رحلة سمعية وبصرية في أعماق أطفال نازحين وفنانين لبنانيين يتبادلون ذكريات الحرب، كلّ على طريقته، سيعيشها زائر معرض «حنين» في متحف «بيت بيروت» بمنطقة الأشرفية في العاصمة اللبنانية. هذا المعرض الذي يفتح أبوابه حتى 4 مارس (آذار) المقبل، هو نتاج تعاون ما بين منظمة «يونيسيف» وجمعية «بيوند» وفريق «يلو ستوديو». يتضمن 39 قصيدة وقصة كتبها أطفال سوريون يعيشون في تجمّعات النازحين في لبنان، وتولّى ترجمتها بألوان الرّسوم والنّحت والحفر والنوتات الموسيقية 47 فناناً لبنانياً وسورياً، اختبروا الحرب، فصوّروا آثارها عليهم من خوف ونزوح وخسارة ونضال وصدمة وأمل بريشتهم وأناملهم.
«هو معرض مؤثر لا يمكن إلّا أن يترك لدى مشاهده عبرة إنسانية لكونه يمثل أسلوبا للفضفضة وإخراجا للمعاناة من العتمة إلى الضوء». تقول سها بساط البستاني المستشارة الإعلامية في منظمة اليونيسيف والمسؤولة عن المعرض خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط».
أجواء الطفولة الرقيقة والصلبة تطالعك منذ اللحظة الأولى لدخولك «حنين»، من خلال منحوتات من الطين الأبيض، تتوزع هنا وهناك لتذكرك بأنّك في حضرة جمهور من نوع آخر، يتطلع بعيونه الواسعة إلى غد أفضل. وقد وقعها لهذه المظاهرة الثقافية النحاتان اللبنانيان غولان طوروسيان ودير بوغوسيان. وتنتقل إلى الطابق الثالث من «بيت بيروت» لتستقبلك مجموعة أخرى من أطفال الطين الذين تقابلهم لوحات مرسومة تحت عناوين مختلفة: «لعبة الهروب من الموت» و«شتاء الشفاء» و«ذكريات» و«بيت وخيمة» و«قصتي مع الغربة» و«أمنية» و«عائدون» و«الأرقام» وغيرها من الأسماء التي يحكي من خلالها الأطفال النازحون ما يخالجهم من مشاعر وأحاسيس كانت مدفونة في صدورهم، إلى حين تلمسهم هذه الفرصة التي دفعتهم للإفراج عنها والتحرر منها. «عندما كنت أقوم بجولاتي على مخيمات النازحين في لبنان، تعرّفت من خلال نادي الصحافة الذي استحدثته جمعية (بيوند) (مدعومة من قبل منظمة اليونيسيف)، إلى تلك الأعمال التي كانت بمثابة نوع من العلاج النفسي اتبعته الجمعية في عملها معهم. وعندما قرأوا لي بعض تلك القصائد والأشعار تفاجأت بإمكانياتهم وبقدراتهم على التعبير، على الرغم من أنّ بين هؤلاء الأطفال (تتراوح أعمارهم ما بين 10 و16 عاما)، من لم يدخل المدرسة يوما. وبعد عملية اختيار صعبة لتلك النصوص إذ كانت بمجملها رائعة، قرّرنا أن نقيم هذا المعرض الذي نتطلع إلى التجول به في بلدان أجنبية أيضا في المستقبل القريب، لنقل معاناة هؤلاء الأطفال إلى أكبر عدد من الناس».
وعلى وقع موسيقى هادئة شارك في تأليفها فنانون أمثال يمنى سابا وفادي طبال وأنطوني صهيون وساري موسى وشريف صحناوي وعبد قبيسي وغيرهم، تبدأ رحلتك كشاهد على ذاكرة أطفال وصفوا حبّهم وشوقهم لبلدهم سوريا بعبارات مؤثرة كالتي دوّنها الطفل سليمان نوري علي ويقول فيها: «أذكرك سوريا والعبارات تمحو سطوري أحلم أن أراك... أشمّ ترابك... مشتاق أنا لطفولتي». وأخرى لحسين الإبراهيم يتساءل فيها بغضب: «ماذا لو كنت مكاني عندما فارقت رفاقي؟ عندما هجّرت من بيتي؟ عندما حرمت من التعليم وعندما عشت الغربة وعندما... وعندما». فيما ترك أطفال آخرون العنان لمشاعر اجتاحتهم بفعل البرد والشتاء وفقدانهم السقف الدافئ والوالد الحنون وكذلك الخصوصية في حياتهم التي باتت غير مخفية على أحد. وتكتب الطفلة زهور حيدر (10 سنوات): «أشياء كثيرة لا نعرفها ولم نسمع بها. وأشياء كثيرة باتت علنية وخصوصيتي على أحد ليست مخفية». وفي منحوتة للفنانة جويل أشقر، تترجم فيها قصة الطفلة النازحة وعد المحمد، بعنوان «سندويشة البندورة وقبلة أمي» وتناجي فيها والدتها الراحلة مفتقدة قبلتها الصباحية الحنونة وسندويشة البندورة الذي لم تستطع من بعدها أنامل أي امرأة أخرى أن تصنعها لها. وقد ترجمت هذه الصورة الفنانة أشقر بحجر ينطق بالحب والعطف يحنو على طفلة في أحضان والدتها.
وفي لوحة معبرة بالأبيض والأسود للرسام السوري فارس كاشو تلفحك موجة برد قارسة تطالعك بها عيون خيم ساكتة، تلف بسوادها جسد فتاة رقيق وأبيض من شدّة الصّقيع مترجمة قصة فاطمة التامر الطفلة النازحة من إدلب.
كما تلفتك لوحة الرسام بسام الإمام الرقمية التي تصوّر نظرات طفل خائف من الموت، يحمل على وجهه خيال منزل يحترق بفعل الحرب. فتصف بملامحها النافرة صرخة الطفل فادي الأحمد «أنقذوا ما تبقى من أطفال سوريا». وفي لوحات أخرى تطالعك رائحة الياسمين مع رسمة للفنانة التشكيلية عايدة قواص ووقع القدود الحلبية لفرقة غنائية يعتمر أفرادها الطربوش. وقد صورها عبد الله حاطوم بفن «بار ريلييف»، مترجماً حنين الطّفل أحمد اليوسف المحمد إلى مدينته حلب. فيما تأخذك لوحة «إيلان والبحر» للفنان عامر مغربي، إلى أعماق بحر ابتلع الطفل إيلان أثناء هروبه وأهله من تركيا إلى أوروبا في قصة يرويها الطفل علا محمد معاتبا موج البحر على قسوته.
معرض «حنين» الذي يحمل في طياته قيمة إنسانية بعيداً كل البعد عن الناحية التجارية، يتضمن أيضاً بطاقات بريدية (كارت بوستال)، تصوّر لوحات الفنانين الـ47 المشاركة فيه، وكذلك كتاب «حنين» الذي تحكي صفحاته عن تفاصيل هذا المعرض الذي استغرق أكثر من سنتين لإنجازه. ولعل الوقع الإيجابي الأكبر للمعرض تلقفه الأطفال أنفسهم الذين توزعوا في أرجائه غير مصدقين بأنّهم نجومه. «لقد وقفوا متفاجئين غير مستوعبين ضخامة العمل الذي أنجزوه فبدوا في غاية السعادة مغمورين بالآمال» تختم سها بساط البستاني حديثها واصفة ردّ فعل الأطفال الـ39 الذين كانوا ضيوف المعرض في مناسبة افتتاحه.
7:57 دقيقة
«حنين» معرض لرسومات تترجم مشاعر أطفال سوريا المجروحة
https://aawsat.com/home/article/1186031/%C2%AB%D8%AD%D9%86%D9%8A%D9%86%C2%BB-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A9
«حنين» معرض لرسومات تترجم مشاعر أطفال سوريا المجروحة
يحكي بلغتهم البريئة قصصاً وقصائد عن حرب قاسية
«حنين» معرض لرسومات تترجم مشاعر أطفال سوريا المجروحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة