مهرجان الدمام المسرحي يضيف زخما لحركة المسرح السعودي

عروض قصيرة تتحول إلى منصة نقاش مفتوح للكثير من الإشكالات المجتمعية

لقطة من مسرحية «للعرض بقية»
لقطة من مسرحية «للعرض بقية»
TT

مهرجان الدمام المسرحي يضيف زخما لحركة المسرح السعودي

لقطة من مسرحية «للعرض بقية»
لقطة من مسرحية «للعرض بقية»

في مدينة الدمام السعودية على ضفاف الخليج، يلتقي حاليا نخبة المسرح السعودي يرافقهم نقاد ومخرجون وكتاب نصٍّ عرب وخليجيون، في محاولة لضخ دماء جديدة في عروق الحركة المسرحية المتعثرة بالسعودية.
فقد افتتح مساء الجمعة الماضي مهرجان الدمام المسرحي العاشر للعروض القصيرة، الذي يشهد عروضا مسرحية وورش عمل وتدريبا وجلسات نقد. والأهم أنه يجمع بين جيلين: جيل الرواد، وجيل الشباب، حيث أقيم العرض الأول (النهام) جامعا التجربتين في عرض مسرحي مثير للاهتمام.
وحديثا، تلقت الحركة المسرحية دعما بدخول مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي بالظهران، التابع لشركة «أرامكو السعودية»، على هذا الخط، حيث أقيم على مدى الشهور الماضية عدد من ورش التدريب المكثفة، جمعت بين فرق سعودية ومسرح الشباب الوطني البريطاني، كما وفر المركز مسرح «إثراء» في الظهران لاستضافة الافتتاح والعروض.
يذكر أن مهرجان الدمام للعروض القصيرة بدأ قبل عشر سنوات بصفته نشاطا محليا، لكنه سريعا تحول إلى حاضنة للتجارب المسرحية، حيث تكونت تحته عشرات الفرق المسرحية، وبرز الكثير من المواهب، وشهد مشاركة 79 فرقة مسرحية و1000 كادر مسرحي. كما تبنى المهرجان في دوراته العشر تكريم عدد من رواد المسرح السعودي والعربي.
وبالإضافة للتقنيات التي شهدت تطورا ملحوظا، فإن العروض المسرحية التي قدمت خلال الأيام الماضية كشفت عن مستوى من الوعي بقضايا الحياة وتشابكها مع المسرح، وتوظيف العرض المسرحي ليتحول إلى منصة نقاش مفتوح للكثير من الإشكالات المجتمعية، من بينها دور الفن في الحياة كما في عرض الافتتاح، والصراع القبلي كما في مسرحية «زوان»، وصراع الطبقات الاجتماعية كما في «هاملت اخرج من رأسي»، وغيرها.
حفل الافتتاح الذي شهد عرضا مثيرا للاهتمام بعنوان «النهام» أو «صوت الفن»، يرمز إلى أهمية وجود الفن في الحياة العامة، وصعوبة تجاوزه كحاجة لحركة الشعوب. والعرض من إخراج عبد الخالق الغانم، وبطولة سمير الناصر، وإبراهيم جبر وراشد الورثان، إضافة إلى مجموعة من المسرحيين الشباب، ومشاركة من الفنان الشعبي سعد فرج الفرج في دور النهام.
كذلك، شهد حفل الافتتاح تقديم عرض مسرحي مشارك لجمعية الثقافة والفنون بالرياض بعنوان «حكاية لعبة» مقتبس عن رائعة ويليام شكسبير (هاملت).
من بين العروض، مسرحية «زوان» لفرقة «نورس» المسرحية؛ وهي تتناول موضوعا حساسا للغاية وهو الصراع القبلي، حيث تدور أحداثها ضمن أسطورة شعبية عن عين ماء يطلق عليها «زوان»، يدور حولها صراع بين القبائل التي كانت تعيش حولها. الصراع حول الماء يتطور ليشمل كل شيء، ويستهدف الأرض والمال لمحاولة السيطرة، ويستخدم كل الوسائل، ومنها القتل والخداع.
المسرحية من إخراج ياسر الحسن، الذي جسد أحد الأدوار داخل العمل، الأمر الذي دفع الفنان البحريني عبد الله السعداوي خلال الندوة التطبيقية التي تلت العرض للقول إن اشتراك المخرج في أداء العمل أضاف نوعا من الإرباك عليه.
وضمن العروض، قدمت مسرحية «هاملت اخرج من رأسي» من تأليف المسرحي فهد الحوشاني، وإخراج صبحي يوسف. والعرض يتناول طموح الطبقة الوسطى، حيث يدور حول رغبة ممثلي الكومبارس في لعب دور البطولة. برز خلال هذا العمل الممثل خالد الحربي الذي امتلك زمام المبادرة في الأداء والحركة الجسدية.
كذلك، قدمت فرقة نادي المسرح بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، مسرحية «للعرض بقية» على مسرح «إثراء»، وهي من تأليف وإخراج راشد الورثان، وبطولة حسين العامر وأحمد الشايب ومحمد البركات وأحمد العيسى ومجموعة من الشباب. العرض يتناول عدة قضايا حياتية ويركز على ما وصل إليه البشر في حب الذات وظلمهم الآخر ومحاولة الوصول والاستحواذ على السلطة.
يصدم العرض المشاهدين بمشهد «الجثة» وهي اللوحة الرئيسة في العرض، حيث ينقسم الممثلون بشأن مصيرها: الدفن أو رميها في الخارج. لتثير صرخة عن مصير الإنسان مهما تعالى.
وبعيدا عن المعنى الذي تثيره المسرحية، فقد تباينت الآراء بشأن مستوى الأداء والحركة لهذه الفرقة. ففي الندوة التطبيقية التي أعقبتها وشارك فيها مخرج العمل راشد الورثان والفنان عبد الله السعداوي، رأى الأخير أن مسرحية «للعرض بقية» هي لعبة ورشية أكثر منها عرضا مسرحيا، والإشكالية أن النص سار على منوال واحد.
بينما قال المخرج عبد الهادي القرني، إن هذا العرض ليست فيه شخصية رئيسة، وكان العمل مركزا أكثر حول محور «الجثة» الممددة على المنصة والصراع الفكري والثقافي عليها، وهي بمثابة إشارة إلى ما يفعله الإنسان قبل الموت. في حين قال مخرج العمل راشد الورثان، إن مسرحية «للعرض بقية» كانت بمثابة ورشة في جامعة البترول مع مجموعة من الشباب الذين كانت لهم فرصة من خلال العمل لإبراز طاقاتهم وقدراتهم التمثيلية، والعرض كان مفتوحا دون وضوح للمكان والزمان ولا حتى مساحة.
وضمن فعاليات المهرجان، أقيمت ندوة بعنوان «فن السينوغرافيا في المسرح»، قدمها المسرحي عبد الهادي القرني، وأدارها الفنان ماهر الغانم، حيث أشار القرني إلى أن السينوغرافيا في الوقت الراهن أهم عنصر في العرض المسرحي، عادا السينوغرافيا تطورت عن مفهومها القديم وأصبحت جزءا لا يتجزأ من كمالية العرض المسرحي وإيصال الفكرة إلى المتلقي لتحقيق الهدف من العرض المسرحي.
ورأى أن العشر السنوات المقبلة هي مرحلة السينوغرافيا، إذ سيكون فن السينوغرافيا بديلا للمخرج.
وحدد عناصر فن السينوغرافيا بأنها: الديكور، والإضاءة، وتصميم الملابس، والإكسسوارات، والمكياج، والصوت.. وهذه تتشكل مع بعضها في تكوين الصورة النهائية للعرض المسرحي.
كما تحدث عن ثقافة اللون في المسرح قائلا: «المسرح يهتم في بناء صورة العرض أو المشهد البصري بالخطوط والألوان والكتل والمساحات والفراغ المضاء والخلفية الساندة، فهي تشكل بكليتها وحدة بناء الصورة وخصائص التشكيل في المنظر المسرحي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».