جمعية سعودية تحقق حلم الأيتام بدراسة الماجستير والدكتوراه

«كهاتين» تفتح آفاقاً جديدة لمستقبل اليتيم... مهنياً وأسرياً

أطفال ترعاهم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين»
أطفال ترعاهم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين»
TT

جمعية سعودية تحقق حلم الأيتام بدراسة الماجستير والدكتوراه

أطفال ترعاهم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين»
أطفال ترعاهم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين»

يحظى الأيتام في السعودية بفرص واعدة في مجالات العمل والتعليم، إذ تعمل مؤسسات المجتمع المدني على تذليل كل المعوقات التي تواجه هذه الفئة، ومن ذلك الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين»، غرب السعودية، التي تعتزم إطلاق برنامجها لمتابعة شؤون الأيتام التعليمية، وتهيئة الفرص لراغبي إكمال الدراسة في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
ويوضح رداد الثمالي، مدير عام الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام (كهاتين)، أنّ كثيراً من الأيتام من أبناء الجمعية تمكنوا من الحصول على هذه الشهادات العليا بتفوق، مضيفاً: «نعمل حالياً على برنامج مستقبلي، ومن بين أهدافه: تدريب الأيتام، والتواصل مع الجهات ذات العلاقة لإكسابهم مهارات تنفعهم في حياتهم، وتوظيف الذين تم تخرجهم، والمتابعة مع الجهات الحكومية والأهلية في ذلك».
وأفصح الثمالي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الجمعية تعتزم أيضاً «تزويج الأيتام الذين لديهم الرغبة، وحثّهم على ذلك، والوقوف معهم بالدعم المادي والمعنوي»، مشيراً إلى أن جمعية «كهاتين» تبحث حالياً مشروع إعادة تأهيل دار الأيتام، وتزويدها بمقار للحاسب الآلي والألعاب الإلكترونية والرياضية، حتى تستطيع إقامة البرامج لأبنائها الأيتام عن قرب، حسب قوله. وأبدى الثمالي امتنانه لمشروع الأمير محمد بن سلمان لدعم الجمعيات الخيرية، مؤكداً أنه أسهم برفع جودة برامج الجمعية، وأفاد بأن الدعم صُرف كالتالي: كفالة 300 يتيم ويتيمة لمدة عام، بواقع 250 ريالاً لكل يتيم ويتيمة شهرياً، وكفالة 300 أرملة لمدة عام، بواقع 250 ريالاً لكل سيدة شهرياً، وسلة غذائية لـ400 أسرة لمدة عام، بواقع 150 ريالاً لكل أسرة شهرياً، وتزويج 18 يتيماً من أيتام الظروف الخاصة، بواقع 10 آلاف ريال لكل يتيم، وأخيراً كسوة أيتام لعدد ألفي يتيم ويتيمة، بواقع 150 ريالاً تقدم لهم مرة واحدة.
وأضاف الثمالي: «لمسنا الأثر البالغ على الأيتام وأسرهم من خلال هذه البرامج، حيث ساهمت في التخفيف من معاناتهم». وعن المشاريع التي نفذتها الجمعية أخيراً، أوضح أنّها تضمّنت التواصل مع الجمعية الخيرية لرعاية الأسر المنتجة، حول تدريب عدد من الأيتام الراغبين من خلال تقديم دورات في الحاسب الآلي وصيانة الجوالات.
وأفصح الثمالي عن الرفع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية باستمارات الراغبين في منحة خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إلى جانب عقد شراكة مع جمعية «أم القرى» النسائية لدعم الجمعية لأمهات الأيتام الراغبات في بعض البرامج التي تخدمهن في حياتهن، وأشار إلى أن جمعية «كهاتين» تمكنت من توظيف 12 من أبناء الدار في جهات حكومية وأهلية.
وكشف الثمالي أن الجمعية تنوي في الفترة المقبلة تقديم الإشراف والمتابعة من أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، والعمل على استقرار الحالة النفسية لأبنائها الأيتام، مضيفاً: «نستعد كذلك لمشروع اليوم العالي لليتيم، وقد تم التنسيق مع إحدى القاعات لاستضافته، وتحرص الجمعية على حضور شخصيات اعتبارية في هذا اليوم».
جدير بالذكر أنّ الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام «كهاتين» تشمل خدماتها كلاً من: مكة المكرمة والمدينة المنورة ومحافظة الطائف، وهي مؤسسة خيرية (غير ربحية)، تُعنى بكفالة ورعاية الأبناء الأيتام رعاية شاملة، لينالوا نصيبهم من الرعاية الاجتماعية والتربوية والتعليمية والصحية والترفيهية، وتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل، بما يضمن نشأتهم نشأة طيبة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)