الاتحاد الأوروبي يطالب برفع حصص الأعضاء للتعويض عن خروج بريطانيا

TT

الاتحاد الأوروبي يطالب برفع حصص الأعضاء للتعويض عن خروج بريطانيا

تصدر ملف مستقبل المؤسسات الأوروبية عقب خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي أجندة نقاشات قمة التكتل الأوروبي أمس في بروكسل، وقال رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني أمس على هامش القمة التي استغرقت يوما واحدا إن البرلمان اقترح على الدول رفع مستوى مساهماتها من 1 إلى 1.3 في المائة من مجمل ناتجها المحلي، بالإضافة إلى فرض ضرائب على قطاع الشركات الرقمية العاملة في أوروبا، وذلك لتعويض خسارة المساهمة البريطانية في الموازنة الأوروبية.
وناقشت القمة ميزانية الاتحاد الأوروبي للأعوام المقبلة، وظروف مغادرة المملكة المتحدة للتكتل وما يترتب عن ذلك الخروج من تداعيات على مواطني دول الاتحاد الأوروبي. وقال مسؤول أوروبي كبير طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية إن «ميزانية الاتحاد الأوروبي لطالما كانت مسألة تثير الانقسامات. وستبقى كذلك، لكن مع خروج المملكة المتحدة قد يكون هناك انقسامات أقل».
ويأتي ذلك عقب الإعلان أن رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي ستلقي خطابا مهما يوم الجمعة المقبل لتوضيح استراتيجيتها النهائية من قضية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وذكر متحدث باسم رئاسة الوزراء الجمعة أن خطاب ماي تقرر على ضوء اجتماع مغلق ترأسته ماي الخميس مع كبار وزراء حكومتها لبحث المطالب الأوروبية. وأوضح المتحدث أن الاجتماع خرج بإجماع تام بين الوزراء على دعم استراتيجية وتصور رئيسة الوزراء حول النقاط الخلافية مع الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن مجلس الوزراء سيناقش مطلع الأسبوع المقبل بشكل موسع مضمون الخطاب المنتظر.
أعمال قمة بروكسل غير الرسمية أمس حضرها قادة 27 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي وبدون بريطانيا، وركزت على القضايا المؤسساتية وخاصة بعد إتمام عملية خروج لندن من الاتحاد. وحسب ما ذكر المجلس الأوروبي في بروكسل فلن تدخل القضايا التي ستناقش إلى حيز التنفيذ إلا بعد خروج بريطانيا بشكل فعلي.
وناقش القادة طريقة تعيين خلف لجان كلود يونكر على رأس المفوضية الأوروبية، وهي قضية تثير الانقسام. ويستعدّ الاتحاد الأوروبي لتجهيز نفسه بالتمويل المناسب لمواجهة تحديات غير مسبوقة بدأت في السنوات الأخيرة، في مجال الأمن الداخلي وأزمة الهجرة.
واعتبر مصدر أوروبي آخر أن ما يحدث هو «تمرين غير مسبوق» بالنسبة للمجلس بما أن المفوضية الأوروبية لن تضع اقتراحاتها على الطاولة قبل بداية مايو (أيار)، على شكل «نقاش سياسي» من المتوقع أن يمنح بعض الأفكار للمجلس. وتمتد الميزانية الحالية للاتحاد على سبع سنوات من 2014 حتى 2020، وبالنسبة لميزانية ما بعد 2020، تركز المفوضية على فكرة تحديد الأولويات وتعديل الميزانية فيما بعد. وتخصص نسبة 70 في المائة من ميزانية الاتحاد إلى ركائزه التاريخية وهي سياسة التلاحم التي تهدف إلى تطوير المناطق الأكثر فقرا وسياسة الزراعة المشتركة. وقال يونكر: «هناك دول لا تريد دفع المزيد وأخرى لا تريد الحصول على أقل». ويأتي طرح مسألة تمويل هذه التدابير الجديدة فيما تخسر ميزانية الاتحاد أحد مساهميها الرئيسيين، أي نحو عشرة مليارات يورو سنويا بحسب المجلس الأوروبي.
ويفتح خروج بريطانيا نقاشا في صلب الاتحاد حول مستقبله، فيما قررت الدول الأعضاء الـ27 عقد قمة في مايو (أيار) 2019 في سيبيو في رومانيا لإعداد «جدول أعمال استراتيجي» للفترة الممتدة بين عامي 2019 و2024.
يذكر أن رئيسة الوزراء ماي تتعرض لضغوطات متزايدة من جانب الاتحاد الأوروبي لتوضيح رؤيتها بشأن الانسحاب من السوق الأوروبية والاتحاد الجمركي والحفاظ في الوقت نفسه على امتيازات التجارة الحرة. كما تتعرض ماي لضغوط أكبر من جانب نواب حزبها المحافظين الذين يطالبونها بعدم الانصياع للإملاءات الأوروبية والعمل على تحقيق خروج واضح من الاتحاد الأوروبي مهما كانت النتائج والتداعيات وسواء تم التوصل لاتفاق أم لا بحلول 29 مارس (آذار) 2019.
وينتظر أن تنطلق الشهر المقبل جولات المحادثات حول الشق التجاري من مفاوضات الانسحاب، والتي من المتوقع أن تشهد خلافات كبيرة بسبب تشعب العلاقات الاقتصادية وتباين وجهات النظر بين الجانبين حيال مسألة السوق المشتركة ورفض لندن مبدأ التنقل الحر للمواطنين الأوروبيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟