جبل محسن وباب التبانة.. يفصلهما «شارع سوريا» وأزمتهما سياسية وطائفية

تحول شارع سوريا الذي يفصل بين جبل محسن وباب التبانة إلى ساحة قتال (رويترز)
تحول شارع سوريا الذي يفصل بين جبل محسن وباب التبانة إلى ساحة قتال (رويترز)
TT

جبل محسن وباب التبانة.. يفصلهما «شارع سوريا» وأزمتهما سياسية وطائفية

تحول شارع سوريا الذي يفصل بين جبل محسن وباب التبانة إلى ساحة قتال (رويترز)
تحول شارع سوريا الذي يفصل بين جبل محسن وباب التبانة إلى ساحة قتال (رويترز)

يتخطى الانقسام بين منطقتي جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، وباب التبانة ذات الغالبية السنية، حدود شارع «سوريا»، الفاصل بين المنطقتين في ضاحية طرابلس الشمالية، ليخفي في طيات تسميته خلافا سياسيا وطائفيا يتجاوز الحدود اللبنانية إلى دمشق. وهو ما يصفه البعض بـ«الصراع الإقليمي على الساحة الطرابلسية»، الذي يدفع ضريبته باستمرار أهل المدينة ويشكل بعض منهم وقودا له خلال لعبة تبادل رسائل إقليمية، بحسب ما يؤكده ناشطون وقياديون في المدينة.
ويكاد قول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل: «إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في طرابلس، فعليك أن تعرف ماذا يجري في سوريا»، يختصر الحالة الطرابلسية التي تقف عند كل تطور سوري على شفير الانفجار. وخير شاهد على ذلك، 18 جولة من المعارك الشرسة منذ عام 2008، نتج عنها في كل مرة سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وإذا كان الاحتقان السياسي والطائفي في طرابلس بين المنطقتين، اشتد على وقع الأزمة السورية منذ نحو سنتين ونصف السنة، محولا المدينة إلى صندوق بريد للرسائل السياسية، فإن تاريخه يعود إلى بداية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، وما شهدته المنطقة خلالها من معارك ومجازر بين أبناء أكثر المدن اللبنانية فقرا، وأغناها لناحية إرثها الثقافي والحضاري والعمراني، إضافة إلى خصوصية موقعها الجغرافي المميز على الساحل ومتاخمتها الحدود السورية ودورها الاقتصادي الضارب في عمق التاريخ.
لكن في منطقة تعاني من الحرمان والفقر المدقع سرعان ما تتحول طرابلس عند كل حدث سياسي أو أمني إلى ساحة حرب، يجد فيها أبناؤها، لا سيما الشباب منهم، طريقا للهروب من وضعهم الاجتماعي والبطالة المنتشرة في أوساطهم.
ويظهر تقرير صادر عن المركز الدولي للفقر عام 2008، أن 40 في المائة تقريبا من فقراء لبنان يعيشون في الشمال رغم أن المنطقة يقطنها 20 في المائة فقط من سكان البلاد. وفي طرابلس والمنطقة المحيطة، يصنف أكثر من نصف السكان إما «فقراء» أو «مدقعو الفقر»، حيث يعيش الفرد على أقل من 2.40 دولار في اليوم في المتوسط.
ويكاد يكون الفقر القاسم المشترك الوحيد الجامع بين المنطقتين المتقاتلتين وما بينهما شارع سوريا، «خط التماس» الذي تتفرع منه طرقات وأحياء داخلية تشكل الملجأ الوحيد للمدنيين الهاربين من جولات المعارك وعمليات القنص التي لا تهدأ.
تقع منطقة باب التبانة التي تتبع سياسيا في سوادها الأعظم «تيار المستقبل»، في الطرف الشمالي من المدينة. وهي التي كانت تسمى «بوابة الذهب» حيث يتسوق جميع أهالي الريف والمسافرين إلى سوريا من أسواقها. ورغم دعم أهالي باب التبانة المعارضة السورية ضد النظام، فإن تداعيات تدفق النازحين السوريين إلى مناطق الشمال تركت آثارها السلبية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة، وهذا ما دفع بهؤلاء إلى رفع الصوت عاليا بعد منافسة العمال السوريين الذين يقبلون بأجور متدنية لهم. وبات يعيش اليوم نحو 7600 سوري بالقرب من باب التبانة وجبل محسن، من أصل نحو 200 ألف وصلوا إلى شمال لبنان.
أما منطقة «جبل محسن»، فترتفع عن «باب التبانة» نحو 20 مترا، وتطل على وسط طرابلس، ويبلغ عدد سكانها العلويين نحو 65 ألفا، يؤيدون في معظمهم «الحزب الديمقراطي العربي» بقيادة النائب السابق علي عيد، والمعروف بعلاقته السياسية الوطيدة مع النظام السوري ويسيطر على «جبل محسن» بقوتين سياسية وعسكرية. وكانت استنابات قضائية صدرت بحق عيد على خلفية شكوك بدوره في تهريب مطلوبين للعدالة بجرم التخطيط والتنفيذ لتفجيري مسجدي طرابلس في أغسطس (آب) الماضي.
وللطائفة العلوية نائبان في البرلمان اللبناني، ينتميان لكتلة «المستقبل» النيابية، المعارضة للنظام السوري، هما خضر حبيب وبدر ونوس اللذان انتخبا في دائرتين يشكل السنة غالبية ناخبيهما، هما عكار وطرابلس.
وعرفت مدينة طرابلس، التي تبعد 85 كيلومترا إلى الشمال من بيروت ونحو 40 كيلو مترا عن الحدود السورية، بموقعها الجغرافي المميز بوصفها همزة الوصل بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل السوري والعربي، مما جعلها مركزا تجاريا مهما على مستوى المنطقة ومنطقة الشمال.
وتنقسم المدينة إلى جزأين؛ الأول هو الميناء، والثاني هو المدينة نفسها، إضافة إلى ضاحتيها. ويبلغ عدد سكان طرابلس (الكبرى) القاطنين فيها نحو 600 ألف نسمة، وتعد الكثافة السكانية فيها الأعلى في لبنان، حيث تصل إلى 7086 شخصا في الكيلومتر الواحد. أما اقتصادها، فيرتكز على السياحة والصناعات الحرفية وبعض الصناعات التحويلية الصغيرة.
ورغم أن طرابلس تعرف في لبنان بأنها «عاصمة السنة»، نظرا لارتفاع عدد الناخبين فيها من الطائفة السنية، فإن للمسيحيين، إلى جانب العلويين، وجودهم في عاصمة الشمال، ويبلغ عددهم نحو سبعة آلاف نسمة، يعيش معظمهم بين مناطق الزاهرية والميناء والقبة والتل. وإضافة إلى المساجد المنتشرة في عاصمة الشمال التي يعود بناؤها إلى أيام المماليك والعثمانيين، في طرابلس ما يعرف بـ«حي النصارى» الذي يشكل مجمعا أثريا مسيحيا يجمع عددا من الكنائس، أقدمها كنيسة «مار نقولا» للروم الأرثوذكس التي كانت في الأساس مصبغة لأسرة طرابلسية مسلمة تنازلت عنها، وحُولت إلى كنيسة عرفت بـ«كنيسة السبعة»، وأسست عام 1809.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.