«سقوط إيكاروس» في احتفال مصري بـ25 عاماً من «الرقص الحديث»

وليد عوني لـ «الشرق الأوسط» : أقدم رؤية جديدة للعالم على «شفير الهاوية»

لقطة من عرض «سقوط إيكاروس» عام 1993
لقطة من عرض «سقوط إيكاروس» عام 1993
TT

«سقوط إيكاروس» في احتفال مصري بـ25 عاماً من «الرقص الحديث»

لقطة من عرض «سقوط إيكاروس» عام 1993
لقطة من عرض «سقوط إيكاروس» عام 1993

تحتفل وزارة الثقافة المصرية في 3 أبريل (نيسان) المقبل، بمرور 25 سنة على تأسيس فرقة الرقص المسرحي الحديث، بحفل فني كبير يستعرض تاريخ الفرقة، وتكريم رموزها. تأتي هذه الخطوة بعد سنوات من توقف مهرجان الرقص المسرحي الحديث، وغيره من المهرجانات في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، لأسباب مالية أو فنية. وليس بالإمكان تنظيم الاحتفال من دون وجود مؤسس الفرقة، الفنان ومصمم الرقصات اللبناني وليد عوني الذي استقال من منصبه كمدير لفرقتَي الرقص المسرحي الحديث والفرسان قبل نحو 6 سنوات، استجابةً للضغوط السياسية في تلك الفترة، لكنّ دار الأوبرا استدعته أخيراً، لتصميم العرض المسرحي الذي سيقدَّم في الاحتفال باليوبيل الفضي للرقص المسرحي الحديث.
اختار عوني أن يعود إلى مصر بنفس العرض الذي قدّمه في افتتاح الفرقة قبل نحو 25 سنة، وهو عرض «سقوط إيكاروس»، الذي تسبب وقتها في هجوم كبير عليه، حتى إنّ البعض طالبه بالرحيل، اعتراضاً على العرض، وقالوا: «الخواجة لازم يرحل»، ويتحدث عوني لـ«الشرق الأوسط»، عن تلك الفترة، قائلاً: «تركتُ مصر بعد العرض، في عام 1993 وعدتُ إلى أوروبا، وهناك قال لي أصدقائي إنّني مخطئ، وإنّ الفنان يجب أن يدرس ثقافة البلد وسياسته قبل أن يقدم فيه عروضاً، فعدتُ إلى مصر، ودرستها وقدمت العديد من العروض الجريئة، بدأتها بثلاثية نجيب محفوظ». ويضيف: «أندهش اليوم عندما أشاهد العروض التي قدمتها في مصر، من (سقوط إيكاروس)، و(سترة النجاة) و(رمال متحركة)، وغيرها». ويشير إلى تعرضه لهجوم من جماعة الإخوان المسلمين بسبب «جرأة بعض العروض».
وعلى الرغم من أنّ عوني سبق وقدم نفس العرض قبل 25 سنة، براقصَين غير محترفين درّبهما خصيصاً لتأسيس الفرقة، فإنه يجد صعوبة كبيرة في إعادة العرض اليوم، براقصي الفرقة المحترفين. وفي ذلك قال عوني: «إن قراءة الجسد اختلفت... أنا كنت أعمل على استراتيجية مهمة لبناء الجسد، من خلال حركات جديدة. في بداية عملي كانت الصعوبة في تدريب راقصين غير محترفين، أمّا اليوم فالمشكلة في إمكانات الراقصين، فلا توجد صرامة في التدريبات كما كان في السابق، كما أنّهم نسوا الكثير مما تعلموه، إضافة إلى أنّ معظم أفراد الفرقة الذين درّبتهم تركوها وسافروا». ويطالب عوني بأن «تعود الصرامة في التدريبات وأن يُقدَّر أعضاء الفرقة مالياً وأدبياً»، فهو «غير راضٍ» عن رواتبهم الحالية ويعتبرها «قليلة جداً ولا تقدر قيمة الجسد». ويوضح: «هناك راقصون محترفون يقدمون حركات حلوة... لكن ليس هذا هو المطلوب... نريد أن نربّي الجسد على حركات جديدة... وللأسف لم يبق سوى 40% من الاتجاه الذي أسسته في الرقص الحديث».
يدير الفرقة منذ رحيل عوني تلميذه مصمم الرقصات مناضل عنتر الذي قدّم مجموعة من العروض على مدار السنوات الماضية، وهي على الرّغم من نجاحها الجماهيري، فإنها لا تُرضي عوني الذي يردّد دائما أنّه «لا يقدّم فنه من أجل إرضاء الجمهور».
ويستكمل عوني حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مناضل عنتر يعمل لإرضاء الجمهور، ويقدم أعمالاً جميلة، ولكن من دون أن يطوّر الرقص الحديث، وليست مهمة هذا النوع من الرقص تقديم أجوبة أو رموز معروفة، فالشيطان يمكن أن يكون أجمل سيدة على المسرح، وليس عفريتاً ذا قرنين».
خلال فترة عمله في مصر، تعرض عوني للكثير من الهجوم، وكانت أعماله تثير الجدل، فالبعض لا يفهمها أو يراها مخالفة لعادات وتقاليد المجتمع، لكنّه لا يهتم برأي الجمهور كثيراً، ويقول: «بعض الناس لا تستوعب العروض وهذا طبيعي، فحتى الآن لا يزال البعض يرى فن الباليه هو الفراشة التي تنتقل من وردة إلى أخرى، ولذلك لم تتطوّر العروض وما زلنا نشاهد نفس العروض الكلاسيكية مثل كسارة البندق وبحيرة البجع، من دون أي رؤية جديدة»، ويتابع: «أنا لا أعمل للجمهور، والفن لا يعطى بالملعقة... المهم أن تكون صادقاً مع نفسك، وتربّي الجمهور على تذوق الجديد».
ويكمل عوني حديثه: «قدمت عروضاً شرقية لجبران خليل جبران، ورابعة العدوية، وطوّعت الخامة الثقافية المصرية حتى كانت عروض الفرقة تجذب أنظار العالم بروحها المصرية في الحركة والرّقصات؛ لكن للأسف تراجعت الفرقة كثيراً عمّا كانت عليه، كما تراجعت الحالة الثقافية بشكل عام». ويستطرد: «كل شيء في مصر أصبح محلياً، على الرّغم من أنّ مصر كانت قد اقتربت في نهاية القرن الماضي من العالم من خلال العديد من المهرجانات، ولكن بعد الثورة تراجعت نحو المحلية في السينما والمسرح ومختلف الفنون، ولم تعد هناك استمرارية ثقافية تقربنا من العالم كما قربتنا منه التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي».
ويرى عوني أنّه لا بدّ من مواكبة هذا التطور الثقافي والاجتماعي، مضيفاً: «لا بدّ أن نراجع أخطاءنا حتى نتقدم ونواكب العالم»، ويتساءل: «لماذا لم يعد في مصر فنانون على غرار يوسف شاهين؟»، ويقول: «حتى أنا نفسي تأخرت بمفهومي بسبب ابتعادي عن مصر، ولم أعد أعرف ما الذي يمكن تقديمه فيها».
«بعد الثورة تعطلت البوصلة، ولم نعد نعرف اتجاهاتنا، وأصبح المقياس هو أن نقدّم مسرحاً جميلاً، لكنّ هذا غير كافٍ من وجهة نظري، ولا بدّ أن نتحرك أبعد من ذلك»، يقول عوني لـ«الشرق الأوسط»، ويطرح في عرض «سقوط إيكاروس»، رؤية مختلفة عن التي قدمها من 25 سنة، والقصة هي أسطورة يونانية تسرد حكاية إيكاروس الذي كان محتجزاً ووالده في جزيرة كريت، وقد استعانا بأجنحة مصنوعة من الشمع للهروب من الجزيرة، لكنّ إيكاروس لم يستجب لنصيحة والده، وحلّق قريباً من الشمس فذابت أجنحته وسقط.
وسيضم الاحتفال عرضاً لفيلم وثائقي، ومعرضاً للصور يحكي تاريخ فرقة الرقص الحديث، وعرضاً لفيلم «قصة الفراشة العذراء»، وتكريماً لبعض رموز الرقص الحديث. سيحضره -وفقاً لعوني- عدد من المسؤولين السابقين عن الثقافة المصرية، وعلى رأسهم فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق الذي يعتبره عوني «الأب الروحي للرقص الحديث في مصر».
وعلى الرّغم من انشغال عوني بكثير من عروض الرقص الحديث في دول العالم، فإنه يتوق للعودة إلى مصر، فهي بالنسبة إليه: «رئيسة الثقافة في المنطقة العربية، والبلد الأول عربياً في الرقص المسرحي الحديث». وعن احتمال عودته لمصر يقول: «أنا موجود وقتما تحتاج إليّ».
ويعلق عوني آمالاً كبيرة على الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، ويقول: «بين وزراتَي فاروق حسني وإيناس عبد الدايم لم تكن هناك وزارات ثقافة، ففاروق وضع مصر على الخط العالمي، وأرى أنّ الخلفية الفنية لعبد الدايم تعطيها القدرة على إجراء تغيير حقيقي في الوزارة». ويضيف: «طبعاً المسألة صعبة، ولا يمكن أن نطلب منها تكرار تجربة فاروق حسني، فهناك جيل كامل بينهما، لكن يمكنها أن تبحث عن الجديد وفقاً لتطور المجتمع».
ويختم قائلاً: «للأسف، نحن في عصر الأغنية وسيطرة برامج المسابقات، وعلينا أن نعمل على تطوير الفنون ومواجهة سيطرة الأغنية بتنمية الخيال الذي قتلناه للأسف».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».