«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

شباب «الإخوان» هدف لدعوات الظواهري والبغدادي «المتطرفة»

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)

ما بين دعوة أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي لشباب الأحزاب الإسلامية في مصر بالتخلي عن السلمية، ومبايعة نجل أحد قيادات جماعة «الإخوان» لـ«داعش»
وبث فيديو مصور يوثق ذلك، بات هناك توافق نادر بين التنظيمين على تسليح العمل الحزبي والتنافس للفوز بشباب الأحزاب الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
خبراء في الحركات المتطرفة بمصر أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يسعيان الآن لضخ دماء جديدة، حيث يتصور كل من التنظيمين أن جماعة «الإخوان» ما زال لديها قواعد لضخ شباب جدد. وقال الخبراء إن «حالة المتطرفين تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات»، لكن توجه «القاعدة» و«داعش» لشباب الأحزاب الإسلامية يشير إلى هزائم داخل التنظيمين، بعد انسحاب أعداد كبيرة منهما.
لقد حاول أيمن الظواهري في كلمة مسجلة بعنوان: «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، استمالة شباب «الإخوان» والأحزاب الأصولية لتشجيعهم على الانضمام إلى التنظيم المتطرف والتظاهر والتخلي عن السلمية. ودعا الجميع إلى «بداية جديدة تتخلص من أخطاء الماضي، وإقامة حكم إسلامي يحكم بالشريعة»، على حد تعبيره.
وسبق هذه الكلمة فيديو مصور بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة»، هاجم فيه كل من شارك في العملية السياسية بمصر وشن هجوماً على الأحزاب الإسلامية، لكنه داعب شباب «الإخوان» ونشر مقطعا يُظهر انضمام عمر ابن القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إلى التنظيم. وظهر عمر، الذي ادعى أعضاء بجماعة «الإخوان» المعتبرة في مصر تنظيماً إرهابياً اختفاءه قسراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو يرتدي زياً مموهاً يشبه زى الجنود ويبايع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش المزعوم، واعترف في التسجيل بأنه يقوم بتنفيذ عمليات ضد القوات المسلحة.
من جهته، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، إن «حالة التشدد تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات، بدءاً من (الإخوان) وعدم إيمانهم بتداول السلطة. وكان يحركهم خطاب مراوغ، وكان هناك شكل لتوزيع الأدوار، ونجحت الجماعة في الوصول إلى حكم مصر عام 2012، وحصلت على 70 في المائة من مقاعد الإسلاميين في البرلمان، وكُنا أمام توافق نادر بين تيار الإسلام السياسي والجماعة و(المتطرفين)، وتمثل ذلك في (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وكان هذا الكيان كاشفا لطبيعة العلاقة بين أطرافه» وأضاف: «لكن بدأت حالة من التصادم، والهجرة العكسية، وخروج مجموعات من (القاعدة) لـ(داعش) أو (الإخوان) والعكس»، لافتاً إلى أن «(القاعدة) و(داعش) يسعيان الآن لضخ دماء جديد، حيث يتصور كل من التنظيمين أن (الإخوان) ما زال لديها قواعد لضخ الشباب… وهما لا يدركان أن (الإخوان) لم تعد بناء قوياً؛ لا تنظيمياً ولا فكرياً، حتى لو نجحت (الجماعة) في ضم عناصر جديدة».
وأكد بأن قد توجد شراذم قليلة قد تنضم لـ«القاعدة» أو «داعش» من عناصر «الإخوان» التي تتوجه للعنف، مثل أعضاء حركتي «حسم» و«لواء الثورة»، اللتين نجحت السلطات المصرية في توجيه كثير من الضربات لهما. وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم داعش إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينته إلى سفينة (القاعدة)، وهناك مساع لنقل العناصر الإرهابية إلى ليبيا ومن آسيا إلى أفريقيا».
وقال أحمد بان، إن من طبيعة التيارات والجماعات المتشددة أن يحدث تشظٍ وخلافات وصراعات داخلية فيها تحت لافتات التكفير المتبادل، فـ«داعش» كان تطوراً طبيعياً لـ«القاعدة»، وحاول التهامه في مرحلة من المراحل، و«داعش» بدأت فكرة التكفير داخله بين «الحازمين».
من جهته، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إن «الرسالة الأخيرة للظواهري ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل، خصوصا بعد الضربات التي تلقاها من تنظيم داعش. ورسائل التنظيمين لشباب الأحزاب الإسلامية تشير إلى هزائم داخلية بعد انسحاب أعداد كبيرة من (القاعدة) لـ(داعش)»، لافتاً إلى أن الضربات التي تلقاها «داعش» في سوريا والعراق وفي مصر خلال العملية الشاملة «سيناء 2018» جعلت «القاعدة» يحاول أن يغنم الإرث الداعشي والإخواني، خصوصا أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري تحدث فيه عن فشل (الإخوان) وانهيار مشروعهم رغم أنه يعد (الإخوان) كبرى الجماعات».
وشن الظواهري في يناير (كانون الثاني) الماضي هجوماً شديداً على حزب «الحرية والعدالة» المنحل، ذراع جماعة «الإخوان» في مصر، واتهمه بأنه سبب فشل الحكم الإسلامي، كما شبه «الإخوان» في أغسطس (آب) عام 2016 بـ«حظيرة الدواجن التي تربي الدجاج لتسعد فقط بما يقدم لها؛ لكنها تتركها غافلة عما يحيط بها من أخطار محدقة».
وأضاف عبد المنعم أنه «بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به فصائل (القاعدة) في (الواحات) الغربية بمصر، أصبح أمام التنظيم الإرهابي توجيه الدعوة إلى شباب حزبي (النور)، و(البناء والتنمية) ذراع (الجماعة الإسلامية)، خصوصا مع دعوات مصرية تطالب بحل الحزبين، فضلاً عن مداعبة باقي شباب الأحزاب السياسية المحب للديمقراطية».
برز تنظيم «القاعدة» خصوصاً في الصحراء الغربية، حيث كشفت أجهزة الأمن المصرية أواخر العام الماضي أخطر خلاياه المُسلحة وهي جماعة «أنصار الإسلام» أو «المرابطون». واتضح أنها تتبع «القاعدة» ويقودها ضابط مفصول هو هشام عشماوي… فضلاً عن ظهور تنظيمات في شمال سيناء أواخر العام الماضي أيضاً تتبع «القاعدة» مثل جماعة «جند الإسلام» التي تبنت أفكارها، وكانت تنشط في سيناء قبل 4 أعوام، وتوعدت تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» مؤخرا في سيناء… كما كشف عبد الرحيم محمد عبد الله المسماري، الإرهابي الليبي المتورط في هجوم «الواحات» في أكتوبر الماضي، أنه ورفاقه في المجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها والتي تم ضبطها أخيراً «يعتنقون فكر (القاعدة)». وسبق أن أثنى الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في شريط فيديو بعنوان «العملاق الذي لم ينحنِ» على الدكتور عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي توفي داخل محبسه الذي قضي فيه 24 عاماً بالولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2017، في محاولة وصفها خبراء الحركات الإسلامية بأنها مغازلة لشباب الجماعة للانضمام للتنظيم.
لكن عمرو عبد المنعم حذر من الدعوات التي تطالب بحل الأحزاب الإسلامية بمصر، لأن «حلها خطر، ولأن شبابها سوف يشعرون بفشل المشروع وينتقلون بعد ذلك إلى مربع العنف من جديد... وهذا المضمون هو ما يدعو إليه الظواهري»، موضحا «أننا أمام دعوة صريحة بعد فشل الأحزاب الإسلامية، سوف تؤدي لنزوح الباقين لـ(القاعدة)».
وتساءل عبد المنعم: «لماذا ينصت تيار (الجهاد) لما يطرحه الظواهري؟ ألا يُعد ذلك رجوعاً عن العقد الاجتماعي الذي عقده تيار الإسلام السياسي مع الدولة المصرية عبر 20 عاماً ويزيد من وقف العنف؟». ويلفت إلى أن دعوات الظواهري لشباب الأحزاب السياسية وجدت طريقها في الأحزاب السياسية وأثمرت، «بدليل انضمام قيادات من (الجماعة الإسلامية) لـ(القاعدة)، فضلاً عن أن هناك انسحابات من شباب من جماعة (الإخوان)، وانضموا لـ(داعش) مثل عمر إبراهيم الديب».
ويقول عبد المنعم إن «انسحابات شباب (الإخوان) مؤشر على وجود عناصر أخرى لديها قابلية للمزاوجة بين (الجماعة) و(داعش)... لديهم فكر (الإخوان) ويريدون السير على خطى (داعش) في العنف، خصوصا أن شباب (الجماعة) الآن غير راضين عن الأوضاع في مصر بدرجة كبيرة، ويتم شحنهم إلى درجة كبيرة من وسائل الإعلام التابعة لـ(الجماعة)، والظواهري سعى أيضاً إلى استغلال تلك الحالة»، مؤكداً أن «(داعش) و(القاعدة) لديهما اتفاق ضمني على تسليح العمل الحزبي».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، أن «داعش» و«القاعدة» يحاولان إثبات وجودهما «في ظل الفشل الكبير الذي تعرض له (داعش) على يد قوات الجيش والشرطة في سيناء، و(القاعدة) في الصحراء الغربية»، لافتاً إلى أن «التنظيمين يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وليبيا ومصر أخيراً».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».