سنغافورة تطمح لأن تصبح أول دولة ذكية في العالم

«الشرق الأوسط» المطبوعة العربية الوحيدة في مؤتمر ومعرض تقنية المعلومات والاتصالات والإعلام 2014

سنغافورة تطمح لأن تصبح أول دولة ذكية في العالم
TT

سنغافورة تطمح لأن تصبح أول دولة ذكية في العالم

سنغافورة تطمح لأن تصبح أول دولة ذكية في العالم

أطلقت مبادرات كثيرة لتطوير حكومات ومدن ذكية حول العالم، وهي تشترك مع بعضها البعض في الكثير من النواحي، إلا أن طموح سنغافورة أكبر من ذلك، إذ إنها تعمل على أن تكون أول أمة ذكية، مستخدمة أحدث التقنيات في جميع أنحاء الدولة وفي شتى القطاعات. وكانت «الشرق الأوسط» المطبوعة العربية الحصرية التي دعيت لحضور مؤتمر ومعرض تقنية المعلومات والاتصالات والإعلام لعام 2014 «آي إم بي إكس» Infocomm Media Business Exchange imbX 2014 الذي بدأت فعالياته يوم أول من أمس وتستمر لنهاية يوم الجمعة المقبل، الذي افتتحه يعقوب إبراهيم، وزير الاتصالات والمعلومات السنغافوري.
ولتحقيق هدف الوصول إلى أول دولة ذكية، جرى تأسيس هيئة تنمية تقنية المعلومات والاتصالات السنغافورية لتشرف على تطبيق التقنيات المتناغمة في شتى الوزارات والهيئات الحكومية، ولإشراك القطاعين العام والخاص في عملية التنمية التقنية للدولة. وأدركت الهيئة حاجتها لتفعيل ثلاثة مستويات أساسية للتحول إلى أول دولة ذكية؛ هي البنية التحتية، وجمع البيانات، وتحليلها.
وأكد مسؤولون في الهيئة، أن هذه العملية تحتاج لتثقيف السكان وترغيبهم بالتقنية، الأمر الذي استطاعت تحقيقه من خلال تدريب الأطفال على بناء الروبوتات والأجهزة الإلكترونية البسيطة في سن مبكرة وبأسلوب ممتع، وذلك ليكبروا وبداخلهم شغف نحو التقنية، الأمر الذي سيترجم على شكل دخول أعداد كبيرة منهم في هذا القطاع. وأطلقت الهيئة كذلك مبادرات لتوفير كومبيوترات شخصية للعائلات المحتاجة بسعر يقل عن 136 دولارا، مع الاستثمار بتعليم المعاقين أسس استخدام التقنية ليستفيدوا من التطورات التقنية الكبيرة التي تشهدها الدولة. وفي الوقت نفسه، تستثمر الهيئة في الشركات الناشئة ورواد الأعمال التقنيين وربطهم بزبائن محليين ودوليين وتعريفهم بالحاضنات المختلفة، وذلك لتسريع النمو التقني المحلي.
ومن العوامل المهمة التي تركز عليها الهيئة توفير البنية التحتية بأسعار متكافئة لجميع الشركات الكبيرة والصغيرة التي ترغب بتسخيرها في قطاع التجارة، الأمر الذي نجم عنه منافسة عادلة بين جميع الشركات، ورفع مستوى الخدمات المقدمة بينها لمصلحة المستخدم العادي (مثل توفير حزمة بيانات بسرعات معينة لقاء مبلغ واحد وبغض النظر عن حجم الشركة أو فئتها)، مع تدقيقها المستمر وتقييمها لأسعار خدمات البيانات التي تقدمها تلك الشركات للمستخدمين.
وتحتل سنغافورة المرتبة الأولى من حيث تطوير واستخدام الحكومة الرقمية، وفقا لدراسة أعدتها شركة «آكسنتشر» للاستشارات في عام 2014، والمرتبة الثانية من حيث تنافسية الأسواق واتصالها بشبكات كثيرة وفقا للتقرير السنوي لقطاع تقنية المعلومات العالمي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2014، والمرتبة الأولى في آسيا (28 عالميا) من حيث جودة المعيشة وفقا لتقرير شركة «ميرسر» للاستشارات لعام 2014 (تحتل دبي المرتبة 75 عالميا، بينما حصلت أبوظبي على المرتبة 83 عالميا، والمرتبة 100 لمسقط، وفقا لـ39 عاملا، من بينها جودة قطاعات الصحة والتعليم والنقل والخدمات العامة، والبيئة والاقتصاد والسياسة والأمن الشخصي).
ولدى 87 في المائة من سكان سنغافورة كومبيوتر شخصي في منازلهم، والنسبة نفسها متصلة بإنترنت عريض النطاق، بينما يستطيع 97 في المائة من سكان البلد الذين لديهم أطفال يرتادون المدارس استخدام كومبيوتر شخصي. واستطاعت الدولة تحقيق هذا الأمر بتخصيص ثمانية ملايين دولار لصندوق دعم تطوير التقنية واستخدام الإنترنت الذي استهدف ستة آلاف عائلة. ووحدت الهيئة كذلك من الإشعارات والرسائل الحكومية الواردة للسكان لتصلهم إلى صندوق بريد إلكتروني موحد لجميع الدوائر الرسمية.
وعلى الصعيد المحلي، قامت الكثير من الحكومات في الشرق الأوسط بتطوير جداول أعمالها الوطنية للتركز على تعزيز استخدام تقنية المعلومات والاتصالات، حيث تشدد رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2020 على أهمية استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في تحديث هيكليات الحوكمة، بينما تركز رؤية الإمارات لعام 2030 على تعزيز دور تقنية المعلومات والاتصالات في القطاع الحكومي وقطاع التعليم، وتتحدث رؤية البحرين لعام 2030 عن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بصفته أداة تمكينية لتحقيق النمو في المستقبل.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)