الحمار يستعيد أمجاده بمناطق الحرب في قرى شمال سيناء

يستخدم في نقل المؤن والمياه والأفراد

سكان شمال سيناء يعتمدون على الحمار في التنقل («الشرق الأوسط»)
سكان شمال سيناء يعتمدون على الحمار في التنقل («الشرق الأوسط»)
TT

الحمار يستعيد أمجاده بمناطق الحرب في قرى شمال سيناء

سكان شمال سيناء يعتمدون على الحمار في التنقل («الشرق الأوسط»)
سكان شمال سيناء يعتمدون على الحمار في التنقل («الشرق الأوسط»)

«رفيق عاد به الزمان صديقا ومعينا على العثرات»، عبارة قالها «حسين أبو إبراهيم»، أحد أبناء منطقة جنوب الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء (شمال شرقي القاهرة)، عندما كان يشد حماره عربة الكارو خاصته، والتي يتخذ «حسين» من مقدمتها، مقعدا له يجلس عليه وهو يوجه الحمار يمينا ويسارا بطول الطريق، مستخدما عصا صغيرة لحثها على السير بشكل أسرع، عبر طريق أسفلتي طويل وملتوي هجرته عجلات السيارات، فيما كانت تنمو على جانبيه الحشائش والنباتات البرية.
اعتماد «أبو إبراهيم» على حماره في التنقل حاليا، هو حال كل السكان القاطنين في قرى الشيخ زويد ورفح، وقرى شرق العريش بشمال سيناء، بعد منع الأجهزة الأمنية سير السيارات على تلك الطرق الفرعية، لوقوعها في نطاق مسرح عمليات وملاحقات قوات الجيش والشرطة في مصر لجماعات إرهابية (أغلبها من عناصر تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم داعش)، التي تنشط في شمال سيناء منذ أكثر من 6 سنوات، ولا تزال عمليات محاربتها قائمة في الجزء الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء، بواسطة عملية تطهير شاملة أطلق عليها الجيش المصري «سيناء 2018».
وقال أبو إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «المناطق التي كنا نعيش فيها قبل عقدين، كانت خالية من الطرق الفرعية بين القرى والتجمعات السكنية، وكانت وسيلة النقل الوحيدة وقتها للمياه والمؤن هي الحمير، وكنا ننتقل بها إلى أقرب نقطة مواصلات، أو محطات سيارات أجرة على الطرق الرئيسية، لكن بعد شق الطرق وسط الصحراء استخدمنا السيارات في التنقل من وإلى بيوتنا».
ولفت أنه وسكان المنطقة يعتمدون على الحمير حاليا بعد منع الأجهزة الأمنية مرور السيارات من تلك الطرق الفرعية كإجراءات تأمينية لمواجهة العمليات الإرهابية.
وتابع أبو إبراهيم قائلا: «نتنقل بالحمير لمسافات تتراوح ما بين 3 إلى 14 كلم، انطلاقا من بيوتنا وحتى أقرب محطة ركوب سيارات، لنصل إلى الشيخ زويد أو العريش، لقضاء حوائجنا والتسوق، قبل العودة من نفس المسار». وأوضح «أبو إبراهيم»، أن سكان قرى الشيخ زويد يستخدمون الحمير أيضا، في نقل جراكن مياه الشرب من آبار بعيدة بعد توقف وصول فناطيس المياه إليهم.
من جهته، قال مصدر أمني بشمال سيناء، لـ«الشرق الأوسط»: «حظر سير المركبات في مناطق العمليات الأمنية، من أجل التضييق والحد من تحركات العناصر الإرهابية»، مؤكدا أنه «إجراء تأميني للقوات المتمركزة والمتحركة أثناء تنفيذ عمليات الملاحقات»، وأضاف أن القرار يشمل أيضا الدراجات النارية، ويستثنى مرور الأفراد مترجلين أو على دوابهم بعد التأكد من شخصياتهم، وما يحملون من منقولات.
وأضاف المصدر الأمني: «يسري الحظر على الطرق في نطاق قرى جنوب الشيخ زويد، وجنوب وغرب مدينة رفح، وأجزاء من مناطق شرق العريش جنوب الطريق الدولي، وبحسب المصدر فإن الطرق المسموح سلوك المركبات لها هي طريق (العريش - الشيخ زويد)، بطول نحو 30 كلم، ثم وصلة أخرى من مدينة الشيخ زويد وصولا لغرب مدينة رفح بطول 12 كلم، ويمر من المنطقة الساحلية، وطريق الشيخ زويد، حتى معبر رفح بطول نحو 15 كلم.
وبدوره قال «عادل رحمي»، تاجر حمير، بشمال سيناء لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة الإقبال على شراء الحمير، تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، حيث يتم بيع الحمار الواحد، بسعر يتراوح ما بين 4 إلى 6 آلاف جنيه، (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، في مناطق رفح والشيخ زويد، بعد أن كان سعرها لا يتجاوز 3 آلاف جنيها قبل عدة سنوات.
ولفت إلى أنه يتم جلب تلك الدواب من محافظات الشرقية والإسماعيلية والبحيرة، كما نشطت عمليات تصنيع عربات الكارو من الخشب وتباع بأسعار تتراوح ما بين 1500 إلى 2500 جنيها.
في السياق نفسه، دفع ازدهار استخدام الحمير بقرى شمال سيناء، الشاب الثلاثيني بسام سليمان، من منطقة غرب رفح، لاستبدال مهنة قيادة سيارة أجرة في منطقة غرب رفح، لقيادة «حمار»، وهي تجربة قال عنها «بسام» لـ«الشرق الأوسط»: «إنها صعبة». وأضاف «أنه كان يعمل سائق أجرة، بين القرى على طريق (رفح - الشيخ زويد)، لكن بعد منع سير السيارات من هذه المناطق، لم يجد بدا من مسايرة الواقع، لتوفير مصدر رزق لأسرته، واشترى حمارا وعربة (كارو)، وأصبح يتنقل عليه لحمل مؤن الأهالي، وهم يتنقلون من سوق الشيخ زويد حتى قراهم، بالإضافة إلى نقل من يحملون أمتعتهم وأثاث بيوتهم في نطاق مراحل الإخلاء على الحدود مع غزة».
وتابع بسام قائلاً: «حصلت على مؤهل دراسي متوسط، ومهنتي المدونة بالبطاقة الشخصية سائق، لكني في الواقع المر، الذي نعيشه (عربجي)، لافتا إلى أنها مهنة أكثر من 50 شابا بالمنطقة، وهم يحققون دخلا يوميا يتراوح ما بين 30 إلى 60 جنيها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».