اللبنانيون يتابعون المونديال مجانا.. و«تلفزيون لبنان» يصر على نقله

بعد حرمانهم من مشاهدة مباريات أربع ليال متواليات

اللبنانيون يتابعون المونديال مجانا.. و«تلفزيون لبنان» يصر على نقله
TT

اللبنانيون يتابعون المونديال مجانا.. و«تلفزيون لبنان» يصر على نقله

اللبنانيون يتابعون المونديال مجانا.. و«تلفزيون لبنان» يصر على نقله

بعد معاناة طويلة وحرمان لمدة أربعة أيام، حصل اللبنانيون أخيرا على فرصة متابعة مباريات كأس العالم في كرة القدم مجانا في بيوتهم، بفضل قرار جرى التوصل إليه البارحة، بين كل من وزارة الاتصالات اللبنانية وشركة «سما» الناقل الحصري لقنوات «بي إن» الرياضية لبث المونديال في لبنان. وكان هذا الاتفاق بمثابة الهدية ونافذة الفرج التي أعادت اللبنانيين إلى خريطة العالم الرياضي من جديد.
فبعد حرمان المشاهد اللبناني من متابعة هذا الحدث، بسبب لغط من هنا وتقاعس من هناك، ووعود لم يجر الوفاء بها من جانب ثالث، جرى البارحة حل هذه المشكلة جذريا، إثر إعلان وزير الاتصالات في لبنان بطرس حرب ومن خلال مؤتمر صحافي عقد لهذه الغاية، بأن اتفاقا جرى بين الوزارة وشركة «سما» صاحبة الحق الحصري في بث المونديال في لبنان، يمكن اللبنانيين من متابعة المباريات مجانا. وقال: «هذا حق من حقوق اللبنانيين واستطعنا ولو تأخرنا قليلا أن نؤمنه لهم».
وفي تفاصيل الخبر أن شركتا الاتصالات الخلوية «إم تي سي» و«آلفا» ساهمتا في دفع ثلثي تكاليف عرض المونديال على شاشات اللبنانيين المشتركين في الكابلات اللاسلكية (الدش)، مقابل ثلث المبلغ الذي تحملته شركة «سما» في المقابل.
فحسب ما تردد فإن شركتي الاتصالات الخليويتين دفعتا مبلغ ثلاثة ملايين دولار أميركي من كامل المبلغ الذي دفعته شركة «سما» للحصول على أحقية النقل وهو أربعة ملايين دولار ونصف المليون الدولار. وبما أن الشركة هي الناقل الحصري للحدث كانت قد باعت بطاقات لشرائح إلكترونية تسمح لمشتريها بمشاهدة المونديال عبر ربطها بجهاز (الريسيفر) الذي يملكه، وذلك بنحو المليون ونصف المليون دولار لزبائنها، قبل بدء المونديال، فإنها بذلك لم تتحمل أي خسارة تذكر.
وأكد حسن زين، مدير الشركة المذكورة أنهم قاموا بتحمل هذه الخسارة كرما لعيون اللبنانيين، التي تعبت من البحث عن مشاهدة المباريات هنا وهناك، بدلا من متابعتها كغيرهم من الناس في منازلهم وعبر شاشة التلفزيون. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هي هدية قدمناها للشعب اللبناني والمطلوب مكافحة القرصنة في المقابل». وعندما استوضحناه عن معنى ذلك أجاب: «لقد أعلن رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان طلال المقدسي عن نيته عرض المونديال على شاشته وهذا أمر غير مسموح به، ويدخل في خانة القرصنة كون الاتفاق الذي جرى بيننا وبين وزارة الاتصالات يصب في مصلحة أصحاب الكابلات فقط».
وكان المقدسي قد حضر المؤتمر الصحافي الذي عقد لهذه الغاية البارحة وقطع حديث مدير شركة «سما» معلنا أنه سيعرض المباراة على شاشة «تلفزيون لبنان» الرسمي ولو كلفه ذلك استقالته كون هناك لبنانيون يسكنون مناطق نائية لا إمدادات للكابلات فيها. فتمنى عليه الوزير بطرس حرب بالتقيد بما ينص عليه الاتفاق فقط.
وكان اللبنانيون قد ارتفعت أصواتهم احتجاجا على تقاعس رجال الدولة في لبنان من إيجاد حل لهذه المعضلة، والتي حرمتهم من متابعة 11 مباراة منها في بيوتهم بعدما ذهب وعد تلفزيون لبنان لهم ببثها سدى. وكان الاتفاق الشفوي الذي حصل على مستوى رفيع ما بين القائمين على تلفزيون لبنان ودولة قطر صاحبة قناة الجزيرة الرياضية قد باء بالفشل.
خلال قيام وزارة الاتصالات بمحادثتها مع شركة «سما» حول هذا الموضوع والتي دامت نحو الأسبوع، كان اللبناني يبحث عن الحلول الأقل كلفة المتبقية له في هذا الإطار لمتابعة مباريات المونديال، ليكتشفوا أيضا أنها ليست الطريقة المثالية بسبب التقطيع في الإرسال.
مع بدء المونديال، وقبل الوصول إلى اتفاق، كان بعض أصحاب الكابلات في منطقة الضاحية والمنصورية وضبية وجونية، قد تجاهلوا قرار شركة «سما»، بمنع بث مباراة المونديال عبر الكابلات تحت طائلة المسؤولية، وتركت العنان للأقمار الصناعية لنقل المباريات عبر قناة «TF1» الفرنسية. فيما راح آخرون يتابعونها عبر جهاز «الريسيفر» الذي يملكونه من خلال قنوات أخرى التقطوها بالصدفة كتركيا وإيطاليا.
فلجأت شركة «سما» على الأثر، إلى القضاء حيث صدر قرار بتغريم كل مخالف بدفع مبلغ 25 مليون ليرة، مما اضطر أصحاب الكابلات إلى قطع إرسال القناة الفرنسية في أوقات المباريات، فما كان من اللبنانيين إلا أن لجأوا إلى الإنترنت لمتابعة المونديال من خلال مواقع إلكترونية عمموها فيما بينهم والتي جرى ذكرها أيضا على بعض المحطات التلفزيونية في نشراتها الإخبارية، مثل «لايف فوتي وشانيل سيرفينغ وفوتبول4 لاس». وتسمر اللبنانيون أمام شاشات أجهزة الحواسب الآلية لمتابعة المباريات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».