مخاوف من اشتعال حرب تجارية مفتوحة بين أميركا والصين

واشنطن بصدد فرض رسوم إغراق... وبكين تتعهد برد حاسم

مخاوف من اشتعال حرب تجارية مفتوحة بين أميركا والصين
TT

مخاوف من اشتعال حرب تجارية مفتوحة بين أميركا والصين

مخاوف من اشتعال حرب تجارية مفتوحة بين أميركا والصين

في خطوة جديدة نحو تعميق إجراءات الحماية التجارية في الولايات المتحدة، أوصت وزارة التجارة بزيادة الرسوم المفروضة على واردات من صفائح الألمنيوم من الصين لأنها تحظى بدعم يمكّنها من البيع بأقل من سعرها السوقي. فيما تعهد مسؤول صيني بارز، أمس، بأن تتخذ بكين «الإجراءات اللازمة»، رداً على القرار الأميركي... ما ينذر بانطلاق حرب تجارية مفتوحة بين أكبر اقتصادين في العالم في حال اشتعال الأزمة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن بيان لوزارة التجارة الأميركية، مساء أول من أمس، قالت فيه إن رسوماً مضادة للإغراق وأخرى تعويضية سيتم فرضها على عدد من الشركات الصينية، مع هامش للإغراق بين 48.64% إلى 106.09% ومعدلات من الدعم للسلع الصينية تتراوح بين 17.14% و80.97%.
وفي رد سريع، قال وانغ هيغون، رئيس مكتب الإصلاح والتحقيق في وزارة التجارة الصينية، في بيان له على الإنترنت، أمس، إن «الصين ستتخذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن مصالحها، رداً على الممارسات الخاطئة للولايات المتحدة»، مضيفاً أن القرار الأميركي «قد أضر بشدة بمصالح المصدّرين الصينيين لرقائق الألمنيوم».
وتعد العلاقات التجارية بين أميركا والصين واحدة من أكثر القضايا الساخنة التي تضعها إدارة الرئيس دونالد ترمب نصب أعينها، حيث يصف الرئيس الأميركي العجز التجاري لبلاده مع الصين بأنه «محرج» و«فظيع»، ويلقي باللوم على الإدارات السابقة في تفاقم هذا العجز.
كان العجز الأميركي في السلع والخدمات قد ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 12% إلى 566 مليار دولار، عند أعلى معدلاته منذ 2008. وبلغ العجز التجاري في السلع مع الصين وحدها ما يزيد على نصف مجمل العجز الأميركي بقيمة 357.2 مليار دولار.
وتأتي التصريحات الأميركية في نفس الأسبوع الذي يزور فيه ليو هي، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الصيني، واشنطن، للنقاش حول العلاقات التجارية بين البلدين، خصوصاً في ظل تزايد حدة التوتر. ويُعتقد أنه قد تم تكليف ليو بمهمة التعامل مع ملف العلاقات التجارية الأميركية الصينية، التي توترت بسبب تطبيق واشنطن أجندة «أميركا أولاً» التي يروّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ولا ترتبط الرسوم المطروحة مؤخراً على الألمنيوم بقرار منتظر من البيت الأبيض بشأن فرض الحماية على صناعات الألمنيوم والصلب المحلية ضد الواردات الخارجية، التي تقول وزارة التجارة الأميركية إنها تهدد الأمن القومي للبلاد، وفقاً لتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
واقترحت الوزارة فرض رسوم بنسبة 24% على واردات الصلب، وبنسبة 7.7% على الألمنيوم، من بين خيارات أخرى انتظاراً لقرار رئاسي بهذا الشأن. وصرح وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، في بيان أخير بشأن ما توصلت إليه الوزارة من إغراق الصين لأسواق بلاده، قائلاً: «هذه الإدارة ملتزمة إزاء تجارة عادلة ومتبادلة، ولن نسمح للعمال والمؤسسات الأميركية بأن تتضرر من واردات غير منصفة».
وعلى الجانب الآخر، حذّرت الصينُ الولايات المتحدة من أن فرض رسوم على صادراتها يمكن أن يقوض علاقات تجارية حيوية، وأعربت وزارة التجارة عن «استنكارها الشديد» للقرار حول صفائح الألمنيوم. وقال وانغ هيغون، المسؤول في وزارة التجارة الصينية، في بيان، إن «استخدام الجانب الأميركي غير المنطقي لإجراءات تصحيحية تجارية» لن ينجح في تنشيط صناعة صفائح الألمنيوم، كما سيؤثر على وظائف في الولايات المتحدة وسيؤذي المستهلكين هناك. ويشير محللون أيضاً إلى أن مثل هذا السلوك يمكن أن يزيد من مخاطر الرد والمعاملة بالمثل.
ونقلت «بلومبيرغ» عن هيدي بروك، رئيسة مؤسسة الألمنيوم، قولها إن «صفائح الألمنيوم الأميركية ضمن أكثر المنتجات تنافسية في العالم، لكنهم لا يستطيعون التنافس ضد منتجات يتم بيعها بأسعار منخفضة بشكل غير عادل ومدعومة من قبل الحكومة في الصين».
وتقول «بلومبيرغ» إن الولايات المتحدة وأوروبا وبلداناً آسيوية تتشارك المخاوف من أن الطاقات الصناعية الفائضة في الصين تتسبب في تشويه الأسعار في السوق العالمية، وقامت الإدارة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) بخطوة نادرة لعمل تحقيقات ضد الدعم والإغراق على سبائك الألمنيوم الصينية باسم الصناعة المحلية في خطوة قادتها الشركات. وبلغت واردات الولايات المتحدة من صفائح الألمنيوم الصينية 389 مليون دولار خلال 2016.
ولكن أوروبا والصين تتشاركان أيضاً في السخط على الميل الحمائي القوي لإدارة ترمب، ويقول تقرير لـ«سي إن بي سي» إن بعض المنتجات الأميركية التي تمثل رمزية كبيرة للهيمنة الأميركية قد تتعرض لإجراءات انتقامية في أسواق التصدير. وحسب التقرير قد يعود الاتحاد الأوروبي الفترة المقبلة إلى قائمة من السلع الأميركية كان قد أعدها خلال حقبة جورج بوش الابن لإعاقة دخولها في السوق الأوروبية وقت تصاعد الخلافات التجارية بين الكيانين، وقد يستهدف الاتحاد الأوروبي سلعاً مثل الدراجات البخارية «هارلي ديفدسون»، التي يقع المقر الرئيسي للشركة المصنّعة لها في ولاية المتحدث باسم البيت الأبيض، بول رايان، ويسكونسين، بجانب سلع أخرى مثل الجبن وعصير البرتقال والطماطم والبطاطس.
وتوقع التقرير أن الإجراء الانتقامي من الصين قد يكون أقوى بسبب حجم التجارة بين البلدين واعتماد المزارعين الأميركيين على السوق الصينية كوجهة للتصدير. وتبحث وزارة التجارة الصينية بالفعل الحد من الواردات الأميركية من «السرغوم»، وهي حبوب تستخدم في تغذية الماشية، كرد فعل على الرسوم الأميركية المفروضة مؤخراً على اللوحات الشمسية وغسالات الأطباق.
كانت واشنطن قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي، فرض تعريفات استيراد مرتفعة على الغسالات ومعدات الطاقة الشمسية لحماية الوظائف المحلية.


مقالات ذات صلة

نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

الاقتصاد شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)

نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع في ديسمبر، بينما انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة، مما يعكس قوة سوق العمل في نهاية العام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك (رويترز)

بيانات التضخم الأميركية الأسبوع المقبل تضع الأسواق تحت الاختبار

قد تختبر بيانات التضخم في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل أعصاب المستثمرين في أسواق الأسهم، ما يزيد من المخاوف المتعلقة بارتفاع عائدات سندات الخزانة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد متداولون في بورصة نيويورك (رويترز)

المستثمرون الأميركيون ينسحبون من صناديق الأسهم

انسحب المستثمرون الأميركيون من صناديق الأسهم وانتقلوا إلى صناديق أسواق المال الآمنة خلال الأسبوع المنتهي في 8 يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما زاد من الطلب على السبائك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

وضعت الاضطرابات الهائلة في سوق السندات بنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب للغاية، حيث يواجه خيارين حاسمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

علَّق البنك المركزي الصيني شراء سندات الخزانة يوم الجمعة، مما رفع العائدات لفترة وجيزة وأثار تكهنات بأنه يكثف دفاعه عن عملة اليوان التي تتراجع منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وتقطع هذه الخطوة خمسة أشهر من الشراء، وتتزامن مع موجة بيع شرسة في أسواق السندات العالمية، مما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني يحاول أيضاً ضمان ارتفاع العائدات في الداخل بالتوازي، أو على الأقل وقف الانخفاض، كما يقول المحللون.

وعقب الإعلان عن الخطوة، ارتفعت العائدات التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، رغم أن أسعار الفائدة القياسية لأجل عشر سنوات كانت أقل قليلاً بحلول المساء.

ويشير التحول في السياسة واستجابة السوق الحذرة، إلى محاولة بنك الشعب الصيني إحياء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على ظروف نقدية ميسرة في حين يحاول أيضاً إخماد ارتفاع السندات الجامح، وفي الوقت نفسه استقرار العملة وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وقال محللون في «كومرتس بنك» في مذكرة: «لقد أشار البنك إلى استعداده لتخفيف السياسة بشكل أكبر... ومع ذلك، فإن ضعف اليوان بسبب الدولار القوي واتساع الفارق مع أسعار الفائدة الأميركية من شأنه أن يعقد موقف بنك الشعب الصيني».

واستشهد بنك الشعب الصيني بنقص السندات في السوق كسبب لوقف عمليات الشراء، والتي كانت جزءاً من عملياته لتخفيف الأوضاع النقدية وتعزيز النشاط الاقتصادي.

وكان عائد سندات الخزانة الصينية لأجل عشر سنوات قد ارتفع في البداية أربع نقاط أساس، لكنه انخفض في أحدث تداولات بأكثر من نصف نقطة أساس إلى 1.619 في المائة. وارتفع اليوان قليلاً رغم أنه كان يتداول عند مستوى ثابت حول 7.3326 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 16 شهراً.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي النقد الأجنبي الآسيوي في بنك «ميزوهو»: «أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة اليوان هو اتساع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة، لذا فإن البنك المركزي يرسل إشارة إلى السوق بأن معدل العائد من غير المرجح أن ينخفض ​​أكثر».

وقال البنك المركزي الصيني في بيان إنه سيستأنف شراء السندات عبر عمليات السوق المفتوحة «في الوقت المناسب حسب العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وكانت أسعار السندات في الصين في ارتفاع مستمر منذ عقد من الزمان - وهو الارتفاع الذي بدأ في الزيادة منذ ما يقرب من عامين حيث تسببت مشكلات قطاع العقارات وضعف سوق الأسهم في تدفق الأموال إلى الودائع المصرفية وسوق الديون.

وهذا الأسبوع شهدت السوق موجة بيع عالمية، والتي زادت بفضل الطلب الذي لا يقاوم على الأصول الآمنة ومراهنات المستثمرين على المزيد من خفض أسعار الفائدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وحذر بنك الشعب الصيني لشهور من مخاطر الفقاعة مع انخفاض العائدات طويلة الأجل إلى مستويات قياسية متتالية، على الرغم من أن السلطات في الوقت نفسه توقعت المزيد من التيسير. وهبطت العملة بنحو 5 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المخاوف من أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات تجارية جديدة ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال هوانغ شيويفينغ، مدير الأبحاث في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند كو» في شنغهاي، إنه يتوقع استمرار الاتجاه الهبوطي في عائدات السندات مع «استمرار السوق في التعامل مع وضع التكالب على الأصول»، حيث يوجد نقص في فرص الاستثمار الجيدة... ويوم الجمعة، نقلت «فاينانشيال نيوز»، وهي مطبوعة تابعة لبنك الشعب الصيني، عن أحد خبراء الاقتصاد قوله إن السوق يجب أن تتجنب التوقعات المفرطة بشأن تخفيف السياسة النقدية.

وفي الأسواق، أنهت أسهم الصين وهونغ كونغ الأسبوع على انخفاض مع امتناع المتداولين عن زيادة استثماراتهم في السوق وانتظار تدابير تحفيزية جديدة من بكين.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» الصيني ومؤشر «شنغهاي المركب» على انخفاض بنحو 1.3 في المائة يوم الجمعة. وانخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ 0.9 في المائة. وعلى مستوى الأسبوع، انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 1.1 في المائة، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 3.5 في المائة.

وقال محللون بقيادة لاري هو، من مؤسسة «ماكواري» في مذكرة: «السؤال الرئيسي في عام 2025 هو مقدار التحفيز الذي سيقدمه صناع السياسات. سيعتمد ذلك إلى حد كبير على تأثير التعريفات الجمركية، حيث سيفعل صناع السياسات ما يكفي فقط لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي. ويشعر عدد قليل من المستثمرين أن السوق صاعدة، حيث تظل أرباح الشركات ضعيفة وسط ضعف الطلب المحلي. والرأي السائد هو أن السيولة ستصبح أكثر مرونة في عام 2025 ولكن النمو الاسمي سيظل بطيئاً».