قصة متحف لندني... 21 سيدة أرستقراطية ولوحة ضائعة

يروي حكاية أول جمعية خيرية للأطفال في إنجلترا... ويستغني عن صور مؤسسيه من الرجال

غاليري الصور بمتحف «ذا فاوندلينغ» في لندن (جي جي آرشارد)
غاليري الصور بمتحف «ذا فاوندلينغ» في لندن (جي جي آرشارد)
TT

قصة متحف لندني... 21 سيدة أرستقراطية ولوحة ضائعة

غاليري الصور بمتحف «ذا فاوندلينغ» في لندن (جي جي آرشارد)
غاليري الصور بمتحف «ذا فاوندلينغ» في لندن (جي جي آرشارد)

منذ قرابة 300 عام لم يستطع توماس كورام، بحار بريطاني وتاجر ثري، تحمل مناظر الأطفال المهملين والمشردين في شوارع لندن وقرر أن يسعى لتأسيس مؤسسة تعنى بهم وبغيرهم من الأطفال الذين تركهم أهلهم أو نبذوا لكونهم غير شرعيين. كورام قضى أكثر من 17 عاما يحاول الحصول على دعم من رجال الطبقة الأرستقراطية والأغنياء وتواقيعهم على عريضة ليرفعها إلى الملك جورج الثاني للبدء في بناء المستشفى، ولكن مجهوداته باءت بالفشل. قرر كورام أن يغير اتجاهه وتوجه للنساء للحصول على توقيعاتهن ونجحت مجهوداته. فحصل على أول توقيع على العريضة من تشارلوت دوقة سومرست التي كانت قد ولدت طفلها الأول في عام 1729 وبعدها توالت التوقيعات من نساء أخريات من الطبقة الأرستقراطية. بعريضة تحمل 21 توقيعا من سيدات الطبقة الراقية استطاع كورام أخيرا تحقيق حلمه والبدء في بناء المستشفى وتكوين أول مؤسسة خيرية للأطفال ومعرض للصور في إنجلترا والمعروف باسم «ذا فاوندلينغ هوسبيتال آند ميوزيام».
والآن ومع احتفال بريطانيا بمرور 200 عام على حصول المرأة على حق الانتخاب، قررت إدارة المستشفى والمتحف التابع له أن الوقت قد حان لتكريم السيدات اللواتي وقعن على الوثيقة، وأطلق المتحف بالتعاون مع الأجهزة الفنية في بريطانيا حملة جمع تبرعات لجمع لوحات تصور السيدات الـ21، وذلك بغرض عرضها في معرض خاص. الطريف أن الغاليري يحمل صور داعمي المستشفى من الرجال فقط ولكن في هذا العام سترفع صور الرجال وتوضع صور الداعمات الأرستقراطيات بدلا منهم. وعبر عملية شاقة تمكن أمناء المتحف من تعقب لوحات السيدات المؤسسات والتي توزعت في أنحاء بريطانيا. وهذا الأسبوع أعلن المتحف أن حملة جمع التبرعات والتي كانت تهدف لجمع 20 ألف جنيه إسترليني لعمل المعرض قد نجحت وحصلت على أكثر من 35 ألف جنيه. الخطوة التالية كما تقول أليسون ديوك مديرة قسم المجموعات الفنية بالمتحف لـ«الشرق الأوسط» هي جمع صور السيدات 21 سويا للمرة الأولى في تاريخ المستشفى والمتحف.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من «ذا فاوندلينغ ميوزيام» فسوف يعمل المعرض على إلقاء الضوء على القصة الأصلية لبناء المستشفى، وأضاف البيان الصادر من المتحف: «ستحل صور الـ21 سيدة محل صور المديرين والداعمين من الرجال في صالة عرض الصور بالمتحف. وسيستطيع الجمهور أخيرا رؤية صور 21 سيدة من ذوات «الرفعة والامتياز» قمن بالتوقيع على العريضة الأصلية في عام 1735 للمطالبة بتأسيس مستشفى للأطفال المهملين والمنبوذين». وفي قاعة أخرى بالمتحف سيتم عرض لمحات من حياة النساء اللواتي عملن بالمستشفى على مر السنين.
تشير ديوك إلى أن معظم اللوحات قد عثر عليها استعدادا للعرض الذي يقام في نهاية العام ولكنها تقول إن هناك لوحة ناقصة لإحدى الداعمات وهي كونيسة هارولد ماري تافتون. تذكر ديوك أن المتحف استعار من ناشونال غاليري رسم للوحة تافتون ولكن اللوحة الأصلية لم يعثر عليها بعد. غير أنها تشير إلى أن المتحف حصل على بعض المعلومات التي ربما قد تؤدي للعثور إليها لتنضم لرفيقاتها من السيدات الكريمات اللواتي كن وراء تأسيس أول منظمة خيرية تعنى بالأطفال في إنجلترا.
اللوحة الضائعة من رسم الفنان جورج آلان بعنوان «ماري غراي، كونيسة هارلد» تبدو فيها الكونتيسة بلباس الفروسية. وكانت اللوحة قد بيعت في عام 1917 عبر أحد مزادات دار كريستيز، وكان ذلك آخر ظهور علني لها، ولم يستطع أمناء المتحف تعقبها بعد ذلك.

سيدات الجودة والتميز و6 حقائق
> استغرق توماس كورام أكثر من 17 عاما في حملته لجمع التواقيع على العريضة، بدأ حملته في عام 1720، وفي عام 1729 حصل على أول توقيع من سيدة أرستقراطية.
> أول توقيع على العريضة كان في 9 مارس (آذار) عام 1729 وآخر توقيع من سيدات الطبقة الأرستقراطية وضع في 7 مايو (أيار) عام 1735.
> رفعت العريضة للملك جورج الثاني في عام 1735، وتلا ذلك عريضة أخرى وقع عليها نبلاء وأثرياء رجال في 1735.
> عدد الموقعين من النساء والرجال على العريضتين بلغ 375.
> تشارلوت دوقة سومرست كانت أصغر الموقعات سنا (18 عاما) وأكبرهن عمرا كانت آن بارونة ترفور التي كانت في الرابعة والستين من العمر حين أضافت توقيعها على العريضة في عام 1734.
> شملت قائمة الموقعات 7 دوقات و3 بارونات و8 كونتيسات.


مقالات ذات صلة

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

العالم الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

عيّن البابا فرنسيس أول امرأة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، وهي راهبة إيطالية ستتولى مكتباً يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي محسنة المحيثاوي (متداولة)

محسنة المحيثاوي... أول امرأة ترأس محافظة السويداء السورية

عيّنت الإدارة الجديدة في سوريا محسنة المحيثاوي محافظاً لمحافظة السويداء جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مصرف سوريا المركزي (متداولة)

سوريا: تكليف امرأة بمنصب حاكم المصرف المركزي لأول مرة

أكدت مصادر سورية، اليوم الاثنين، تكليف ميساء صابرين لتكون أول امرأة بمنصب حاكم مصرف سوريا المركزي، في خطوة تُعد سابقة بتاريخ المصرف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي امرأة شابة تلتقط صورة بعلم «الثورة» السورية في دمشق (أ.ب)

تصريحات مسؤولة في الإدارة السورية الجديدة حول المرأة تثير جدلاً

أثارت تصريحات أدلت بها مديرة مكتب شؤون المرأة في الإدارة السورية الجديدة حول النساء جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات من المجتمع المدني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
آسيا منظر للنوافذ في المباني السكنية بالعاصمة الأفغانية كابل (إ.ب.أ)

«طالبان» تمنع النوافذ المطلة على أماكن تجلس فيها النساء

أمر المرشد الأعلى لـ«طالبان» بإغلاق النوافذ التي تطل على أماكن تجلس فيها النساء الأفغانيات وبالتوقف عن إنشائها في المباني الجديدة.

«الشرق الأوسط» (كابل)

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
TT

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)

خلال إحدى حفلاته الأخيرة في بيروت، فوجئ المغنّي السوري «الشامي» بأحد الحاضرين الذي صعد إلى المسرح ووجّه إليه حركة نابية، بعد أن رفض الفنان الشاب ارتداء الكوفيّة نزولاً عند رغبة المعجب. أثارت تلك الحادثة الاستغراب، فبعد أن كان المعجبون يقتحمون خشبات المسارح لاستراق قبلة أو صورة مع مطربيهم المفضّلين، ها هم يحطّمون الحواجز الأخلاقية بينهم وبين الفنان.

لكن إذا كانت تلك التصرّفات العدائية من قبل المعجبين تجاه الفنانين طارئة على العالم العربي، فهي تُعد سلوكاً رائجاً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ عام 2021، وتحديداً بعد عودة الحفلات الموسيقية عقب جائحة «كورونا».

تعرَّض المغني الشامي قبل أسابيع لحركة نابية من معجب اقتحم المسرح (إنستغرام)

هاتف وسِوار على وجهَي ريكسا وأيليش

قبل أسابيع، وخلال حفلٍ لها في أريزونا، التقطت عدسات الكاميرا الفنانة الأميركية الشابة بيلي أيليش وهي تتلقّى سواراً على وجهها. بدت أيليش ممتعضة من هذا التصرّف الذي قام به أحد الحاضرين، فما كان منها إلا أن رمت السوار جانباً. أيليش، محبوبة الجيل الصاعد، معتادة على مواقف كهذا؛ في عام 2019 جرى تطويقها من قبل مجموعة من المعجبين؛ حيث حاول أحدهم خنقها بينما سرق آخر خاتمها.

قبل أيليش، تعرَّض عدد كبير من الفنانين لاعتداءات بأغراضٍ من العيار الثقيل، وأكثر أذى من مجرّد سوار. كان على المغنية بيبي ريكسا التوجّه من حفلها في نيويورك إلى المستشفى مباشرة، بعد أن رماها شخصٌ من بين الحضور بهاتفه على وجهها. وفي وقتٍ ظهرت ريكسا بعد الإصابة مجروحة الحاجب، جرى توقيف المعتدي الذي قال إنه تصرّف على هذا النحو آملاً في أن تلتقط الفنانة صوراً بهاتفه.

دجاج مقلي ومشروبات ورماد موتى

من بين الحوادث الصادمة، الصفعة التي تلقّتها المغنّية آفا ماكس من شخصٍ صعد إلى المسرح، بينما كانت تؤدّي أغنية خلال حفل لها في لوس أنجليس. أما المغنّي هاري ستايلز فكانت حصّته من هذه الظاهرة المستجدة قطعة دجاج مقلي أصابت عينه خلال إحدى حفلاته.

إلى جانب الهواتف التي نال مغنّي الراب دريك نصيبه منها كذلك خلال حفل في شيكاغو عام 2023، غالباً ما يلجأ الحضور إلى رمي الفنانين بالدّمى، وقطع الملابس، والمأكولات، والمشروبات. هذا ما حصل مع المغنية كاردي بي التي وجّه إليها أحد حاضري حفلها في لوس أنجليس كوباً من المشروب، فما كان منها سوى أن رمته بالميكروفون. إلا أن صدمة المغنية بينك كانت الأكبر من بين زملائها، فخلال إحيائها حفلاً في لندن، قام فردٌ من الحضور بنَثر رماد والدته المتوفّاة على المسرح!

مغنية الراب كاردي بي تضرب معجباً بالميكروفون بعد أن رماها بالمشروب (يوتيوب)

إن لم يتطوّر الأمر إلى رمي الفنان بأداة ما، غالباً ما يلجأ الحاضرون مفتعلو المشكلات إلى حِيَل أخرى، كتصويب فلاشات الكاميرا إلى وجه المغنّي بهدف إزعاجه، أو كالصراخ والسعي إلى الانخراط في محادثة معه.

في المقابل، يلوم بعض متابعي هذا المشهد المستجدّ الفنانين أنفسهم، على اعتبار أنّ بعضهم يعمد إلى رمي الجمهور بأغراض خاصة به، مثل القبعات والملابس والنظارات، ما دفع بالحضور إلى اكتساب تلك العادة والقيام بالمثل.

يلجأ بعض حضور الحفلات إلى إزعاج المغنِّين بالصراخ أو بفلاشات الكاميرات (رويترز)

لماذا يعنّف الجمهور الفنانين؟

* كورونا وعزلة الحَجْر

إذا كان الجمهور في الماضي يرمي الفنان بالبيض أو الطماطم في حال لم يعجبه الأداء، فإنّ وسائل التعبير وأسباب الامتعاض تبدّلت كثيراً على أيادي «الجيل زد». يعزو خبراء العروض الموسيقية وعلماء النفس والاجتماع تفاقم تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى الحجْر الذي فرضته جائحة «كورونا». بسبب العزلة وتوقّف العروض الترفيهية المباشرة، نسي بعض الناس لياقة التصرّف وأدبيّات السلوك خلال الحفلات، ولا سيما منهم الجيل الصاعد.

* أوهام السوشيال ميديا وأرقامُها

السبب الثاني الذي جعل المعجب يرفع الكلفة مع الفنان، ويعد نفسه متساوياً معه محطّماً الحواجز كلها، هي وسائل التواصل الاجتماعي التي أوهمت الجمهور بأنّ الفنان صديق له، وبأنّ ما بينهما معرفة ومشاعر حقيقية وليست افتراضية. يظنّ المعجبون أنهم بمتابعتهم للفنان، وبمعرفتهم أموراً كثيرة عنه، قد كسروا جدار البروتوكول، ونالوا اهتمام الشخصية المشهورة.

تتحمّل «السوشيال ميديا» كذلك مسؤولية تحويل الحفلات الموسيقية إلى عروضٍ من العنف ضد الفنان، بسبب هوَس الجيل الصاعد بمفهوم «التريند» وتجميع المشاهدات، ولا سيما على «تيك توك». يسعى الحاضرون إلى افتعال تلك المواقف النافرة بهدف أن يصيروا جزءاً من العرض، وأن ينشروا بالتالي فيديوهات لتلك اللحظات الغريبة على أمل أن تنال الرواج على المنصة، فيدخلون بدَورهم نادي المشاهير، ولو لأيام قليلة.

* حقدٌ ماليّ

من بين الأسباب التي حوّلت حفلات أشهر الفنانين إلى عروض من العنف، أسعار البطاقات التي قد تكون خيالية في بعض الأحيان. يلجأ الحاضرون إلى التعبير عن امتعاضهم من الغلاء، بأن ينتقموا على طريقتهم من الفنان. وما يزيد الأمر سوءاً ويستفزّ البعض، ظهور الفنانين أمام الناس وهم يرتدون الملابس والحلي ذات الأثمان الباهظة والماركات العالمية.

يترافق ذلك وقناعة لدى أفراد الجمهور الذين يقومون بأعمال نافرة، بأنّ عشقَهم للشخصية المشهورة يبرر العنف ضدّها إن لم تبادلهم الاهتمام؛ خصوصاً إذا أنفقوا الكثير من أموالهم لشراء بطاقات الحفل. فبعض الجمهور يذهب في إعجابه إلى حدّ اعتبار أنّ أي شيء مبرّر من أجل الحصول على لفتة انتباه أو نظرة من الفنان، حتى وإن اضطرّه ذلك إلى افتعال مشكلة أو ضرب المغنّي بأداة حادّة!

يعد بعض جمهور الحفلات كل التصرفات مبررة من أجل لفت انتباه الفنان (رويترز)

أدبيات سلوك الحفلات

من ليدي غاغا، إلى دوا ليبا، مروراً بجاستن بيبر، وكولدبلاي، وليس انتهاءً بمايلي سايرس وتايلور سويفت؛ لم ينجُ أحد من اعتداءات الجمهور الغريبة. فرض ذلك اتّخاذ مواقف من قبل الفنانين تجاه ما يحصل، فخلال إحدى حفلاتها في لوس أنجليس رفعت المغنية البريطانية أديل الصوت قائلة: «هل لاحظتم كم نسي الناس أخلاقيات الحفلات؟ إذا تجرّأ أحد على أن يرميني بغرض ما، فسأقتله».

أما رابطة معجبي تايلور سويفت، فقد ابتكرت دليلاً لأدبيّات السلوك في الحفلات، خوفاً على محبوبتهم من التعدّيات. مع العلم بأنّ المغنية الأميركية الشابة كانت قد نالت نصيبها من تلك التصرفات، وقد عاشت إحدى أكثر اللحظات غرابة، عندما هجم أحد المعجبين باتّجاه المسرح، وحاول التقاط قدمِها بينما كانت تغنّي، قبل أن يلقي عناصر الأمن القبض عليه.