«وحش من الشرق»... عاصفة تغطي أوروبا بالثلوج

تحذير قوي في اسكوتلندا... وإنجلترا تتشح بالأبيض

الغزلان في «ريتشموند بارك» بلندن (رويترز)
الغزلان في «ريتشموند بارك» بلندن (رويترز)
TT

«وحش من الشرق»... عاصفة تغطي أوروبا بالثلوج

الغزلان في «ريتشموند بارك» بلندن (رويترز)
الغزلان في «ريتشموند بارك» بلندن (رويترز)

وكأن بساطاً أبيض غطى المساحات العامة في لندن وضواحيها، مع استمرار عاصفة «وحش من الشرق» التي أصابت بريطانيا وكثيراً من دول أوروبا منذ الاثنين الماضي. في لندن وباريس وروما ودبلين وفينيسيا، بدا أن الثلوج لا تتوقف، وساهمت درجات الحرارة المتدنية الاستثنائية في تعطيل وسائل المرور والأنشطة، وأفسد الطقس المتجمد الذي يشبه مناخ سيبيريا خطط الآلاف ممن كانوا يعتزمون السفر. ولكن بما أن لكل أمر جانبه الإيجابي، وجد كثيرون في الثلوج فرصة للاستمتاع بالتزلج، واللعب بتكوين مجسمات من الثلج.
وقد أصدرت مصلحة الأرصاد في بريطانية تحذيرات، بعضها وصل لدرجة الخطر، وأغلقت مئات المدارس، وتعطلت الحركة على الطرق وعلى خطوط السكك الحديدية والمطارات، في واحد من أبرد أيام بريطانيا في مثل هذا الوقت من العام، منذ نحو ثلاثة عقود، حسب ما ذكرت وكالة «رويترز» أمس.
وانخفضت درجات الحرارة إلى 12 درجة مئوية تحت الصفر، في بعض المناطق الريفية، في حين حذرت خدمة الأرصاد الجوية البريطانية من ارتفاع الثلوج إلى 40 سنتيمتراً في المناطق المرتفعة من اسكوتلندا. وللمرة الأولى في التاريخ ترتفع درجة التحذير في اسكوتلندا إلى اللون الأحمر، في إشارة إلى خطورة الأمر. كما يتوقع أن تشهد آيرلندا أقوى عاصفة ثلجية منذ عام 1982، ما جعل السكان يسارعون إلى الأسواق لتخزين الطعام. وانتشرت صور لرفوف الخبز الفارغة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وترجع موجة البرد إلى ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة فوق القطب الشمالي، مما أضعف التيار الذي يأتي بالهواء الدافئ من المحيط الأطلسي إلى آيرلندا وبريطانيا.
موجة الصقيع تسفر عن وفاة 41 شخصاً
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية، أمس، إلى أن موجة الصقيع القادمة من سيبيريا، التي ضربت أوروبا خلال الأيام الأخيرة، قد أسفرت عن وفاة 41 شخصاً منذ الجمعة، معظمهم من المشردين، بينما استمرت الاضطرابات في حركة النقل.
ولقي 18 شخصاً حتفهم في بولندا، و6 في تشيكيا، و5 في ليتوانيا، و4 في فرنسا، والعدد نفسه في سلوفاكيا، إلى جانب اثنين في كل من إيطاليا ورومانيا.
وليل الثلاثاء - الأربعاء، بلغت الحرارة 21 درجة مئوية تحت الصفر في المناطق الجبلية في كرواتيا والبوسنة، و20 درجة مئوية تحت الصفر في لويبك بشمال ألمانيا، و19 درجة مئوية تحت الصفر في جنوب بولندا، و18 درجة تحت الصفر في لييج ببلجيكا، و10 درجات تحت الصفر في لندن.
وفي سويسرا، انخفضت درجة الحرارة إلى 36 درجة مئوية تحت الصفر، في غلاتالب غير المأهولة والمعتادة على هذا النوع من الصقيع، حيث تقع على ارتفاع 1850 متراً فوق سطح البحر.
وفي فرنسا، كان ليل الثلاثاء - الأربعاء الأكثر صقيعاً هذا الشتاء؛ حيث بلغت الحرارة 12 درجة مئوية تحت الصفر، في ميتز الواقعة في شمال شرقي البلاد.
وكان المشردون هم الأكثر تأثراً بدرجات الحرارة المتجمدة، التي يتوقع أن تستمر حتى اليوم؛ حيث توفي 3 منهم في فرنسا وتشيكيا منذ الجمعة، واثنان في إيطاليا، بعدما رفض أحدهما ترك الموقع الذي كان ينام فيه بالهواء الطلق في ميلانو.
وفي بلجيكا، اتخذت عدة مدن قراراً غير مسبوق بإجبار المشردين على البقاء في الملاجئ.
وفي ألمانيا، دعت هيئة مساعدة المشردين إلى بقاء مراكز الاستقبال مفتوحة طوال اليوم، وليس ليلاً فقط.
وقالت رئيسة الهيئة التي سجلت 4 وفيات جراء البرد منذ مطلع الشتاء، ويرينا روزنيكي: «الموت ممكن من البرد خلال النهار كذلك».
وفي بريطانيا وهولندا والبلقان والدول الاسكندينافية، تسببت الثلوج والجليد في اضطراب حركة السير على الطرقات، والملاحة الجوية والقطارات.
وألغيت أو تأخرت رحلات في مطاري لندن ودبلن، فيما تعطلت حركة النقل في 4 خطوط قطارات في السويد.
وعملت وسائل التدفئة في أنحاء القارة بأقصى طاقاتها. وأعلنت شركة «غازبورم» الروسية أنها تخطت لستة أيام الأرقام القياسية لتصدير الغاز إلى أوروبا. وسجل آخر رقم قياسي الاثنين، حيث بلغت كمية الغاز التي صدرتها إلى القارة 666.8 مليون متر مكعب.
وأعرب النمساويون عن تعاطفهم بشكل خاص مع لودويغ راسر، ونوربرت داكسباخر، الموظفين في محطة «سونبليك» لأحوال الطقس، على ارتفاع 3109 أمتار فوق سطح البحر. وصنفتهما صحيفة «أويستريخ» على أنهما صاحبا «أبرد وظيفة في النمسا». وتتمثل مهمتهما في الخروج لقياس درجة الحرارة ثلاث مرات كل يوم.
وفي أمستن بشمال غربي النمسا التي تستضيف بطولات رياضة «آيس ستوك» الجليدية، اضطر المنظمون إلى نقل حفل الافتتاح إلى الداخل، بسبب شدة برودة الطقس.
وفي أمستردام، يأمل عدد من السكان في التمكن من التزلج في قنوات المياه التي تشتهر بها المدينة؛ حيث تم توقيف حركة الملاحة البحرية في بعض المناطق، للسماح بتماسك الجليد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».