طلاب مصريون في موسكو يتحدون الطقس البارد

قالوا لـ«الشرق الأوسط»: الحكومة الروسية تقدم الكثير من التسهيلات للطلاب الأجانب

عمر طعيمة مصري وصديقه السوري في ميدان مدينة تشيليابنسك الروسية
عمر طعيمة مصري وصديقه السوري في ميدان مدينة تشيليابنسك الروسية
TT

طلاب مصريون في موسكو يتحدون الطقس البارد

عمر طعيمة مصري وصديقه السوري في ميدان مدينة تشيليابنسك الروسية
عمر طعيمة مصري وصديقه السوري في ميدان مدينة تشيليابنسك الروسية

شهدت الجامعات الروسية، في الآونة الأخيرة، إقبالاً ملحوظاً من الطلاب المصريين الذين وصل عددهم في العام الدراسي الحالي 2017 – 2018، إلى 5 آلاف طالب. ويتعرض الطلاب المصريون الجدد، للكثير من المواقف والمفارقات التي يتسم بعضها بالطرافة والغرابة والاندهاش من الاختلاف الفكري والثقافي والاجتماعي بين البلدين، بالتزامن مع خطة استراتيجيه للحكومة الروسية، تهدف إلى زيادة عدد الدارسين الأجانب، غير الروس، في جامعاتها إلى 3.5 مليون طالب بحلول عام 2025.
عمر طعيمة، طالب مصري، عمره 19 سنة، بدأ قبل أشهر عدّة عامه الدراسي الأول، في جامعة جنوب الأورال الروسية، وعلى الرغم من انتماء عائلته إلى الطبقة المتوسطة في مصر، فإنها فضّلت بعثه للدراسة في روسيا، كي يكون لديه فرصة في تعليم ووظيفة أفضل. طعيمة تحدث لـ«الشرق الأوسط»، هاتفيا من روسيا، قائلا: «معظم زملائه المصريين، لديهم أسباب متشابهة لاختيار الدراسة هنا، منها السمعة والترتيب المتقدم للجامعات الروسية عالميا، وكون الدراسة تعد أقل تكلفة من الجامعات الخاصة والأجنبية في مصر». ولفت قائلا: «لدي أسباب إضافية، وهي حبي لروسيا، واهتمامي بتاريخها وعلاقتها مع مصر والدول العربية». وأضاف: «كوّنت صداقات مع زملاء من جنسيات مختلفة، سوريون وعراقيون وصينيون ويمنيون وسودانيون وأردنيون، بجانب زملاء من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، وبالطبع لدي صداقات أكثر مع روس، سواء زملاء في الجامعة أو خارجها، ولاحظت أنّ الروس يحترمون هويتنا ويقدروننا».
وعن الانخراط الاجتماعي والثقافي، في الجامعة قال الطالب المصري: «يوجد مكتب في الجامعة يختصّ بالانخراط الثقافي، فيه موظفون يجيدون كل اللغات، بينها العربية، مهمته دعم الانخراط الثقافي والاندماج بين الطلاب من الجنسيات المختلفة، ويقيم الحفلات والمعارض الفنية، ويمكن لأي طالب تقديم أعمال فنية تعكس ثقافة بلده، كما يُنظّم مهرجان طبخ سنوي تقدم فيه أطباق وأكلات من كل الثقافات». وعن التأقلم مع الطقس، شديد البرودة في روسيا، قال: «جميع المنازل بها نظام تدفئة مركزي، ومعظم الطلاب يتأقلمون مع الجو، وتوجد أسواق شعبية بها ملابس شتوية أسعارها جيدة، كما أنّنا لا نحتاج ثلاجة، إذ نضع الطعام الذي نريد حفظه في الشباك الخارجي للمنزل فيتجمد».
ووضعت الحكومة الروسية خطة استراتيجية لاستقطاب الطلاب الأجانب، إلى جامعاتها، وتهدف الخطة التي أعلنتها أولغا فاسيليفا وزيرة التعليم الروسية، في سبتمبر (أيلول) 2017 إلى زيادة عدد الطلاب الأجانب «غير الروس» إلى 3.5 مليون طالب بحلول عام 2025، واختارت الوزارة 39 جامعة ومعهداً للمرحلة الأولى للترويج للتعليم الروسي الذي يتوقع أن تكون ميزانيته نحو 373 مليار روبل، (نحو 6 مليارات دولار).
إلى ذلك، قال محمد الحضري (28 سنة)، ويدرس ماجستير إدارة الأعمال، في كلية الاقتصاد والإدارة، بإحدى الجامعات الروسية، لـ«الشرق الأوسط»، إنّه حصل على شهادة البكالوريوس من «أكاديمية الشروق» في مصر، (إحدى الجامعات الخاصة)»، واختار أن يكمل دراساته العليا في روسيا، على الرغم من وجود فرص في جامعات أوروبية أخرى، لأن اللغة الروسية أفضل بالنسبة له، كما أن الحكومة الروسية تقدم الكثير من التسهيلات للطلاب الأجانب». وأضاف: «وجدت أنّ الدراسة في روسيا، فرصة للتطور والتعرف على ثقافة جديدة والاحتكاك بجنسيات مختلفة، وأول شيء تعلمته منذ وصولي، هو الدقة واحترام المواعيد، وهو أمر غير موجود في مصر، وتعلمت الكثير من الأمور خلال تجربتي في الأشهر الماضية، ووجدت تشابهاً كبيراً في العادات بين الروس والمصريين، منها الرغبة في الاحتفال عند أي فرصة وفي كل الأعياد.
يبلغ عدد الطلاب المصريين في روسيا نحو 5 آلاف طالب، من بين 220 ألف طالب، عدد الطلاب الأجانب «غير الروس»، ويعود تاريخ التعاون التعليمي بين القاهرة وموسكو إلى عام 1943، لكنّه وصل إلى أعلى مستوياته في خمسينات وستينات القرن الماضي، خلال التقارب التاريخي بين الاتحاد السوفياتي ومصر، في حقبة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
من جانبه، قال الدكتور شريف جاد، رئيس الجمعية المصرية لخريجي الجامعات الروسية والسوفياتية لـ«الشرق الأوسط»: «إنّ إقبال الطلاب المصريين المتزايد على الدراسة في الجامعات الروسية، يرجع إلى العمق التاريخي للعلاقات الثقافية المصرية الروسية، وتسعى الحكومة الروسية إلى جذب المزيد من الطلاب بهدف تطوير علاقتها مع مصر والدول العربية، وتخصص نسبة كبيرة من المنح الدراسية للطلاب المصريين، سواء في مرحلة التعليم الجامعي أو طلاب الدراسات العليا».
وأضاف جاد، الذي انتخب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أمينا عاماً للاتحاد الأفريقي لخريجي الجامعات الروسية: «يبلغ عدد أعضاء الجمعية المصرية لخريجي الجامعات الروسية والسوفياتية أكثر من 50 ألف عضو، ونسعى في مجلس الإدارة الذي يبلغ عدد أعضائه 11 عضوا، إلى تخصيص نسبة ثابتة في مقاعد المجلس للخريجين الشباب في المستقبل القريب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».