صناديق الثروة السيادية تستثمر أقل... لكن بتركيز أكبر

صناديق الثروة السيادية تستثمر أقل... لكن بتركيز أكبر
TT

صناديق الثروة السيادية تستثمر أقل... لكن بتركيز أكبر

صناديق الثروة السيادية تستثمر أقل... لكن بتركيز أكبر

أجرت الصناديق السيادية العام الماضي استثمارات أقل من العام 2016، لكنها اتجهت أكثر إلى التركيز على قطاعات دون أخرى وفقاً لانتقائية شديدة. فقد أكد تقرير صادر عن «تومسون رويترز» أن عدد العمليات التي أجرتها تلك الصناديق تراجع من 198 عملية في 2016 إلى 183 عملية في 2017، كما هبطت القيمة المستثمرة في العام الماضي بنسبة 24 في المائة إلى 74 مليار دولار، علما بأن إجمالي قيمة أصول الصناديق السيادية يبلغ 7.4 تريليون دولار، منها 2.9 تريليون دولار (39 في المائة) تعود للصناديق الخليجية.
وذلك التباطؤ مرده، بحسب التقارير المتخصصة، إلى تراجع أسعار البترول والمواد الأولية، وإلى تواضع النمو في تراكم الأموال في تلك الصناديق، إضافة إلى بعض المشاكل الجيوسياسية. لكن في ذات الوقت، حصل تركيز أكثر على الاستثمارات البديلة والعقار والبنى التحتية ورأس المال المغامر.
ولعبت عوامل انخفاض الفائدة - كما الأسعار المرتفعة للأصول المالية (لا سيما الأسهم) - دورا في دفع الصناديق السيادية نحو تنويع في محافظها واتجاه إلى الابتكار أكثر في تكوين تلك المحافظ. ويؤكد تقرير «تومسون رويترز» أنه في النصف الأول من 2017 حققت صناديق ثروات الدول وصناديق التقاعد التابعة لها 77 استثماراً استراتيجياً، مقابل 142 عملية في الفترة المقابلة من العام الذي سبقه. وهذه الاستثمارات تركزت في العقار بنسبة 24 في المائة، والتكنولوجيا 26 في المائة، والتمويل والأصول المالية 17 في المائة.
أما الدول الأكثر استقطابا لتلك الاستثمارات، فكانت الولايات المتحدة والهند وبريطانيا والصين وسنغافورة وأستراليا، حيث استحوذت هذه الدول الست على ثلاثة أرباع استثمارات تلك الفترة. وكان لافتاً عدد الاستحواذات التي حصلت في بريطانيا، ما يشير إلى تأثير ضعيف لـ«البريكسيت» في قرارات الصناديق السيادية، حيث بلغت القيمة الإضافية المستثمرة في أصول بريطانية 20 مليار دولار وفقاً لمؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية.
في المقابل، حصل تباطؤ في الاستحواذات في الولايات المتحدة بفعل الانتظار الذي ساد غداة انتخاب دونالد ترمب رئيساً. فبعد أن بلغت قيمة الاستثمارات الجديدة في أميركا في الفصل الأخير من 2016 نحو 29 مليار دولار، هبطت تلك الاستثمارات إلى 12.5 مليار دولار فقط في النصف الأول من 2017، وتفسير ذلك يكمن في حالة الترقب التي سادت بعد انتخاب ترمب، لكن المؤشرات التي ظهرت خلال الفترة القليلة الماضية تدل على عودة زيادة توظيف الأموال السيادية الدولية في الأصول الأميركية، وذلك مدفوع بتفاؤل مصدره الإصلاح الضريبي والسياسة المالية التوسعية، وسينعكس ذلك إيجاباً في أسعار الأصول المالية منها وغير المالية في الولايات المتحدة.
وفي المجمل، بلغت قيمة الاستثمارات الجديدة للصناديق السيادية في أول 6 أشهر من العام الماضي 50 مليار دولار، أي أقل بنسبة 26 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2015، عندما زادت خلال تلك الفترة على 67 مليار دولار.
وبدلاً من التشتت، تتركز استثمارات الصناديق السيادية الآن في عدد من العمليات الاستراتيجية طويلة المدى. وتتعاون هذه الصناديق فيما بينها في استحواذات مشتركة ذات حجم كبير، لا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا، وحصل ذلك أكثر من مرة بمبادرة من الصندوق السنغافوري الذي يكتشف الفرص ثم يطلب من صناديق سيادية أخرى مشاركته فيها.
أما الاستحواذات العملاقة فتبقى من نصيب الصندوق الصيني «سي آي سي» الذي اشترى «لوجيكور لوجستيك» من مجموعة «بلاكستون» بمبلغ 13.8 مليار دولار. ويذكر أن الصناديق السيادية الصينية (عددها 6 وتدير أصولاً قيمتها نحو تريليوني دولار) تستمر في لعب دور الشريك المثالي لأي صندوق يرغب في الاستثمار في آسيا، إذ حصل ذلك التعاون في عام 2017 على غرار السنوات السابقة، وفي 2018 دلائل إضافية في هذا الاتجاه.
وفي جانب الملاحظات اللافتة أيضاً، سجل العام 2017 إقبال أول صندوق سيادي عالمي على الاستثمار في تكنولوجيا «بلوكتشين»، وهو صندوق «تيماسيك» السنغافوري الذي فتح مكتباً تابعاً في منطقة «سيليكون فالي» ليكون قريباً من الابتكارات التقنية الجديدة ويستكشف فرص الاستثمار فيها قبل غيره من الصناديق السيادية العالمية التي تفضل عادة الاستثمارات الآمنة والتقليدية.
أما الصندوق السيادي الأكبر في العالم، أي النرويجي الذي يدير الآن 855 مليار دولار، فقد حافظ على وتيرته الخاصة به، وهي زيادة العائد بنسبة قليلة لكن أكيدة كل سنة منذ 20 عاما، وهذه السياسة حققت له 14.5 مليار دولار فوق مؤشر العوائد الذي يسعى لتحقيقه كل سنة من سنوات تلك الفترة، ويعني ذلك أن الصندوق النرويجي يتفوق على نفسه كل سنة، فعلى سبيل المثال حقق في 2017 عوائد بنسبة 13.7 في المائة، مقابل 6.9 في المائة في 2016، أما توزيع استثماراته فيتشكل تقريباً كالآتي: 66 في المائة في الأسهم، و31.5 في المائة في السندات، و2.5 في المائة في العقارات.
وبالنظر إلى حجم الاستثمارات في الأسهم، فإن العام الماضي كان ذهبياً بالنسبة للصندوق النرويجي بفضل صعود البورصات العالمية، وهذا ما يفسر العائد الاستثماري المرتفع (13.7 في المائة) الذي حققه متفوقاً به على عوائد معظم الصناديق السيادية العالمية، إن لم يكن كلها، لأنه الوحيد تقريباً في دقة إفصاحاته ودرجة شفافيته العالية مقارنة بصناديق سيادية أخرى لا تفصح كما يجب.
وعلى هذا الصعيد، ترجح مصادر كويتية رسمية أن تزيد الهيئة العامة للاستثمار (التي تدير الصندوق السيادي الكويتي المقدرة أصوله بنحو 524 مليار دولار) إفصاحاتها هذه السنة لتكون متاحة للجمهور المحلي كما العالمي، لا سيما الدائنين العالميين الذين اكتتبوا في إصدار الدين السيادي قبل سنة بنحو 8 مليارات دولار، وينتظرون إصداراً جديدا في 2018 ليكتتبوا به على بينة أوضح عندما تفصح هيئة الاستثمار عن أصولها وعوائدها بشكل شفاف يبعث على الثقة أكثر.


مقالات ذات صلة

الخريف: قطاع إعادة التصدير السعودي ينمو ويسجل 16.2 مليار دولار عام 2024

الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

الخريف: قطاع إعادة التصدير السعودي ينمو ويسجل 16.2 مليار دولار عام 2024

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، عن تسجيل بلاده صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير خلال العام الحالي.

زينب علي (الرياض)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية بالسعودية (الشرق الأوسط)

الأقل في مجموعة العشرين... التضخم في السعودية يسجل 2 %

بلغ معدل التضخم السنوي في السعودية 2 في المائة، خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الجاسر متحدثاً للحضور في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية (الشرق الأوسط)

السعودية: توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية بـ2.6 مليار دولار

قال وزير النقل والخدمات اللوجيستية، المهندس صالح الجاسر، إن السعودية نجحت في جذب الاستثمارات من الشركات العالمية الكبرى في القطاع اللوجيستي.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.