء 2018».
يجلس الرجل السبعيني الذي كان يعمل مدرساً قبل خروجه إلى المعاش على حصير بلاستيك في غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها 4 أمتار في إحدى مناطق مدينة بئر العبد التي قدم إليها قبل عامين من جنوب رفح، بعد اشتداد المواجهات الإرهابية هناك... يسند الرجل ظهره على أحد حوائط الغرفة غير مكتملة التشطيب ثم يأخذ نفسا عميقا، قبل أن يحوّل أكوام الخرز المبعثرة لإكسسوارات زينة وأدوات صالحة للاستخدام الشخصي في مدة لا تتجاوز 6 ساعات يوميا.
هواية الرجل السبعيني أيام الصبا في نظم الخرز باتت مهنته الرئيسية في شيخوخته، بعدما أصبحت مورد رزق غير دائم له وشغلا لفراغ يشعر به منذ اندلاع العمليات الإرهابية في شمال سيناء عقب انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
قدّرت إحصائية رسمية صادرة من محافظة شمال سيناء، أعداد النازحين من نيران الحرب على الإرهاب من مراكزها إلى مناطق آمنة داخل المحافظة بنحو 6700 أسرة تضم أكثر من 26 ألف شخص في الفترة بين 2013 ومنتصف 2017.
يقول سلامة أبو عليان، لـ«الشرق الأوسط»: «تربطني بالخرز علاقة قديمة. كنت أهوى صناعة أشكال وعبارات وكلمات متنوعة منه وأنا طفل صغير على هيئة تحف وهدايا وميداليات تذكارية، بالإضافة إلى صناعة مشغولات من وبر الإبل، وصوف الخراف من البيئة المحلية». وأضاف: «بعد تعييني مدرّساً في المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية ثم ناظراً لها، انشغلت عن هذه الحرفة بسبب الاهتمام بشؤون بعض أهالي القرية باعتباري من أوائل المتعلمين بها». ولفت أبو عليان الذي يناديه جيرانه بـ«الأستاذ سلامة» قائلا: «بعد إحالتي على التقاعد، كنت أعلّم أطفال القرية القراءة والكتابة لمدة 3 ساعات من عصر كل يوم، لتحسين مستواهم التعليمي، بجانب حفظ القرآن الكريم والأناشيد الوطنية».
إلى ذلك، يصنّع سلامة مشغولات من الخرز، يهديها لمن يزوره، كما أنّها تلقى استحسان من يشاهدها، وتلفت أنظار جيرانه الجدد الذين باتوا يشترون باستمرار، ما يصنعه من أعمال فنية، ليتحول الرجل السبعيني من مجرد هاو إلى حرفي، وهو ما دعاه للسفر إلى القاهرة، وإحضار كميات كبيرة من الخرز والخيوط، وتحويل إحدى غرف منزله إلى ورشة تصنيع مملوءة بالمشغولات اليدوية والمواد الخام، والأدوات المستخدمة في نظم الخرز، بجانب البضائع والتحف والأنتيكات ذات الألوان المبهجة التي تحاول تغطية سواد أحوال هؤلاء النازحين من رفح إلى مدينة بئر العبد.
في السياق نفسه، زادت سعادة الأستاذ صانع الخرز، بعد اختيار جمعية «الجورة لتنمية المجتمع» في سيناء، له لتنفيذ برنامج تدريب للسيدات والفتيات المقيمات في هذه المناطق والنازحات من مناطق التوتر بالشيخ زويد ورفح، وأصبح سلامة يخصّص جزءا من وقته للقيام بمهمة التدريب الجديدة ليستعيد مجده كمعلم، ليس للقراءة والكتابة هذه المرة لكن ليعلّم أيضاً فنون تشكيلات وتحف الخرز.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».