مايكل ريد: أميركا اللاتينية تقدم أفضل الأمثلة على صعود الزعماء الشعبويين وهبوطهم

مؤلف «القارة المنسية» في حديث لـ «الشرق الأوسط»

مايكل ريد
مايكل ريد
TT

مايكل ريد: أميركا اللاتينية تقدم أفضل الأمثلة على صعود الزعماء الشعبويين وهبوطهم

مايكل ريد
مايكل ريد

اتسمت السنوات العشر الأخيرة من عمر قارة أميركا اللاتينية بقدر كبير من الاضطراب والفوضى، ورغم ذلك كان عقداً امتاز بالتحول في المشهد العام لأحوال القارة، وكانت وتيرة ومقدار التغيير الذي شهدته القارة مثيراً للدهشة، وربما الإعجاب، لدرجة دفعت مايكل ريد إلى إعادة إصدار نسخة جديدة، منقحة ومزيدة، من كتابه «القارة المنسية: التاريخ الجديد لقارة أميركا اللاتينية»، الذي ألفه عن تلك المنطقة عام 2007.
وهذا الإصدار الأخير من كتاب ريد، الخبير في شؤون أميركا اللاتينية لدى مجلة «الإيكونوميست»، لا يتعلق فقط بشؤون التأريخ أو الاقتصاد، وإنما هو عبارة عن دليل أساسي يساعد القراء والمهتمين على تفهم هذه القارة مترامية الأطراف، من برية باتاغونيا المتجمدة في أقصى جنوب القارة حتى الحدود الأميركية المكسيكية في الشمال، وما بينهما من أماكن وأقاليم. وهو من الكتب المهمة والضرورية للغاية، حيث إنه يحمل بين دفتيه كثيراً من التفاصيل الدقيقة عن كل دولة من الدول التي تشكل في مجموعها هذه المنطقة المتنوعة بشكل يدعو للاندهاش.
ويغطي الكتاب التطورات المهمة التي مرت بالقارة الكبيرة خلال العقد الماضي، من صعود الديمقراطية في عدد من البلدان، وانحدارها في بلدان أخرى. والمعالم التاريخية المميزة، مثل اتفاقية السلام في كولومبيا بين الحكومة وحركة «فارك» اليسارية المتمردة، في أعقاب خمسين عاماً من الصراع المدني المسلح، إلى جانب وفاة زعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو، وكذلك وفاة تلميذه الفنزويلي النجيب هوغو شافيز، الذي لا يزال نظام حكمه المستبد قابضاً على السلطة في البلاد بقبضة من حديد.
وفي هذا الحوار معه، يحاول مايكل ريد، الذي سيشرف على مؤتمر من تنظيم مجلة «الإيكونوميست» وغرفة التجارة العالمية في دبي الشهر المقبل، بشأن منطقة الشرق الأوسط وقارة أميركا اللاتينية، تفسير أغلب التعقيدات المتعلقة بقارة أميركا اللاتينية، والتحديات الكبيرة التي تواجهها في مستقبلها المنظور:

> عن أي شيء يدور كتابكم؟ وما هو توصيفه في نظركم؟
- كتابي هو محاولة لشرح كيف وجدت قارة أميركا اللاتينية، التي صارت مستقلة من الناحية السياسية (في أغلب أجزائها) قبل قرنين من الزمان، تحت رعاية النظام الدستوري الليبرالي، أن الديمقراطية والتنمية مهمتان من الصعوبة بمكان. وأحاول أن أعبر أيضاً عن اعتقادي أن الفترة الراهنة توفر أفضل الفرص الممكنة التي سنحت لتلك المنطقة لإنجاز أهدافها وبلوغ غاياتها.
ويستعرض الكتاب، في معرض محاولته لشرح وتفسير الصعوبات والتحديات والإمكانات، مختلف المناقشات حول أسباب إخفاق قارة أميركا اللاتينية في اللحاق بركب البلدان الديمقراطية المتقدمة، وهو يلخص السجل التاريخي للقرنين الماضيين من هذه الزوايا، ويبحث في تفاصيل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها القارة خلال العقود الأربعة المنقضية.
> في رأيك، كيف سيساعد كتابك القارئ الأجنبي على فهم بلدان أميركيا اللاتينية في هذه المرحلة بالذات؟
- آمل أن يوفر الكتاب مقدمة يمكن الاعتماد عليها عن تلك المنطقة من العالم، فهو يتضمن كثيراً من التقارير الإخبارية، فضلاً عن المزيد من التحليلات الممنهجة.
ولقد حاولت بلوغ حد الاتزان بين التعميمات الصحافية، آخذاً بعين الاعتبار الخصوصيات المتعلقة بالبلدان الرئيسية في تلك القارة التي تتميز بكثير من التنوع بأكثر مما يشير إليه مظهرها الخارجي للعالم.
> من أين تنبع أهمية أميركا اللاتينية للعالم في رأيك؟
- أعتقد أن قارة أميركا اللاتينية تحظى بالأهمية على الصعيد العالمي نظراً لأنها تحاول إنجاح التجربة الديمقراطية، في الوقت الذي لم تعد فيه هذه التجربة تحقق نجاحاً يُذكر على مستوى العالم. كما تحاول القارة في الوقت نفسه التغلب على تحديات التفاوت الرهيب في الدخل والثروة والسلطة.
ولقد أمسكت قارة أميركا اللاتينية بزمام الريادة في استخدام أدوات السياسات العامة الجديدة لمكافحة الفقر، مثل التحويلات النقدية المشروطة، التي تم اعتمادها على نطاق واسع ومنذ فترة طويلة في أماكن أخرى من العالم. كما تعد قارة أميركا اللاتينية مهمة للقراء الأجانب، من واقع أنها تقدم أفضل الأمثلة عن صعود وهبوط الزعماء الشعبويين.
> مع ذلك، لم تنل أميركا اللاتينية كثيراً من الاهتمام مقارنة بقارة أفريقيا!
- أعتقد أن هناك قدراً لا بأس به من التجاهل قد نال قارة أميركا اللاتينية نظراً لأنها لا تشكل أي مستوى من التهديدات الاستراتيجية على الولايات المتحدة الأميركية، أو على أوروبا، بسبب أن اقتصادات القارة لم تحقق النمو الكبير الذي حققته بلدان شرق آسيا، ولأن (وهذا من حسن الحظ أيضاً) القارة لم تعاني ويلات الحروب والمجاعات التي كابدتها قارة أفريقيا، وجعلتها مصدراً من مصادر تأنيب ضمير العالم المعاصر، ولأن الاستعمار سحب أذياله منحسراً عن أميركا اللاتينية في عهود مبكرة أيضاً مقارنة بقارة أفريقيا.
> كيف يمكن توصيف قارة أميركا اللاتينية في الآونة الراهنة؟
- تتصارع قارة أميركا اللاتينية في الوقت الراهن مع نهاية الطفرة السلعية الأساسية الكبيرة (والتزاماً للدقة المتناهية، كان لذلك تأثيره الكبير على أميركا الجنوبية من المكسيك أو أميركا الوسطى). ومن أجل مواكبة النمو الاقتصادي السريع، تحتاج المنطقة إلى زيادة كبيرة في الإنتاجية. ومن الناحية السياسية، ظل الأداء الديمقراطي جيداً إلى درجة معقولة (مع استثناءات واضحة في فنزويلا ونيكاراغوا، التي تحول نظام الحكم فيها إلى الديكتاتورية، فضلاً عن كوبا بطبيعة الحال، التي لا تزال تحتل موقعاً متقدماً في الدفاع عن الشيوعية). غير أن السياسات الديمقراطية قد تلطخت كثيراً بفضائح الفساد، ووباء العنف في كثير من بلدان القارة.
كذلك مجتمعات قارة أميركا اللاتينية تغيرت بقدر كبير خلال القرن الحالي، فلقد انخفضت معدلات الفقر في القارة، واتسعت رقعة الطبقة الوسطى، وأصبح سكان القارة أفضل تعليماً وأكثر صحة واستنارة وثقافة عما كانت عليه الأوضاع في الماضي، وهم يرغبون في المزيد من الخدمات العامة الجيدة من الحكومات، كما يرغبون في وجود قيادات سياسية جديدة أكثر خضوعاً للمساءلة.
> ما بلدان أميركا اللاتينية التي ينتظرها مستقبل أفضل؟
- هذا سؤال مثير للاهتمام. تقترب شيلي من أن تصبح من الدول المتقدمة.
وللفرار مما يصفه البعض بأنه «فخ الدخل المتوسط»، يتعين على شيلي تحسين الإنتاجية، وتعزيز مهارات القوة العاملة في البلاد، وتنويع مصادرها الاقتصادية، بعيداً عن الاعتماد المفرط على النحاس، وتحسين نظام الضمان الاجتماعي في البلاد. ولقد أدركت السيدة ميشيل باشليت، رئيسة البلاد، تلك الحقيقة، ولكن كثيراً من الإصلاحات التي نفذتها رجعت بنتائج سيئة للغاية.
وتقع على عاتق خليفتها، الرئيس سيباستيان بينيرا، مسؤولية محاولة إعادة شيلي مرة أخرى إلى مسار النمو الاقتصادي السريع، مع معالجة القضايا الأخرى العالقة.
ومن مناحٍ مختلفة، من شأن الأرجنتين وكولومبيا وبيرو أن يسيروا على خطى شيلي، وكذلك البرازيل التي نظراً لمساحتها وتنوعها تعد بالكثير في المستقبل، ولكن الحكومات الأخيرة قد ارتكبت كثيراً من الأخطاء الفادحة، ويتعين عليها السيطرة على الرأي العام، والإنفاق التقاعدي، ومحاولة زيادة مستوى الفعالية التي تعمل بها الحكومة.
وتعتبر المكسيك لغزاً في حد ذاتها، فعلى الرغم من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاهها، فهناك كثير من الإمكانات والآفاق الواعدة في مستقبل المكسيك، ولكن يتحتم عليها أولاً ترسيخ سيادة القانون في البلاد.
> ربما كان من أهم حوادث السنوات العشر الماضية وفاة هوغو شافيز.. كيف أثرت هذه الحادثة على قارة أميركا اللاتينية؟
- كان شافيز يعتبر نفسه زعيماً إقليمياً وعالمياً. بيد أن إرثه في فنزويلا كان كارثياً، فلقد كانت فنزويلا في سبعينات القرن الماضي من أغنى دول قارة أميركا اللاتينية، واليوم صار 80 في المائة من سكان البلاد تحت خط الفقر، وفقاً لمسح موثوق فيه أجرته 3 جامعات في البلاد.
وأعتقد أن كثيراً من سكان القارة يدركون أن شافيز يقدم نموذجاً لكيفية «عدم العمل»، غير أن ذلك لا يعني أن جاذبية الشعبوية قد تلاشت تماماً في تلك المنطقة.



«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس
TT

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس

يطيح «كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية» للباحثة الأميركية إليز غراهام بالنموذج التقليدي الذي غلب على أذهان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاستخبارات، والتي تكرّست عبر مئات الروايات والأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة على مثال «جيمس بوند» - بطل روايات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فيقدّم من خلال سيرة أربع من عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) - كان نواة تأسيس وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاحقاً - الذين لم يأتوا من خلفيات أمنية أو عسكريّة، ولا حتى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة في الأنثروبولوجيا والتاريخ واللغات، فكأنما تضع «أقل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة.

تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية، التي دخلتها الولايات المتحدة دون جهاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمم أوروبا - تأسس جهاز الاستخبارات البريطاني في عام 1909 – إذ اعتمدت دائماً لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة من العالم على جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الأميركي.

على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائرة جمع المعلومات لما وراء الإطار العسكري بدت ماسة بعد اندلاع الحرب على البر الأوروبي في 1939 مع غزو ألمانيا لبولندا، فعمد الرئيس فرانكلين روزفلت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاستراتيجية الذي استمر في نشاطه عامين بعد انتهاء الحرب عام 1945 ليخلفه في مهماته وكالة الاستخبارات المركزية من 1947 والتي تعد اليوم أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم على الإطلاق.

غلاف الكتاب

وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد البحث عن مهنيين متخصصين من عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء.

كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخبراء الأرشيف منجماً غنياً للمواهب التي يمكن أن تلعب دور الجاسوس المفترض ببراعة: أذكياء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبانهم في الأجواء من حولهم دون لفت الانتباه، ومنهم بنى دونوفان أول شبكة تجسس أميركيّة محترفة في الفضاء المدنيّ.

تتبع غراهام في «كتاب وخنجر» دونوفان بينما يتصيد هذه المواهب في أروقة الكليّات النظريّة للجامعات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بين حقائق التاريخ ورومانسيّة الدراما، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأميركي في أجواء من الرّفوف المديدة من الكتب ورائحة الورق، وصناديق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة التلفزيونية لمطاردات العميل رقم 007 بالسيارات الرياضيّة الفارهة، والقفز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالتقاط. وبالنسبة للمؤلفة فإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مد مظلّة الهيمنة الأميركيّة على العالم لعقود.

الشخصيّات الأربعة التي اختارتها غراهام لسرد هذه المرحلة كانوا لدى تجنيدهم قد سلكوا في حياتهم خطوطاً مهنيّة أكاديمية في عدد من جامعات النخبة عندما تحدث إليهم موظفون فيدراليون لطلب مساعدتهم في المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يدرّس اللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وأديل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شيكاغو والخبيرة بعبور الأرشيفات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة هارفارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم التاريخ في جامعة ييل.

تلقى المجندون الأكاديميون الجدد تدريبات مكثّفة على أساليب الخداع، ومراوغة المطاردين وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويبدو أنهم لم يجدوا صعوبة في التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحظ مدربوهم كان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه.

أرسل بعدها كيرتس وكيبري تحت غطاء مهمّة أكاديمية لشراء الكتب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلى إسطنبول - التي كانت تمور بالجواسيس من كل الدّول - وكيبري إلى استوكهولم - للبحث في مكتبات دولة محايدة عن مواد ألمانية قد تكون ممنوعة من التوزيع في مناطق أخرى من أوروبا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط.

أكوام المواد الأوليّة التي جمعتها كيبري كانت بحاجة إلى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللين تولى مثلاً تحديد مواقع المطارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات السكك الحديدية ومكاتب التلغراف على امتداد الأراضي الفرنسيّة للعمل على منع قوات الاحتلال النازي من الانتفاع بها، وفي الوقت ذاته تحديد مبانٍ ومساحات قد يتسنى للحلفاء الاستفادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز.

وتقول غراهام إن فريق كينت نجح مستفيداً من الخرائط السياحيّة وأدلة الأعمال التي أرسلتها كيبري في تحديد مواقع معامل تنتج مكونات أساسيّة لصناعة أسلحة المحور والتي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّه لم يكن مفيداً كثيراً خلال فترة الحرب، وكانت أفضل فكرة له كما تقول غراهام هي إخفاء العبوات الناسفة في أكوام الفضلات التي تتركها البغال على جوانب الطرق.

عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بعدما وضعت الحرب أوزارها: كيرتس استعاد وظيفته أستاذاً في جامعة ييل، واستأنفت كيبري عملها في عبور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الفاتيكان. أما كينت فلم يعد يجد نفسه في عالم الأكاديميا، فالتحق بعد عدّة سنوات بوكالة الاستخبارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراسات في الاستخبارات»، فيما تورط كون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نفس عنصري ما لبثت أن فقدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال.

وتقول غراهام إن هذه البدايات المشجعة للتقاطع بين عالمي الكتاب والخنجر جعلت من مجموعة جامعات النخبة الأميركيّة - التي تسمى برابطة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المواهب المميزة إلى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن.