مربعان أمنيان للنظام السوري في الحسكة والقامشلي... بإدارة كردية

ترصد العلاقة بين دمشق وشرق البلاد ومعاناة المواطنين على نقاط التفتيش

شارع فلسطين في سوق الحسكة
شارع فلسطين في سوق الحسكة
TT

مربعان أمنيان للنظام السوري في الحسكة والقامشلي... بإدارة كردية

شارع فلسطين في سوق الحسكة
شارع فلسطين في سوق الحسكة

يسكن الصيدلي عبد الحكيم رمضان (52 سنة)، مع أسرته في محافظة الحسكة شمال سوريا، في مدينة منقسمة السيطرة. يقع منزله مقابل دائرة التجنيد وسط المربع الأمني الخاضع للنظام الحاكم، فيما تقع صيدليته في شارع فلسطين عند آخر نقطة تماس تفصل بين مناطق النظام ومناطق الإدارة الذاتية الكردية المعلنة بداية عام 2014 من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وأحزاب وجهات عربية ومسيحية.

يعمل عبد الحكيم صيدلاني منذ عام 1992، وهو عضو في مجلس السلم الأهلي بمدينة الحسكة ممثلاً عن المجلس الوطني الكردي المعارض. ينتقل يومياً من مكان سكنه إلى عمله وسط إجراءات أمنية مشددة من الطرفين، كما يشكو من انتشار الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش من الجانبين.
يروي عبد الحكيم انه قبل فترة وقعت اشتباكات عسكرية بين عناصر النظام وقوات الأسايش الكردية، امتدت إلى الشارع الذي تقع فيه صيدليته. يقول: «حوصرنا هنا لساعات لم نتمكن من الخروج أو الحركة لشدة الاشتباكات وكان الرصاص مثل زخ المطر»، فالمنطقة التي تقع فيها الصيدلة يتنافس النظام والإدارة لضمها إلى مناطق سيطرتها، باعتبارها المركز التجاري الرئيسي لمدينة الحسكة، مما يعوق عمله الإنساني في تقديم الأدوية والمساعدات الطبية للمواطنين، ويتابع: «بقينا عدة أيام حتى هدئت تلك الأحداث، بعدها وعندما فتحت الصيدلية تفاجئا بأنها سرقت ونهب معظم ما كان فيها، وتعرضت الواجهة الزجاجية للكسر»، وطالت الحالة غالبية المحال التجارية والعيادات الطبية المجاورة وقد تعرضت للحرق والنهب، وأضاف: «الأمر المؤسف أنه لا النظام ولا الإدارة عوضتنا بالخسائر المادية، هذه المواقف تتكرر باستمرار، فالأوضاع هنا متقلبة ومعرضة للتصعيد في أية لحظة».



ومنح انسحاب قوات النظام السوري من مناطق كثيرة من البلاد بداية 2013، الأكراد فرصة لتشكيل إدارات محلية في ثلاث مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، والجزيرة تضم مدينتي الحسكة والقامشلي إحدى التجمعات الكردية، إضافة إلى عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، ومدينة عفرين بريف حلب الشمالي، وهي منطقة حدودية محاذية لولاية هاتاي التركية، ومنذ 20 يناير (كانون الثاني) الماضي تتعرض لهجوم غير مسبوق من الجيش التركي وفصائل سورية معارضة موالية لها، بهدف انتزاعها من الوحدات الكردية التي تسيطر عليها منذ أواخر 2012.
ويحتفظ النظام السوري بمربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي. ففي الحسكة يبدأ المربع من شارع القامشلي غرباً ويشمل ساحة الرئيس والأبنية الحكومية والقصر العدلي وسرايا المحافظة وقسماً من السوق المركزية، لتنتهي عند الحارة العسكرية شرقاً، إضافة إلى سيطرتها على فوج جبل كوكب الواقع على بعد 15 كيلومتر شمال شرقي الحسكة، ويعد أكبر قطعة عسكرية خاضعة لسيطرة النظام إلى جانب فوج 137 في مدينة القامشلي.
ويفصل شارع فلسطين وسط الحسكة مناطق التماس الفاصلة بين سيطرة عناصر النظام و«أسايش» وهي شرطة محلية تتبع الإدارة الذاتية الكردية، وتنتشر حواجز كل قوة على جانبي السوق، ونصبت «أسايش» نقاط تفتيش مقابل كل حاجز عسكري يتبع النظام، ويصف الصيدلاني عبد الحكيم المشهد في مدينته بـ«المعسكر المغلق» ويقول: «حواجز الطرفين متداخلة ومنتشرة بكثرة، يجب إخراجها من المدينة».
وباتت الإدارة الذاتية المرجعية التي تتولى تسيير شؤون الناس وإدارة المؤسسات والخدمات، واتخذت سلسلة إجراءات أبرزها إدخال اللغة الكردية إلى المناهج الدراسية، وتشكيل مؤسسات خدمية موازية للدوائر الحكومية، تعمل على جباية الضرائب وإصدار الأوراق الرسمية الصادرة عنها، وكشف عبد الحكيم أنه يدفع الضرائب للنظام وللإدارة في الوقت نفسه، لأن صيدليته تقع بين قطاعي الطرفان، ويقول: «النظام يشدد عندما نسافر عبر المطار أو مراجعة أي دائرة حكومية، ويطلب براءة ذمة بدفع الفواتير والضرائب المالية، الأمر ينطبق كذلك عند الإدارة، فعند مراجعة أي مؤسسة أو طلب المحروقات أو أجرة الغاز، يتأكدون من دفع الضرائب المالية المترتبة علينا لصالحهم».
أما سعاد وهي سيدة في بداية عقدها الخامس، تسكن بالقرب من سرايا المحافظة وسط مدينة الحسكة، شبهت الحياة في مدينتها بـ«دولة ضمن دولة»، لانتشار مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن قطاع المربع الأمني التابع للنظام، وتقول: «يوجد (مجلس كومين) في شارعنا وفي بداية فصل الشتاء زارتني رئيسة المجلس، وقالت لي إنهم سيوزعون المازوت وجرة الغاز، لم أصدق ما سمعت لأن منزلي يقع وسط ما يسمى المربع الأمني بالحسكة»، وبالفعل بعد عدة أيام قام المجلس بتوزيع المازوت على سعاد وسكان الحي، كما تحصل على أجرة الغاز، و(الكومين) أو مجلس الحي يعتبر أصغر وحدة إدارة من بين مؤسسات الإدارة الذاتية.
وتروي سعاد حادثة جرت قبل ثلاثة أشهر، إذ إن حراس وعناصر الأمن التابعين لسرايا المحافظة حصلوا على مازوت التدفئة من نفس المكان، وتابعت حديثها: «نحن نعيش في دولة ضمن دولة، شكلياً المربع الأمني يتبع قوات النظام، لكن فعلياً الإدارة الذاتية تدير كل شيء، حقيقةً لا أعرف من يحكمنا، ومعظم سكان الحسكة لا أحد يعلم من هي الجهة المسيطرة».

مدينة منقسمة
لا يختلف المشهد في القامشلي الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، كثيراً عن محافظة الحسكة؛ إذ إن النظام لا يزال يحتفظ بمربع أمني يصفه سكان المدينة بـ«المستطيل»، يضم مقرات الأجهزة الأمنية شمالاً، وقسماً من سوق المدينة يصل إلى شارع الوحدة شرقاً، ومطار القامشلي الواقع جنوباً وهو الوحيد في المحافظة ويعد المنفذ الواصل بينها وبين باقي المدن مع الداخل السوري.
في الطريق إلى السوق المركزي وعند الوصول إلى دوار مدينة الشباب يستوقفك حاجز «أسايش»، وتتوزع مؤسسات ومقرات الإدارة الذاتية في الجهة اليمنية ويسمى بـ«المربع الأمني للإدارة»، وعند إكمال الطريق نحو سوق المدينة، يستوقفك شرطي مرور يقف قبل مؤسسة البريد لا يفصله سوى عدة أمتار عن حاجز (الأسايش)، ثم تأتي ساحة دوار السبع بحرات يتوسطها تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وتقع شمالها مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، كما تنتشر على جانبيه عناصر المخابرات ورجال الأمن والشرطة.
واعتبر أسعد أبو روند صاحب حلويات الموعد المعروفة لدى سكان القامشلي، أن وجود مؤسسات الدولة ومقرات النظام تخدم مصلحة مواطني المنطقة، حيث يقع محله مقابل تمثال الأسد، ويقول: «يقع دكاني منتصف المربع الأمني، على بعد أمتار غرباً يقف عناصر النظام وشرطة المرور، أما شرقاً وعلى بعد أمتار أيضاً يقف عناصر الأسايش يتبعون الإدارة، والطرفان متفقان ولا يتدخلان بشؤون المدنيين، ويتردد إلينا زبائننا ويشترون أطيب الحلويات دون مضايقات».
وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب الإدارة الذاتية في مارس (آذار) 2016، النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال شرقي البلاد، وسميت بـ«فيدرالية شمال سوريا» وقسمت إدارياً إلى ثلاثة أقاليم، الجزيرة (شمال شرق) وتضم مدينتي الحسكة والقامشلي، وإقليم الفرات (شمال وسط) ويضم محافظة الرقة ومدينتي تل أبيض والطبقة، فيما تشمل إقليم عفرين (شمال غرب) إلى جانب مدينة عفرين مدن وبلدات منطقة الشهباء بريف حلب الشرقي.
واعتبرت فوزة يوسف، الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لـ«فيدرالية شمال سوريا»، أن وجود النظام في المربعات الأمنية في كل من القامشلي والحسكة محدود، وقالت: «لا يمتلكون صلاحية التدخل بشؤون المواطنين لأن الإدارة تقوم فعلياً بإدارة المنطقة بشكل عام»، وأكدت عدم وجود أية علاقة عضوية بين مؤسسات الإدارة ودوائر النظام، منوهة: «في الحالات الطارئة وفي حال ظهور قضايا ومشكلات تمس المواطنين وحياتهم بشكل مباشر؛ يتم التباحث معهم من أجل حلها»، وأشارت إلى أن العلاقة بين الطرفين ندية: «تقوم على التوازن في القوى، ولا يوجد أي غموض أو التباس فيها»، بحسب فوزة يوسف.
ومدينة القامشلي منقسمة السيطرة بين ثلاث جهات عسكرية: قوات الوحدات و«أسايش» وتسيطر على معظم المدينة واتخذت من الدوائر والمؤسسات الحكومية مقرات لها، أما القوات النظامية وميليشيا الدفاع الوطني يسيطرون على المربع الأمني ومطار القامشلي والفوج 137، في وقت تسيطر «قوات السوتورو» على الأحياء المسيحية الواقعة وسط القامشلي وهي ميليشيا متحالفة مع النظام.
وأكد المعارض الكردي سراج كلش (52 سنة)، الذي يعيش بالقامشلي، أنّ عمل أجهزة المخابرات والأمن شبه معطل، وقال: «التعبير الأصح أنها في سبات كامل؛ لا اعتقالات تذكر ولا مداهمات ولا دوريات»، فيما لا تزال دوائر القضاء والأحوال المدنية (النفوس) التابعة للنظام على رأس عملها بالقامشلي، وعن عمل هذه المؤسسات علق سراج: «عملها محصور في خدمة وتسيير معاملات المواطنين كتثبيت حالات الزواج وتسجيل الولادات والعقارات وإصدار الهويات الشخصية ودفاتر العائلة».
ورسمت كل جهة عسكرية حدود سيطرتها بسواتر ترابية ونقاط تفتيش، ولا تدخل عناصر «أسايش» المنطقة الخاضعة لقوات «سوتورو» تجنباً لأي مواجهات بين الطرفان، حيث حاولت الأسايش بداية عام 2016 السيطرة على الحي المسيحي، مما نتجت عنه اشتباكات عنيفة، بالمقابل يتمكن المدنيون من التنقل بسهولة من حي إلى آخر دون تفتيش أو تدقيق في الأوراق الثبوتية، وحتى السيارات الخاصة التي تحمل لوحات الإدارة الذاتية؛ تدخل مناطق النظام والسوتورو دون مضايقات تذكر، بالمقابل يتجول عناصر النظام وآلياته بحرية في باقي المدينة.
وشدد كلش أن العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري لا يشوبها الغموض والريبة، مشيراً: «الحزب يسيطر على جميع المؤسسات ويتحكم بموارد المنطقة، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والمدنية والأمنية، دون اعتراض يذكر من شركائها في الإدارة من الجهات السياسية والمكونات المجتمعية كالعرب والآشوريين وممثلي المكونات الأخرى».

انتقادات
قبل اندلاع الانتفاضة المناهضة لنظام الحكم في سوريا ربيع 2011، عانى الأكراد الذين يشكلون نحو 15 في المائة من تعداد السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب، من التهميش والحرمان على مدى عقود من حكم حزب البعث منذ سبعينات القرن الماضي، وبعد انسحاب القوات النظامية تدريجياً من مناطقهم بدأوا بتعزيز موقعهم، وبرزوا في وقت لاحق كقوة منضبطة الأكثر فعالية في قتال تنظيم «داعش» المتشدد.
وذكرت هيفا العربو الرئيسية المشتركة لإقليم الجزيرة، أنّ عموم الشعب السوري عانى من الظلم والاضطهاد تحت ظل نظام استبدادي تمثل بحزب البعث الذي أنكر وجود وهوية شعوب ومكونات المجتمع، وقالت: «كذلك نحن الكرد عانينا الأمرين من إنكار هويتنا وإرادتنا تحت حكم مركزي تسلطي»، وأكدت هيفا العربو أن الإدارة الكردية غير معنية بمن يحكم سوريا مستقبلاً، وتضيف: «بقدر ما يهمنا كيفية بناء نظام سياسي للحكم قائم على الفيدرالية والتشاركية واللا مركزية السياسية»، ولفتت: «نحن جزء من سوريا ولا نسعى إلى الانفصال، ولا نسعى للسيطرة على الحكم والتفرد بالسلطة، لأن الإدارة تشاركية بين جميع مكونات وطيف المجتمع السوري، لكن الأهم هو قيام ثورة حقيقية لإظهار حقيقة وإرادة الشعوب وبناء مجتمع ديمقراطي».
وفي صيف عام 2017، أقر حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاؤه في الإدارة الذاتية، قانوناً انتخابياً ودستوراً للنظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم أطلقوا عليه اسم (العقد الاجتماعي) لتنظيم شؤون المنطقة. وبدأت في سبتمبر (أيلول) 2017 انتخابات غير مسبوقة، اختارت في مرحلتها الأولى الرئاسات المشتركة للجان المحلية للأحياء أو ما تسمى بـ«الكومين»، ثم اختارت في المرحلة الثانية وجرت بداية ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، المجالس المحلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم. وتهدف المرحلة الأخيرة، التي تم تأجيلها بسبب معركة عفرين بريف حلب الشمالي، إلى انتخاب مجلس لكل من الأقاليم الثلاثة التي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية، ثم انتخاب مجلس مشترك يكون بمثابة برلمان محلي يسن القوانين والتشريعات ويصادق على الحكومات المحلية.
وينتقد «المجلس الوطني الكردي» المعارض وينضوي ضمن الائتلاف الوطني المعارض لقوى الثورة والمعارضة السورية، علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بالنظام السوري. ويقول بشار أمين مدير المكتب الإعلامي للمجلس الوطني الكردي المعارض: «هذه الإدارة لا تتمتع بالحرية الكاملة في اتخاذ قراراتها، لأنها لا تزال على علاقة مع النظام وتتحرك بالتنسيق والتعاون معه ولا سيما في القضايا الأساسية»، ونقل أن النظام لم ينسحب بشكل نهائي وكامل من مناطق الإدارة، مضيفاً: «هذه كانت إحدى الأسباب الرئيسية في عدم قدرة هذا الطرف على قبول الشراكة الحقيقية مع مجلسنا الكردي».
واتهم أمين حزب الاتحاد بالتفرد بالسلطة والحياة السياسية وفرض أجنداته، وتابع حديثه ليقول: «اعتقالاته مستمرة بحق قيادات وكوادر المجلس الكردي وأحزابه، وعمد إلى إغلاق مقراته ومكاتبه، ويلاحق الشباب بعدما فرض التجنيد الإجباري، والإتاوات والضرائب الباهظة على أبناء المنطقة»، وعلق قائلاً على انعدام العلاقة بين المجلس الكردي وحزب الاتحاد بالقول: «المرحلة تقتضي توفير مناخات الحوار والتفاهم بين أبناء المجتمع الواحد عن طريق وحدة الصف والموقف السياسي ولو في حده الأدنى».
وبحسب المحلل والكاتب الصحافي آلان حسن، فإن العلاقة الضبابيّة وغير الواضحة بين حزب الاتحاد والنظام في الإعلام فقط، ويرتبط الطرفان بمصالح مشتركة في وجود الحكومة السورية بمدينتي القامشلي والحسكة، وقال: «خروج محافظة الحسكة كاملة عن سيطرة الحكومة يقطع أي تواصل بينها وبين الإدارة، فلا الأخيرة تريد الانفصال عن سوريا، وهي التي تنادي بدولة اتحاديّة، ولا الحكومة مستعدة للتنازل عن جزء من أراضيها، خصوصاً أنّ المنطقة غنيّة بالنفط والغاز، وكذلك بالموارد الزراعيّة، كما تُعتبر خزاناً مائياً مهماً لكلّ سوريا».
وعن التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين، يضيف حسن: «نعم التنسيق يتمّ بالدرجة الأولى بين الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، كَون الطرفين يحاربان معاً في جبهات عدة ضد التنظيمات المتطرفة، ويتشاركان بالعداء ضد تركيا، لكن الخلاف السياسي زاد بعض الشيء في ظلّ تحالف قوات سوريا الديمقراطيّة مع الولايات المتحدة، وكذلك إعلان الفيدراليّة في مناطق شمال سوريا».
وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية التي تتلقى منذ سنوات دعماً من الولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف الدولي في حربها ضد تنظيم داعش.

على الحواجز!
ينقل أهالي مدينتي الحسكة والقامشلي، أنه وبعد سيطرة تنظيم داعش على محافظتي دير الزور والرقة في يناير عام 2014، وطرده لاحقاً على أيدي «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم وإسناد جوي من التحالف الدولي، عزلت محافظة الحسكة بالكامل عن محيطها السوري، وبقي مطار القامشلي المنفذ الوحيد للسفر ونقل المواد الطبية والأغذية، وللسفر إلى باقي مدن الداخل. ويقول محمد أبو شيرين الرجل الستيني الذي يسكن بمدينة القامشلي، ويتذكر تلك الأيام بالقول: «بقي المطار شريان الحياة لكل سكان المنطقة، والمعبر الوحيد مع باقي مناطق سوريا».
أما عباس أبو محمد (52 سنة) ويعمل سائق تاكسي منذ ثلاثين سنة، ويترأس خط مدينة القامشلي، لم يخفِ أن كل شيء قد تغير، وقال: «الوقود ليس كما كان، وقيمة الليرة متدنية جداً، وإذا قمنا بعملية حسابية الأجرة لم تتغير، فالزبون قبل الأزمة كان يدفع 50 ليرة أجرة توصيلة، أما اليوم يدفع 500 ليرة».
وعن تداخل حواجز النظام والإدارة، أكد أن السيارات العمومية لا تعترضها أي جهة، ويقول: «هناك تعليمات من الإدارة ومرور الحكومة بالإبقاء على عملنا لخدمة الناس، وأنا أدفع الضرائب المالية لدائرة المرور التابع للنظام لأن لوحة سيارتي حكومية»، في حين أكد أن السائق والراكب يقضيان معظم وقتهما على الحواجز ونقاط التفتيش لكثرة انتشارها.
فيما أكد المحلل آلان حسن أنّ المشهد في المنطقة سيبقى ضبابيا، ومستقبله يرتبط بمدى التوافق الأميركي - الروسي على مستقبل سوريا ككلّ، وقال: «الدول العظمى تتخلى عادةً عن بعض أوراقها في التفاهمات الكبرى، وسيبقى مصير المنطقة مرهوناً بهذه التفاهمات الدولية، في ظل عدم وجود محاولات من أي طرف لاستدارة ما، تقلب المعادلة الصفريّة القائمة».



تركيا تعلق آمالاً على «صداقة» ترمب لحل الملفات العالقة

ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تركيا تعلق آمالاً على «صداقة» ترمب لحل الملفات العالقة

ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)

تبرز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بوصفها واحدةً من أكثر العلاقات تعقيداً وتقلباً. فعلى الرغم من التحالف في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن البلدين يحرصان على إدارة هذه العلاقة وتسييرها من منظور براغماتي قائم على المصالح.

وبشكل عام، تشعر أنقرة بالارتياح مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد مضي عام من ولايته الثانية، التي شهدت ما يشبه «المراجعات» في كثير من القضايا الشائكة والملفات الحرجة المزمنة في العلاقات بين البلدين.

يعود ذلك إلى التصريحات المتكررة لترمب عن صداقته مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، و«إعجابه بذكائه» في كثير من القضايا، وفي مقدمتها تغيير النظام في سوريا.

هناك فرق جوهري ملحوظ بين إدارة ترمب وإدارة سلفه جو بايدن؛ إذ لا يبدي الأول أي حساسية تجاه أوجه القصور في الديمقراطية في تركيا، بعكس بايدن، الذي وصل إلى حد وصف إردوغان بـ«الديكتاتور»، وامتنع عن استضافته في البيت الأبيض على مدى 4 سنوات.

براغماتية ونهج حذر

لفتت إلى ذلك أستاذة العلوم السياسية التركية، دنيز تانسي، عادَّة أن الطرفين «يحاولان إيجاد أرضية مشتركة أوثق، وأن الولايات المتحدة تتصرف ببراغماتية في هذه المرحلة».

نأت واشنطن بنفسها عن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو والاحتجاجات التي أعقبته (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

وقدَّم مدير مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية التركي، سنان أولغن، اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أبرز منافسي إردوغان على حكم تركيا، منذ 19 مارس (آذار) الماضي، وإحالته إلى المحاكمة بشبهات فساد وإغراقه بكثير من القضايا، وتجاهل الاحتجاجات الشعبية على ذلك من جانب واشنطن، مثالاً واضحاً على التغاضي عن وضع الديمقراطية في تركيا.

وقال: «إن هذا فرق كبير عن الفترة السابقة، على الأقل نرى أن النهج على أعلى المستويات أصبح أكثر إيجابية... التفاؤل الحذر هو الإطار الذي وضعته قنصل تركيا العام السابقة في لوس أنجليس، غولرو غيزر، للعلاقات التركية - الأميركية في ولاية ترمب الثانية، لافتة إلى أن العلاقات وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال فترة بايدن، وأن الديمقراطية، والتحول الديمقراطي، ليسا ضمن أجندة ترمب السياسية، وأنها غائبة حتى في بلاده، ومن الصعب حصر هذا الأمر في علاقته بتركيا أو غيرها من الدول».

كانت قضية اعتقال طالبة الدكتوراه التركية، روميسا أوزتورك، في الولايات المتحدة في 25 مارس بتهمة المشاركة في أنشطة لدعم حركة «حماس» الفلسطينية، وامتناع أنقرة عن مناقشة القضية علناً، مثالاً ثانياً على محاولة تجنب الإضرار بالديناميكية الإيجابية التي بدأت مع ترمب في ولايته الثانية.

مراجعة الملفات العالقة

وعد ترمب بحل قضية حصول تركيا على مقاتلات «إف - 16»، والعودة إلى برنامج إنتاج وتطوير مقاتلات «إف - 35»، الذي أُخرجت منه في أواخر ولايته الأولى بعد حصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس - 400»، صيف عام 2019، وقيامه في ديسمبر (كانون الأول) 2020 بفرض عقوبات على قطاع الصناعات الدفاعية التركي بموجب قانون مكافحة خصوم تركيا بالعقوبات (كاتسا).

فرض ترمب في 2020 عقوبات على تركيا بموجب قانون «كاتسا» (موقع الصناعات العسكرية التركية)

ومؤخراً، قال السفير الأميركي لدى تركيا المبعوث الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، إنه سيتم حل الملفات الخلافية في العلاقات مع تركيا خلال فترة تتراوح بين 3 و4 أشهر، لكنه أبقى مسألة رفع عقوبات «كاتسا» وعودة تركيا إلى برنامج «إف - 35» رهن التخلص من منظومة «إس - 400»، وهو أمر شبه مستحيل بالنسبة لتركيا؛ بسبب شروط الصفقة الموقَّعة مع روسيا عام 2017.

وفجَّرت زيارة إردوغان الأولى للبيت الأبيض، منذ 6 سنوات، التي أجراها في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، انتقادات حادة من جانب المعارضة التركية؛ بسبب تصريحات أدلى بها براك عشية لقاء ترمب وإردوغان، قال فيها إن الأزمات التي ظلت عالقة لسنوات في العلاقات التركية - الأميركية، مثل حصول تركيا على منظومة «إس - 400» ومقاتلات «إف - 35» و«إف - 16»، تجب معالجتها من منظور «الشرعية»، وإن ترمب قال إنه سئم هذا، قائلاً: «فلنتخذ خطوةً جريئةً في علاقاتنا ونمنحه (إردوغان) ما يحتاج إليه».

السفير الأميركي لدى تركيا توماس برّاك (أ.ب)

وأضاف أنه عندما سأل ترمب عمّا يحتاج إليه إردوغان، أجاب بأنها «الشرعية»، وأن إردوغان شخص ذكي للغاية، والمسألة ليست الحدود مع سوريا (في إشارة إلى قلق تركيا من وجود مقاتلين أكراد على حدودها الجنوبية تدعمهم واشنطن)، أو منظومة «إس - 400»، أو طائرات «إف - 16»، المسألة هي الشرعية.

انتقادات من المعارضة

على خلفية هذه التصريحات، اتهم زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب «الشعب الجمهوري» إردوغان بأنه «حوَّل تركيا من حليف استراتيجي لأميركا إلى عميل ثري يملأ جيوب ترمب بشراء 225 طائرة (بوينغ)، وتوقيع صفقة الغاز المسال وخفض الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية، وتوقيع اتفاقية للطاقة النووية للأغراض المدنية دون الحصول على أي مقابل، إلا البحث عن شرعية في غياب حكم ديمقراطي في تركيا».

ترمب وإردوغان شهدا توقيع اتفاقية في مجال الطاقة النووية لأغراض مدنية 25 سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

بدوره، عدّ رئيس حزب «النصر» القومي المعارض، أوميت أوزداغ، تصريح برّاك حول «الشرعية» إهانةً للأمة التركية، ولإردوغان، ورأى أن إشارة ترمب بإصبعه إلى إردوغان خلال لقائهما بالبيت الأبيض، قائلاً: «هذا الرجل يعرف الانتخابات المزورة أكثر من أي شخص آخر»، لم تكن من قبيل الصدفة وإنما لإثارة الجدل في تركيا وعلى الصعيد الدولي.

وانتقد أوزداغ تذكير ترمب مرة أخرى بقضية اعتقال القس الأميركي، أندرو برونسون، التي تسبب في أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا عام 2018، خلال ولايته الأولى، عادّاً أنه انعدام للياقة الدبلوماسية؛ لأن الرأي العام التركي والعالمي يعلم أن قضية برونسون طُرحت مع رسالة مهينة لإردوغان من جانب ترمب.

جانب من مباحثات إردوغان وترمب بالبيت الأبيض في 25 سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

وطالب رئيس حزب «الوطن» التركي ذو التوجه اليساري، دوغو برينتشيك، بطرد برّاك من أنقرة.

حاول براك إصلاح الأمر قائلاً، في تصريحات لوسائل إعلام تركية، لاحقاً، إن رئيسنا (ترمب) يثمّن عالياً جهود تركيا سواء لمصلحة أميركا أو في إطار «ناتو»، وإنه «يضع في مفهوم الشرعية معنى الاحترام».

بدوره، عدّ إردوغان موقف المعارضة تعبيراً عن «خيبة الأمل» ودليلاً على النجاح الكبير للزيارة.

ملفات دولية وإقليمية

على الرغم مما يبدو أنه حراك فعال على خط العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وتنسيق في كثير من الملفات الدولية والإقليمية، مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، والأمن الأوروبي، والطاقة والقضايا المتعلقة بـ«ناتو»، إلى جانب الإشادة الأميركية بالدور التركي في سوريا، والتنسيق الفعال بشأن سوريا ومكافحة الإرهاب، يبدو أن الملفات الأساسية، وفي مقدمتها الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب (الكردية) التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لا تزال تراوح مكانها، بدافع من غياب الثقة المتبادلة حسب رؤية الخبراء، رغم التصريحات التي تشير إلى توجه أميركي لتحسين الوضع في الولاية الثانية لترمب عنها في الولاية الأولى.

تدريب مشترك بين القوات الأميركية و«قسد» في شمال شرقي سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

في الملف السوري، أحد أهم الملفات الإقليمية التي شهدت تنسيقاً أميركياً - تركياً ملحوظاً في العام الأول من ولاية ترمب الثانية، دعت «وثيقة مشروع 2025»، التي تمثل جزءاً من رؤية ترمب للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، إلى إعادة التفكير في السياسة الأميركية تجاه الأكراد في المنطقة، عادة أن دعمهم قد يهدد المصالح الأميركية والإقليمية ويتعارض مع علاقتها بالحلفاء، مثل تركيا.

ولفتت الأكاديمية التركية، دنيز تانسي، إلى سعي ترمب وإدارته لمنع الصدام بين تركيا وإسرائيل في سوريا، وهو ما انعكس خلال لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض؛ إذ طالبه بحل مشكلاته مع تركيا، مبدياً استعداده للعمل على ذلك بحكم الصداقة التي تربطه بإردوغان.

إردوغان شارك باجتماع حول غزة دعا إليه ترمب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

أما على صعيد القضية الفلسطينية، فإن رؤية ترمب للدور التركي قائمة على تقدير التأثير الفعال لتركيا على «حماس» لصالح إسرائيل، لكنه لم يتمكن حتى الآن من كسر حدة موقف نتنياهو ورفضه مشاركة تركيا في قوة دولية مزمع نشرها في غزة، للسبب ذاته، وهو علاقة تركيا بـ«حماس»، ويشكل ذلك نقطة أخرى لاختبار تغير وجه العلاقات التركية - الأميركية في ظل ترمب.

في التحليل النهائي، تظل العلاقات التركية - الأميركية معقدة ومرهونة بالتفاهمات والصفقات البراغماتية في إطار تعاون تكتيكي في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والتجارة ومكافحة الإرهاب، لكنها ستبقى فاقدة للشراكة الاستراتيجية الراسخة؛ بسبب التباينات في الرؤى حول القضايا الإقليمية.


مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

بعد أشهر من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، وسط حديث متكرر عن بوادر «توتر وأزمة» بين القاهرة وواشنطن على خلفية تبني الرئيس دونالد ترمب مقترحاً لـ«تهجير» سكان غزة، الذي رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبع ذلك من تداعيات، جاء لقاء الرئيسين في شرم الشيخ وتوقيعهما اتفاق سلام بشأن غزة ليؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين على وقع الاضطرابات الإقليمية.

وبينما شهدت بداية العام الأول من ولاية ترمب حديثاً إعلامياً عن إلغاء السيسي خطط زيارة لواشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، رد الرئيس الأميركي عليها بقوله: «السيسي صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً».

وحمل فوز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، نهاية العام الماضي، آمالاً مصرية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، عبَّر عنها السيسي، في منشور لتهنئة ترمب عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، قال فيه: «نتطلع لأن نصل معاً لإحلال السلام، والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميَّين، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية».

لكن طَرْحَ ترمب خطة لـ«تطهير غزة»، وتهجير سكانها إلى مصر والأردن، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين، لا سيما مع إعلان القاهرة رفضها القاطع للتهجير، وحشدها دعماً دولياً لرفض الطرح الأميركي مع إعلانها مخططاً بديل لإعمار غزة، واستضافتها قمةً طارئةً بهذا الشأن في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

القليل المعلن

ويرى ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الجانب اللافت في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، على مدار العام الماضي، هو «انخفاض مستوى الجوانب العلنية»، فباستثناء «عرض ترمب» في شرم الشيخ، «لم يكن هناك كثير مما جرى، على الملأ».

في حين وصف عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي»، العام الأول من ولاية ترمب الثانية، بأنه كان «عاماً صعباً فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية»، مشيراً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أن «العام بدأ بحديث عن التهجير و(ريفييرا الشرق الأوسط)، لكن مصر بجهودها الدبلوماسية استطاعت تحويل المسار، لتحمل خطة ترمب للسلام إشارة إلى رفض التهجير، وحديث عن مسار أمني وسياسي لغزة، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية كلها، وإن كان غير واضح».

وقال حمزاوي: «بدأ العام من نقطة صعبة، هي تطور طبيعي لموقف بايدن المتخاذل في غزة، حيث بدأ الحديث التهجير فعلياً في عهد بايدن، لكن بعد نحو عام من الجهد المصري السياسي والدبلوماسي وصلت الأمور لمعكوس البدايات، حيث أصبح التهجير غير مطروح على أجندة واشنطن، وإن ظل خطراً قائماً لا يمكن تجاهله».

تاريخياً «شكّلت مصر دولةً محوريةً بالنسبة للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى موقعها الجغرافي، وثقلها الديمغرافي، ودورها الدبلوماسي»، بحسب تقرير نشرته أخيراً وحدة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

غزة... العقدة الأبرز

كان لحرب غزة دور في تشكيل العلاقات المصرية - الأميركية خلال العام الأول من ولاية ترمب، ودعمت واشنطن جهود الوساطة المصرية - القطرية لإيقاف الحرب. ووجَّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الشكر للقاهرة بعد نجاحها في إقرار هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن مع استئناف القتال مرة أخرى «وُضعت مصر في مواقف دبلوماسية معقّدة إزاء كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبينما رفضت دعوة ترمب لإعادة توطين سكان غزة، فإن خطتها لإعادة إعمار غزة لم تحظَ بقبول من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وتعرَّضت القاهرة لانتقادات من ترمب إثر امتناعها عن الانضمام إلى واشنطن في تنفيذ أعمال عسكرية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية»، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس.

وأوضح الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» أن «العلاقات المصرية مع إدارة ترمب شهدت توتراً على خلفية ملف غزة؛ حيث ألغى السيسي خططاً لزيارة واشنطن في مطلع العام، عقب إعلان ترمب عن (ريفييرا الشرق الأوسط)، ليقتصر التواصل بين الجانبين على الحد الأدنى».

لكن باتر يشير إلى أن «زيارة ترمب لشرم الشيخ وتوقيع (اتفاق غزة) والاحتفاء بنجاح خطته، كانت فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين القاهرة وواشنطن»، لافتاً إلى أنه بالنسبة للوضع في غزة فإن «مصر أصبحت لاعباً رئيسياً لا غنى عنه لإدارة ترمب ولإنجاح خطته».

وقال حمزاوي: «إن غزة كانت الملف الأبرز في العام الأول لإدارة ترمب، ومنحت مصر فرصةً لاستعادة قراءة صانع القرار الأميركي والأوروبي لدورها وسيطاً رئيسياً لحل الصراع وتفعيل وتنفيذ الاتفاق، والانطلاق لمسارات سياسية»، لافتاً إلى أن «القاهرة استطاعت وضع رؤيتها للحل على الطاولة، فبدلاً من تعاقب المسارَين الأمني والسياسي في الطرح الأميركي، أصبح هناك توافق على توازي المسارات، وكذلك الأمر تحول من الحديث عن نزع السلاح إلى قبول فكرة حصر السلاح».

وطوال العام عوّلت مصر على ترمب لإنهاء الحرب في غزة، عبر بيانات وتصريحات رسمية عدة، ودخلت واشنطن بالفعل على خط الوساطة. وحثَّ السيسي نظيره الأميركي، في كلمة متلفزة في يوليو (تموز) الماضي على بذل الجهد لوقف الحرب بوصفه «قادراً على ذلك».

وتعد «مصر دولة لا غنى عنها في خطوات الاستجابة الدولية لحرب غزة، وإن ظلت شريكاً صعباً للولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما كتبه الباحثان الأميركيان دانيال بيمان وجون ألترمان، في مقال مشترك نشرته «فورين بوليسي». وأوضح بيمان وألترمان أن «الحرب في غزة أعادت تسليط الأضواء الدبلوماسية تدريجياً على مصر، ومنحتها أوراق ضغط قوية».

بدورها، ترى سارة كيرة، مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث، أن «وتيرة العلاقات المصرية - الأميركية في ظل إدارة ترمب في ولايته الثانية تختلف عن الأولى»، موضحة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «ولاية ترمب الأولى شهدت توافقاً بين البلدين في ملفات عدة، وكانت هناك حفاوة من ترمب شخصياً بمصر وإدارتها للملفات المختلفة، لا سيما مكافحة الإرهاب، على عكس الولاية الثانية التي شهدت تباينات في المواقف».

هذه الخلافات في المواقف برزت في أبريل (نيسان) مع حديث ترمب عن «مرور مجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، مقابل ما تبذله واشنطن من إجراءات لحماية الممر الملاحي.

إيجابية رغم التباين

تباين المواقف بشأن غزة لم يمنع من إشارات إيجابية في ملفات أخرى، ففي بداية العام قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية تجميد التمويل الجديد لجميع برامج المساعدات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية، والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر.

كما لم تدرج واشنطن مصر ضمن قائمة حظر السفر التي أصدرتها في يونيو (حزيران) الماضي، وبرَّر ترمب ذلك بأن «مصر دولة نتعامل معها من كثب. الأمور لديهم تحت السيطرة». واستُثنيت مصر أيضاً من زيادة رسوم الجمارك الأميركية. في وقت أكدت فيه مصر مراراً على «عمق ومتانة» العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.

وأشارت كيرة إلى أن «مصر ضغطت بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب على قطاع غزة، ونجحت في إقناع الجانب الأميركي برؤيتها حتى وصلت لتوقيع اتفاق سلام في شرم الشيخ». وقالت: «تعاملت الدولة المصرية ببراغماتية وذكاء، واستطاعت بفهمها لطبيعة شخصية ترمب وللمصالح الأميركية إقناع واشنطن برؤيتها».

وبينما يتعثر الوصول للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، لا تزال مصر تعوّل على ترمب لإنجاح خطته، وتتواصل القاهرة مع واشنطن في هذا الشأن، كما تعمل معها على الإعداد لمؤتمر تمويل إعادة إعمار القطاع، الذي لا يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب أعطته الزخم الكافي.

ولا يقتصر الحوار المصري - الأميركي على غزة، بل يمتد إلى عدد آخر من الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان ولبنان وإيران، إضافة إلى الملفات المرتبطة بالأمن المائي، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي الذي تخشى مصر أن يضر بحصتها من مياه النيل.

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

سد النهضة

في منتصف يونيو الماضي، أثار ترمب جدلاً في مصر بحديثه عبر منصته «تروث سوشيال» بأنَّ الولايات المتحدة «موَّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمةً دبلوماسيةً حادةً مع مصر». وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن «البيت الأبيض» قائمة نجاحات ترمب في إخماد حروب بالعالم، تضمَّنت اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة». وكرَّر ترمب مراراً حديثاً عن جهود إدارته في «حل أزمة السد الإثيوبي»، لكن هذا الحديث لم يترجم حتى الآن إلى جهود على الأرض.

وأشار حمزاوي إلى أن «هناك فرصة لتلعب واشنطن دور الوسيط لحل أزمة سد النهضة، والعودة للاتفاق الذي تمَّ في نهاية فترة ترمب الأولى». لكن تشارلز دن، الباحث في «المركز العربي واشنطن دي سي»، كتب في تقرير نُشر أخيراً، يقول: «إن موقف ترمب من السد الإثيوبي قد يمنح قدراً من الرضا للقاهرة، لكنه قد يفضي في الوقت نفسه إلى نتائج غير محمودة، في ظل عدم تبني واشنطن دور الوسيط في هذا الملف حتى الآن».

وكانت واشنطن قد استضافت جولة مفاوضات خلال ولاية ترمب الأولى عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي؛ بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق.

قوات أميركية محمولة جواً خلال تدريبات النجم الساطع في مصر في سبتمبر 2025 (القيادة المركزية الأميركية)

علاقات عسكرية مستمرة

على صعيد العلاقات العسكرية، واصل التعاون بين الجانبين مساره المعتاد. ومنذ عام 1946، قدَّمت الولايات المتحدة لمصر نحو 90 مليار دولار من المساعدات، مع زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد عام 1979، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس، التي أشارت إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تبرِّر ذلك بوصفه «استثماراً في الاستقرار الإقليمي».

وعلى مدى أكثر من عقد، وضع الكونغرس شروطاً متعلقة بحقوق الإنسان على جزء من المساعدات الموجَّهة لمصر. وخلال الأعوام المالية من 2020 إلى 2023، حجبت إدارة بايدن والكونغرس نحو 750 مليون دولار من التمويل العسكري لمصر، لكن الملحق الفني الأخير الذي قدَّمه ترمب لموازنة عام 2026، تضمّن طلباً بقيمة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، دون أي مشروطية، وفق وحدة أبحاث الكونغرس.

وهنا قال حمزاوي: «الإدارة الأميركية أبعد ما تكون عن وضع مشروطية على مصر، فالعلاقات بين البلدين مبنية على المصالح بين قوة كبرى، وأخرى وسيطة مؤثرة بإيجابية».

بالفعل، منذ حرب غزة، سرَّعت إدارتا بايدن وترمب وتيرة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى مصر بشكل ملحوظ، وأخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بمبيعات عسكرية لمصر بقيمة إجمالية بلغت 7.3 مليار دولار، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية، على صفقة بيع لمنظومة صواريخ متقدمة للدفاع الجوي إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 4.67 مليار دولار. كما استضافت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي مناورات «النجم الساطع».

وقالت كيرة: «العلاقات بين مصر وواشنطن تسير وفقاً لاعتبارات المصالح»، مؤكدة أن «القاهرة استطاعت تقديم نفسها لاعباً أساسياً في الإقليم». بينما أكد حمزاوي أن «مصر في مكان مركزي في تفكير الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث تحتاج واشنطن إلى طيف من الحلفاء، ومصر في موقع القلب منه».


عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟