«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

شباب «الإخوان» هدف لدعوات الظواهري والبغدادي «المتطرفة»

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)

ما بين دعوة أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي لشباب الأحزاب الإسلامية في مصر بالتخلي عن السلمية، ومبايعة نجل أحد قيادات جماعة «الإخوان» لـ«داعش»
وبث فيديو مصور يوثق ذلك، بات هناك توافق نادر بين التنظيمين على تسليح العمل الحزبي والتنافس للفوز بشباب الأحزاب الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
خبراء في الحركات المتطرفة بمصر أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يسعيان الآن لضخ دماء جديدة، حيث يتصور كل من التنظيمين أن جماعة «الإخوان» ما زال لديها قواعد لضخ شباب جدد. وقال الخبراء إن «حالة المتطرفين تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات»، لكن توجه «القاعدة» و«داعش» لشباب الأحزاب الإسلامية يشير إلى هزائم داخل التنظيمين، بعد انسحاب أعداد كبيرة منهما.
لقد حاول أيمن الظواهري في كلمة مسجلة بعنوان: «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، استمالة شباب «الإخوان» والأحزاب الأصولية لتشجيعهم على الانضمام إلى التنظيم المتطرف والتظاهر والتخلي عن السلمية. ودعا الجميع إلى «بداية جديدة تتخلص من أخطاء الماضي، وإقامة حكم إسلامي يحكم بالشريعة»، على حد تعبيره.
وسبق هذه الكلمة فيديو مصور بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة»، هاجم فيه كل من شارك في العملية السياسية بمصر وشن هجوماً على الأحزاب الإسلامية، لكنه داعب شباب «الإخوان» ونشر مقطعا يُظهر انضمام عمر ابن القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إلى التنظيم. وظهر عمر، الذي ادعى أعضاء بجماعة «الإخوان» المعتبرة في مصر تنظيماً إرهابياً اختفاءه قسراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو يرتدي زياً مموهاً يشبه زى الجنود ويبايع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش المزعوم، واعترف في التسجيل بأنه يقوم بتنفيذ عمليات ضد القوات المسلحة.
من جهته، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، إن «حالة التشدد تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات، بدءاً من (الإخوان) وعدم إيمانهم بتداول السلطة. وكان يحركهم خطاب مراوغ، وكان هناك شكل لتوزيع الأدوار، ونجحت الجماعة في الوصول إلى حكم مصر عام 2012، وحصلت على 70 في المائة من مقاعد الإسلاميين في البرلمان، وكُنا أمام توافق نادر بين تيار الإسلام السياسي والجماعة و(المتطرفين)، وتمثل ذلك في (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وكان هذا الكيان كاشفا لطبيعة العلاقة بين أطرافه» وأضاف: «لكن بدأت حالة من التصادم، والهجرة العكسية، وخروج مجموعات من (القاعدة) لـ(داعش) أو (الإخوان) والعكس»، لافتاً إلى أن «(القاعدة) و(داعش) يسعيان الآن لضخ دماء جديد، حيث يتصور كل من التنظيمين أن (الإخوان) ما زال لديها قواعد لضخ الشباب… وهما لا يدركان أن (الإخوان) لم تعد بناء قوياً؛ لا تنظيمياً ولا فكرياً، حتى لو نجحت (الجماعة) في ضم عناصر جديدة».
وأكد بأن قد توجد شراذم قليلة قد تنضم لـ«القاعدة» أو «داعش» من عناصر «الإخوان» التي تتوجه للعنف، مثل أعضاء حركتي «حسم» و«لواء الثورة»، اللتين نجحت السلطات المصرية في توجيه كثير من الضربات لهما. وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم داعش إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينته إلى سفينة (القاعدة)، وهناك مساع لنقل العناصر الإرهابية إلى ليبيا ومن آسيا إلى أفريقيا».
وقال أحمد بان، إن من طبيعة التيارات والجماعات المتشددة أن يحدث تشظٍ وخلافات وصراعات داخلية فيها تحت لافتات التكفير المتبادل، فـ«داعش» كان تطوراً طبيعياً لـ«القاعدة»، وحاول التهامه في مرحلة من المراحل، و«داعش» بدأت فكرة التكفير داخله بين «الحازمين».
من جهته، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إن «الرسالة الأخيرة للظواهري ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل، خصوصا بعد الضربات التي تلقاها من تنظيم داعش. ورسائل التنظيمين لشباب الأحزاب الإسلامية تشير إلى هزائم داخلية بعد انسحاب أعداد كبيرة من (القاعدة) لـ(داعش)»، لافتاً إلى أن الضربات التي تلقاها «داعش» في سوريا والعراق وفي مصر خلال العملية الشاملة «سيناء 2018» جعلت «القاعدة» يحاول أن يغنم الإرث الداعشي والإخواني، خصوصا أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري تحدث فيه عن فشل (الإخوان) وانهيار مشروعهم رغم أنه يعد (الإخوان) كبرى الجماعات».
وشن الظواهري في يناير (كانون الثاني) الماضي هجوماً شديداً على حزب «الحرية والعدالة» المنحل، ذراع جماعة «الإخوان» في مصر، واتهمه بأنه سبب فشل الحكم الإسلامي، كما شبه «الإخوان» في أغسطس (آب) عام 2016 بـ«حظيرة الدواجن التي تربي الدجاج لتسعد فقط بما يقدم لها؛ لكنها تتركها غافلة عما يحيط بها من أخطار محدقة».
وأضاف عبد المنعم أنه «بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به فصائل (القاعدة) في (الواحات) الغربية بمصر، أصبح أمام التنظيم الإرهابي توجيه الدعوة إلى شباب حزبي (النور)، و(البناء والتنمية) ذراع (الجماعة الإسلامية)، خصوصا مع دعوات مصرية تطالب بحل الحزبين، فضلاً عن مداعبة باقي شباب الأحزاب السياسية المحب للديمقراطية».
برز تنظيم «القاعدة» خصوصاً في الصحراء الغربية، حيث كشفت أجهزة الأمن المصرية أواخر العام الماضي أخطر خلاياه المُسلحة وهي جماعة «أنصار الإسلام» أو «المرابطون». واتضح أنها تتبع «القاعدة» ويقودها ضابط مفصول هو هشام عشماوي… فضلاً عن ظهور تنظيمات في شمال سيناء أواخر العام الماضي أيضاً تتبع «القاعدة» مثل جماعة «جند الإسلام» التي تبنت أفكارها، وكانت تنشط في سيناء قبل 4 أعوام، وتوعدت تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» مؤخرا في سيناء… كما كشف عبد الرحيم محمد عبد الله المسماري، الإرهابي الليبي المتورط في هجوم «الواحات» في أكتوبر الماضي، أنه ورفاقه في المجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها والتي تم ضبطها أخيراً «يعتنقون فكر (القاعدة)». وسبق أن أثنى الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في شريط فيديو بعنوان «العملاق الذي لم ينحنِ» على الدكتور عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي توفي داخل محبسه الذي قضي فيه 24 عاماً بالولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2017، في محاولة وصفها خبراء الحركات الإسلامية بأنها مغازلة لشباب الجماعة للانضمام للتنظيم.
لكن عمرو عبد المنعم حذر من الدعوات التي تطالب بحل الأحزاب الإسلامية بمصر، لأن «حلها خطر، ولأن شبابها سوف يشعرون بفشل المشروع وينتقلون بعد ذلك إلى مربع العنف من جديد... وهذا المضمون هو ما يدعو إليه الظواهري»، موضحا «أننا أمام دعوة صريحة بعد فشل الأحزاب الإسلامية، سوف تؤدي لنزوح الباقين لـ(القاعدة)».
وتساءل عبد المنعم: «لماذا ينصت تيار (الجهاد) لما يطرحه الظواهري؟ ألا يُعد ذلك رجوعاً عن العقد الاجتماعي الذي عقده تيار الإسلام السياسي مع الدولة المصرية عبر 20 عاماً ويزيد من وقف العنف؟». ويلفت إلى أن دعوات الظواهري لشباب الأحزاب السياسية وجدت طريقها في الأحزاب السياسية وأثمرت، «بدليل انضمام قيادات من (الجماعة الإسلامية) لـ(القاعدة)، فضلاً عن أن هناك انسحابات من شباب من جماعة (الإخوان)، وانضموا لـ(داعش) مثل عمر إبراهيم الديب».
ويقول عبد المنعم إن «انسحابات شباب (الإخوان) مؤشر على وجود عناصر أخرى لديها قابلية للمزاوجة بين (الجماعة) و(داعش)... لديهم فكر (الإخوان) ويريدون السير على خطى (داعش) في العنف، خصوصا أن شباب (الجماعة) الآن غير راضين عن الأوضاع في مصر بدرجة كبيرة، ويتم شحنهم إلى درجة كبيرة من وسائل الإعلام التابعة لـ(الجماعة)، والظواهري سعى أيضاً إلى استغلال تلك الحالة»، مؤكداً أن «(داعش) و(القاعدة) لديهما اتفاق ضمني على تسليح العمل الحزبي».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، أن «داعش» و«القاعدة» يحاولان إثبات وجودهما «في ظل الفشل الكبير الذي تعرض له (داعش) على يد قوات الجيش والشرطة في سيناء، و(القاعدة) في الصحراء الغربية»، لافتاً إلى أن «التنظيمين يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وليبيا ومصر أخيراً».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.