الصراع على ود الجيل الجديد يزيد بكل الصور

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسابيع الموضة العالمية لم تعد تعتمد على الأزياء فحسب. أصبح من الضروري إضافة عنصر الإبهار والإثارة، بمعنى أن تتضمن عنصراً يشد الانتباه ويجعل العالم يتكلم عنها، سواء من ناحية الديكورات أو الإخراج أو الإضاءة بالليزر وغيرها. أمر فهمته دار «شانيل» منذ سنوات واستغلته أحسن استغلال. الآن العديد من بيوت أزياء، خصوصاً التي لها القدرات، باتت تعتمده لشد انتباه جيل جديد من عشاق الموضة يهتمون بالصورة أولاً وأخيراً. فكلما كانت الصورة جديدة ومُدهشة كانت التغطيات أكبر وأكثر تأثيراً.
أسبوع لندن لموضة الخريف والشتاء المقبلين مثلاً حقق هدفاً نادراً، وسدد ضربة قوية لباقي أسابيع الموضة العالمية عندما فاجأت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، الجميع بحضورها عرض الشاب ريتشارد كوين في بادرة غير مسبوقة منذ اعتلائها العرش. كان على مصممي ميلانو أن يرتقوا بعروضهم إلى مستوى يمحي هذه الصورة ويحافظ على مكانتهم، وفي الوقت ذاته يشعل شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا ما كان، من دار «دولتشي آند غابانا» التي وظفت كل مهارتها في هذا المجال، وافتتحت العرض بطائرات من دون طيارين تحمل حقائب يد بكل الألوان والأشكال، إلى دار «غوتشي» التي صدمت الحضور بإرسال عارضتين تحملان رؤوساً تُمثلهن.
بالنسبة لـ«دولتشي آند غابانا»، فحتى إذا لم تشعل الحقائب مواقع التواصل الاجتماعي، فإن طريقة عرضها لا بد أن تحقق المطلوب. الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا يُقدران أن ملكة بريطانيا لها تأثير قوي لا يمكن مضاهاته من حيث القيمة، لكن يمكن مضاهاته من ناحية الصورة. لحسن حظهما أن الجيل الجديد يفهم هذه الصورة ويعشقها بكل مبالغاتها. قد تكون بالنسبة للعارفين صورة تتوسل نشرها عبر حساباتهم على «آنستغرام» أو «تويتر» أو «سناب شات»، لكنها بالنسبة للمصممين تقوم بالواجب وأكثر. في العام الماضي مثلاً استعانا بنجوم «آنستغرام»، من مدونات ومدونين ومن أصبحوا يعرفون بـ«الإنفلونسرز»، في عروضهما، جنباً إلى جنب عارضات سوبر وعارضين يُقدر عدد متابعيهم بالملايين أيضاً. نجحت الخطة وحققت المراد منها.
كان منظر طائرات {درون} تتوالى على المنصة محملة بحقائب يد مثيراً يضمن ضجة إعلامية عالمية. بعد دقائق ظهرت عارضات في أزياء قد تكون مزخرفة بشكل مبالغ فيه، لكنها، ومرة أخرى، تخاطب الصورة أولاً وأخيراً وقد لا تروق لزبونات ناضجات. لكن ما يحسب لها أنها عندما ستصل إلى المحلات يمكن تفكيكها وتنسيقها بشكل مختلف يُبرز جماليات تطريزاتها وألوانها وأقمشة البروكار وغيرها.
أما بالنسبة لمصمم دار «غوتشي» أليساندرو ميكييل، فكان عرضه مسرحية صاخبة بالصور والأفكار التي جسدها من خلال سيناريوهات مختلفة. مرة أرسل العارضات وهن يتأبطن رؤوساً تشبه رؤوسهن تماماً في منظر صادم، ومرة أخرى مجموعة غطى فيها رؤوس العارضات بإيشاربات، كما غطى أجسادهن في أزياء طويلة لا يظهر شيء منها على أساس أنه يريدها أن تخفيهن تماماً لإبراز الشخصية التي يريدهن تقمصها. فصل آخر من المسرحية قدم فيه مجموعة من الأزياء جمع فيها أزياء رجالية بأخرى نسائية. لكنه في كل الحالات طبق وصفته الناجحة لأنها تصاميم ستجد طريقها إلى زبون عالمي يريد التميز.
فما أكده أليساندرو أنه ميداس الموضة؛ ما إن يقدم شيئاً حتى يتلقفه الشباب بلهفة، لتترجم هذه اللهفة إلى أرباح خيالية. كانت هناك العديد من الجاكيتات مزينة بالفرو، والفساتين المصنوعة من المخمل مستوحاة من عصر النهضة، وأخرى من العصر الفيكتوري غلبت عليها البليسيهات، وأخرى تجسد امرأة من الشرق الأوسط مغطاة من الرأس إلى أخمص القدمين، بينما ظهر رجل بعمامة بالأزرق. تنوع يعطي الانطباع بأن المصمم أراد السفر بنا إلى عوالم بعيدة وثقافات مختلفة للتعرف على الآخر، لكنه وبحسب شرحه كان استكشافاً لكل ما يقيدنا بغض النظر عن الطبقة التي ننتمي إليها أو المناسبة التي نتزين لها.
ديكور العرض أيضاً كانت له رمزيته، فقد صممه على شكل غرفة عمليات جراحية بكل ما تتطلبه من أدوات طبية، لكي ترمز للدقة التي تعامل فيها مع تفصيل وتطريز كل قطعة. صحيح أن الموضة شاعرية، وليست مسألة حياة وموت، إلا أن هذا لا يمنع أن يتم تنفيذها بدقة جراحية، بحسب رأيه.
لقطات من بعض العروض:
«روبرتو كافالي»
التحضير لأي عرض أزياء لا تستغرق مدته الـ15 دقيقة، يستنزف الكثير من الجهد والمال والوقت، فما البال إذا كانت المدة التي فرضت على المصمم لكي يحضر تشكيلة بأكملها لا تتعدى بضعة أسابيع؟
هذا ما حصل في الموسم الماضي عندما وجد المصمم البريطاني بول ساريدج نفسه تحت الأمر الواقع، إثر اختياره مصمماً فنياً لدار «روبرتو كافالي». لم يكن بإمكانه رفض العرض. فقد كان مُغرياً من كل الجوانب، لهذا قبل التحدي. وسرعان ما أكد أنه من النوع الذي يُبدع أكثر عندما يكون تحت الضغط، وحسب تعليقه: «لم يكن لدي الوقت للتفكير والتحليل أو الخوف. كان علي أن أنغمس كلياً في العمل وإعطاء أفضل ما عندي». غني عن القول: إن سارديج لم يكن وحده، بل كان معه فريق متمرس ورثه عن سلفه بيتر دانداس، الذي لم يعمر أكثر من 19 شهراً في دار كانت تمر بعدة مشاكل وتغييرات جُذرية. كانت مهمته الرئيسية في الموسم الأول أن يقود هذا الفريق ويقدم لهم رؤية واضحة وجديدة تتماشى مع متطلبات العصر. كانت رؤيته هي توسيع وتكبير الصورة التي ترسخت في الأذهان عن أزياء «روبرتو كافالي»، بأنها أنثوية مثيرة وبألوان صارخة ونقشات الفهد الصاخبة وتصاميم تخاطب امرأة لا يبدو أنها تعمل كثيراً بقدر ما تسهر كثيراً. أدخل ألوانا ونقشات جديدة تُخرجها من النمطية، لكن الأهم أنه قدم مجموعة كبيرة من أزياء النهار للمرأة العالمية. لا ينكر أن اسم كافالي وحده كاف لبث الرغبة فيها لما يوحيه من أناقة، إلا أن المشكلة بالنسبة له أنها كانت لحد الآن أناقة تخاطب شريحة محددة، بينما أصبح من المطلوب حالياً أن تُتقن أي دار أزياء لغة عالمية تشمل شرائح أكبر.
لهذا كانت الأولوية بالنسبة له تتوسع إلى أزياء النهار بعد أن ركزت طويلاً على أزياء السهرة والمساء. فزبونة الجيل الجديد تريد أزياء تُغطي احتياجاتها من الصباح إلى المساء، وهو ما فهمه في تشكيلته الأولى بتقديمه مجموعة سخية من القطع المنفصلة. نجاحه كان مفاجأة، لأنه لم يكن في دائرة الأضواء، رغم أنه عمل في مجال الأزياء الرجالية في بيوت أزياء عالمية مثل «بيربري» و«برادا» و«كالفن كلاين»، لكنها تبقى أول تجربة له في تصميم الأزياء النسائية.
فتصميم الأزياء الرجالية يقوم على العملية الوظيفية إلى حد ما، لأنها محددة التفاصيل، بينما تتغير الأزياء النسائية حسب المزاج وحسب الذوق وحتى حسب طريقة تنسيقها مع الأحذية. في ثاني تشكيلة له، كانت شخصية كاثرين تراميل التي تقمصتها النجمة شارون ستون في فيلم «Basic Instinct» ملهمته. فهو لم يتنصل تماماً من عنصر الإثارة الحسية التي زرعها المؤسس روبرتو كافالي في الدار، ولا من نقشات الفهد التي أصبحت لصيقة بها. الفرق أنه وجهها لامرأة مثيرة لكن أيضا قوية، لأنها تلعب على الأنثوي والذكوري في آن واحد.

«تودز»
في المقابل قدمت دار «تودز»، التي ربما يعرفها الكل كدار إكسسوارات جلدية تتكلم لغة الترف بالإيطالية، تشكيلة أزياء خصت بها المرأة كانت عملية بامتياز. لا زخرفات مبالغ فيها ولا فذلكة في الأفكار، فقط تصاميم ديناميكية بتفاصيل دقيقة تمنح الجسم الكثير من الرشاقة والراحة. حتى العارضة جيجي حديد لم تستطع أن تغطي على جمالها. فبعد ثوانٍ على خروجها إلى المنصة تحولت العيون عنها إلى ما تلبسه من قطع تجمع الأناقة الراقية بـ«السبور»، وما تحمله من حقائب تُلهب الرغبة فيها. رغم تنوع أقمشة الأزياء وخاماتها، كانت الجلود المعالجة بعناية ودقة هي الغالبة إلى جانب الأقمشة المبطّنة، فيما يمكن تلخيصه في أنه نظرة جديدة للدار.
دييجو ديلا فال، رئيسها ومالكها، قال إنها تحاول مواكبة إيقاعي الحياة والموضة على حد سواء، وبالتالي ستلجأ إلى طرح عدة مجموعات على مدار العام للتواصل بشكل أفضل مع الزبائن، وللاستجابة لمتطلبات جيل صاعد يعتمد على الإنترنت ولا يتميز بالإخلاص لماركة واحدة. فهو يتبع كل من يستطيع إغراءه وجذبه. وأضاف ديلا فال لوكالة «رويترز» إن مشروع «تودز» الجديد، واسمه «فاكتوري»، يستهدف طرح مجموعات إضافية خلال العام، بالإضافة إلى مجموعات خاصة محدودة الكمية يشارك في تصميمها عدة مصممين.

«فندي»
في «فندي» لم تختلف القصة كثيراً عن «تودز». كانت القصات والإكسسوارات كالعادة متعة للعين. ما بين عبقرية كارل لاغرفيلد في تنسيق الألوان واللعب بالخامات، ونظرة سليلة العائلة المؤسسة سيلفيا فانتوري فندي فيما يمكن أن يشد أنفاس المرأة من حقائب يد، اكتملت الصورة. كانت تشكيلة راقية بكل المقاييس تهادت فيها العارضات في أزياء منسدلة وجد عملية باستثناء قطعة هجينة تأخذ شكل جاكيت من دون أكمام تغطي الأكتاف ونصف الأذرع. قد تمنح الجسم الدفء في يوم بارد لكنها تعطي الانطباع أنها تُكتف الحركة إلى حد ما. ما عداها، فإن كل قطعة كانت تقطر بسحر بصمات كارل لاغرفيلد وفخامة خامات دار «فندي» من جلود وفرو، إضافة إلى التفاصيل الكثيرة. كل هذا علقت عليه سيلفيا بقولها إنها تشكيلة «بمثابة زي رسمي رومانسي لامرأة قوية وواثقة من نفسها». أما فيما يتعلق بالجانب الخاص بها، أي الإكسسوارات، فهي لم تُقصر رغم أنها استقت الكثير منها من الأرشيف. ظهرت مثلاً حقيقة «الباغيت» بنسخة عصرية وخامات أكثر ترفاً، كذلك حقيبة «بيكابو» وغيرها من أيقونات الدار التي ستجد فيها كل من زبونتها الشابة المتطلعة للترف أو المرأة التي تعرف قيمة هذا الترف بُغيتهما فيها.

«ألبرتا فيريتي»
في عرض «ألبرتا فيريتي»، كانت هناك أجواء غير مألوفة. بالإضافة إلى التمثال الضخم المصنوع من الألمنيوم للفنان لورانزو كوين، اكتسبت الأزياء أيضاً طابعاً عصرياً وشبابياً ظهر من أول قطعة ظهرت بها كايا غيربر. كانت على شكل «جامبسوت» من الدينم باللون الأسود مرصع بالفضة. الجديد أن اسم فيريتي كان مرادفاً للتصاميم الرومانسية التي تنسدل على الموسلين، لكنها مثل باقي مصممي العالم، باتت تعرف أن زبونة اليوم لها متطلبات مختلفة إن لم تواكبها وتلبيها فاتها القطار، وهو ما يفسر الأكتاف القوية والخصور العالية، وتلك النغمة المستقاة من حقبة الثمانينات من القرن الماضي. كانت هناك مجموعة من الكنزات من صوف الموهير نسقتها مع بنطلونات براقة والقطع المصنوعة من الدينم شملت بنطلونات بعدة درجات منه وجاكيتات رصعتها بالأحجار.
جانبها الإبداعي المائل إلى الرومانسية أطلقت له العنان في المجموعة الموجهة للسهرة والمساء، والتي زينتها بالريش والخرز والترتر والأهم من هذا أطلقت لها هي الأخرى العنان من ناحية.
وطبعاً اختيارها لعارضات من حجم جيجي حديد، التي تتمتع بعدد متابعين على «آنستغرام» يصل إلى 38.5 مليون، وكايا غيربر، 2.9 مليون متابع، ليس من باب الصدفة. فهما تمثلان الجيل الذي تُعول عليه الموضة، وتريد كسب رضاه، و«ألبرتا فيريتي» قد تختلف في أسلوبها عن غيرها لكن لا تختلف عنهم في هذه النقطة.