النظام يتجاهل الهدنة بدفع إيراني ويبدأ هجوماً على الغوطة

«جيش الإسلام» يتهم روسيا بإفراغ القرار الأممي من مضمونه

سوري يستكشف الدمار الذي خلفه قصف الطيران العنيف في الغوطة الشرقية (رويترز)
سوري يستكشف الدمار الذي خلفه قصف الطيران العنيف في الغوطة الشرقية (رويترز)
TT

النظام يتجاهل الهدنة بدفع إيراني ويبدأ هجوماً على الغوطة

سوري يستكشف الدمار الذي خلفه قصف الطيران العنيف في الغوطة الشرقية (رويترز)
سوري يستكشف الدمار الذي خلفه قصف الطيران العنيف في الغوطة الشرقية (رويترز)

عكس الهجوم العسكري الذي بدأته قوات النظام السوري في الغوطة الشرقية لدمشق صبيحة هدنة أقرها مجلس الأمن في غوطة دمشق، تجاهلا إيرانيا للقرار الأممي، فيما اتهمت المعارضة السورية روسيا بتغطية المعركة في شرق الغوطة، وإفراغ القرار الأممي من مضمونه.
وأكدت إيران أمس الأحد أن الهجوم على المجموعات «الإرهابية» سيستمر في الغوطة الشرقية المحاصرة. وقال رئيس أركان الجيش الجنرال محمد باقري في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية: «كما يفيد (القرار)، فإن مناطق في ضاحية دمشق في أيدي (المجموعات) الإرهابية، ليست معنية بوقف إطلاق النار، وستستمر الهجمات وعملية التنظيف التي يقوم بها الجيش السوري». وأضاف: «يجب تطهير الأراضي السورية من المجموعات الإرهابية في الأشهر المقبلة ليتمكن الشعب السوري من العيش بهدوء».
ويتذرع النظام السوري وحلفاؤه بمجموعات من «جبهة النصرة» موجودة في الغوطة الشرقية لشن عمليات عليها. وعلق مصدر مدني معارض في الغوطة لـ«الشرق الأوسط» ردا على هذا الاتهام، بقوله، إن «اتفاقاً عقد في السابق لإخراج مقاتلي (جبهة النصرة) باتجاه إدلب، إلا أن النظام لم ينفذ الصفقة»، متهماً إياه بأنه «يريد هؤلاء المقاتلين المتشددين في المنطقة ليكونوا ذريعة لاستهدافنا». وقال المصدر إن المقاتلين المتشددين «لا يمثلون أي وزن عسكري في الغوطة الآن، بعد حملات عسكرية وأمنية قام بها جيش الإسلام (أبرز الفصائل المقاتلة في الغوطة) خلال الأشهر الماضية، سيطر فيها على مقراتهم». وأشار إلى أن المقاتلين المتطرفين «لم يعد لهم أي ثقل عسكري، وباتوا أفرادا ومجموعات صغيرة، ولا يتخطى عددهم الـ400 مقاتل في أقصى التقديرات».
وبدا من تصريح باقري أن طهران تقود حملة لمنع تطبيق اتفاق الهدنة في الغوطة، وانعكس ذلك على هجوم عسكري أطلقه النظام من شرق دمشق باتجاه المرج والنشابية، بينما تقول المعارضة إن روسيا تمنح الغطاء للمعركة. وقال المسؤول السياسي لـ«جيش الإسلام» محمد علوش إن «النظام لن يلتزم بقرار أممي جرى تجويفه من الداخل»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن روسيا «واظبت على التأخير بإقراره وإدخال تعديلات عليه حتى بات القرار ضعيفاً، ولا يتضمن آليات تطبيق ومراقبة»، متسائلاً: «كيف يمكن تسجيل الخروقات؟ ولمن نرسلها؟».
وعما إذا كانت روسيا تدفع باتجاه المعركة في الغوطة، قال علوش: «روسيا هي أول من خرق الاتفاق لأنها أرسلت طائرات من حميميم وقصفت الشيخونية»، لافتاً إلى أن «الطائرات التي تقلع من مطاري الضمير والسين هي طائرات تعمل بإمرة روسيا»، مضيفاً أن الضابط الذي يقود الهجوم سهيل الحسن «يدين بالولاء لروسيا ويتلقى أوامره من وزارة الدفاع الروسية».
وقال علوش: «منذ إقرار اتفاق الهدنة، أعلنا موافقتنا عليه، رغم عدم رضانا عن صياغته وعن نقاط عدلتها روسيا بالقرار، لكننا وافقنا حقناً لدماء الشعب»، مشدداً على أنه «لا مشكلة بالنسبة إلينا بالالتزام به شرط التزام الطرف الآخر به».
وعن الهجوم الذي أطلقه النظام، قال علوش إن اليوم الأول «أثبت تحطم أسطورة النمر (وهو لقب قائد الهجوم العميد سهيل الحسن)»، موضحاً: «رغم مشاركة ضباط من الفرقة الرابعة وآخرين تابعين لماهر الأسد (شقيق رئيس النظام السوري)، إلا أنهم فهموا أن معركة الغوطة ليست نزهة». وتابع بقوله: «هم قادرون على قتل الأطفال بالقصف، لكنهم عاجزون عن الدخول إلى المنطقة المحاصرة، بدليل مقتل 70 من القوات المهاجمة ووقوع 10 مقاتلين أسرى بأيدي أبطال جيش الإسلام، وتدمير 3 دبابات وعربات مدرعة»، لافتاً إلى أن «إخواننا في الفصائل الأخرى على الجبهات يصدون أيضا الهجمات ويدافعون عن الغوطة». وأشار إلى «إننا أطلقنا نداء بالترحيب بكل من سينشق من قوات النمر الساعية للدخول إلى الغوطة، لأننا نعرف أن كثيرين منهم مجبرون على القتال بالمعركة وهم لا يريدون المواجهة»، مجدداً ترحيبه «بمن يرغب في الاستسلام والقتال في صفوفنا».
واندلعت اشتباكات عنيفة صباح الأحد بين قوات النظام السوري والفصائل المعارضة على أطراف الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، ما أدى إلى مقتل 19 مقاتلاً من الجانبين، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقال إن المواجهات «تتركز عند خطوط التماس في منطقة المرج التي يتقاسمان السيطرة عليها»، لافتاً إلى مقتل «13 عنصراً من قوات النظام وحلفائها مقابل ستة مقاتلين من جيش الإسلام» أكبر فصائل الغوطة الشرقية. وبحسب المرصد: «تأتي هذه الاشتباكات الميدانية وهي الأعنف منذ مطلع الشهر الحالي بعد تراجع وتيرة الغارات في الساعات الأخيرة، مقارنة مع ما كان الوضع عليه في الأيام الأخيرة».
وتحاول قوات النظام بحسب المرصد «التقدم للسيطرة على كامل منطقة المرج التي يسيطر جيش الإسلام على عدد من القرى والبلدات فيها».
وأوقع القصف الجوي والمدفعي الأحد على الغوطة الشرقية المحاصرة، سبعة مدنيين وفق المرصد السوري بينهم أم مع طفليها، ما يرفع حصيلة القتلى منذ الأحد الماضي إلى 527 مدنياً بينهم 129 طفلاً حسب المرصد.
وقالت مصادر إعلامية من الغوطة الشرقية لشبكة «عنب بلدي»، إن قوات النظام «بدأت الهجوم صباح الأحد على جبهتي النشابية والزريقة الخاضعة لسيطرة فصيل جيش الإسلام». وأضافت أن قصفاً جوياً ومدفعياً رافق الهجوم على كل من مدينتي دوما وحرستا وبلدتي كفربطنا وحزرما والنشابية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.