الـ«بترو»... طريق تمرد فنزويلا على العقوبات وطوق أملها في الأزمة الاقتصادية

أول عملة رقمية تدعمها حكومة ويضمنها النفط... لكن مستقبلها تحيطه الشكوك

الرئيس الفنزويلي ونائبه ووزير التعليم العالي خلال مؤتمر للإعلان عن إطلاق الـ«بترو»  مساء أول من أمس في العاصمة كراكاس (إ.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي ونائبه ووزير التعليم العالي خلال مؤتمر للإعلان عن إطلاق الـ«بترو» مساء أول من أمس في العاصمة كراكاس (إ.ب.أ)
TT

الـ«بترو»... طريق تمرد فنزويلا على العقوبات وطوق أملها في الأزمة الاقتصادية

الرئيس الفنزويلي ونائبه ووزير التعليم العالي خلال مؤتمر للإعلان عن إطلاق الـ«بترو»  مساء أول من أمس في العاصمة كراكاس (إ.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي ونائبه ووزير التعليم العالي خلال مؤتمر للإعلان عن إطلاق الـ«بترو» مساء أول من أمس في العاصمة كراكاس (إ.ب.أ)

أعلنت فنزويلا رسمياً إطلاق عملتها الرقمية «بترو»، المدعومة باحتياطات البلاد من النفط والثروات الطبيعية، لتكون العملة الرقمية الأولى في العالم المدعومة من قبل حكومة.
وكان الرئيس الفنزويلي الذي يواجه نظامه عقوبات اقتصادية دولية بسبب ممارسات توصف بـ«الديكتاتورية» كشف لأول مرة عن مساعي بلاده لإطلاق عملة رقمية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقال مادورو مساء أول من أمس: إن العملة الجديدة بمثابة تأكيد على السيادة الاقتصادية لفنزويلا، معتبراً أن الـ«بترو» ستكون بمثابة «حل كبير» لمتاعب البلاد.
وعلقت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» بقولها إن إطلاق الـ«بترو» يأتي في وقت تعاني فيه فنزويلا من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخ أميركا اللاتينية، حيث انكمش اقتصادها بنحو الثلث خلال السنوات الخمس الماضية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بـ15 في المائة هذا العام، كما رجح الصندوق أن يبلغ التضخم هذا العام «13 ألفاً» في المائة.
وعرضت حكومة كراكاس اليسارية 38.4 مليون وحدة من عملتها الرقمية في عملية بيع خاصة. وأعلن مادورو، أن فنزويلا تلقت «نوايا شراء» بقيمة 735 مليون دولار في الساعات العشرين الأولى لإطلاق الـ«بترو».
وقال مادورو في مؤتمر صحافي: «حصلنا على نوايا شراء بقيمة 735 مليون دولار. إنه بين أيدينا بعملة البترو... البداية جيدة». وأضاف إن «(البترو) سيسمح لنا بمكافحة طمع القوى الأجنبية التي تحاول خنق العائلات الفنزويلية للاستيلاء على نفطنا».
وستطرح فنزويلا للبيع مائة مليون بترو، حدد سعر الوحدة منها مبدئياً بستين دولاراً على أساس متوسط سعر برميل النفط الخام الفنزويلي في منتصف يناير (كانون الثاني)، لكنه قابل للتغيير.
ويفترض أن تستمر المرحلة الأولى التي تتعلق بـ38.4 مليون وحدة من العملية حتى 19 مارس (آذار) المقبل. وفي 20 مارس، سيجري العرض العام لبيع 44 مليوناً أخرى، وستحتفظ الدولة الفنزويلية بالباقي؛ أي 17.6 مليون بترو.
وتعاني فنزويلا من ضغوط مالية متصاعدة أجبرتها على تقليص وارداتها بنسبة 80 في المائة خلال السنوات الخمسة الماضية. وتفاقمت أزمة البلد الذي يتمتع بأكبر احتياطي نفطي في العالم مع انخفاض أسعار النفط وتراجع الإنتاج؛ مما دفع باحتياطها النقدي للاقتراب من أدنى مستوياته في عشرين عاماً عند 10 مليارات دولار.
وترجع وكالة «رويترز» الأزمة الفنزويلية إلى توسع الرئيس السابق هوجو شافيز في الاقتراض لتمويل الإنفاق الاجتماعي السخي. لكن التدخلات الدولية ساهمت في مفاقمة الوضع، حيث حظرت أميركا على مؤسسات الولايات المتحدة في أغسطس (آب) الماضي شراء أي سندات فنزويلية جديدة؛ وهو ما يصعّب عميلة إعادة تمويل الديون القائمة من خلال طروحات سندات جديدة.
وفرضت إدارة الرئيس دونالد ترمب العقوبات على فنزويلا بعد أن نزع نظام مادورو سلطات برلمان البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة، وبينما تتهم الولايات المتحدة الرئيس الاشتراكي بترسيخ «حكم ديكتاتوري» في البلاد، إلا أنها لا تزال أكبر مستورد للنفط الفنزويلي. وخفض مؤشر الديمقراطية الصادر عن وحدة أبحاث «الإيكونوميست» العام الماضي تصنيف فنزويلا إلى نظام سلطوي بسبب نزوعه المستمر نحو الديكتاتورية في رأي الوحدة.
وشرح الخبير الاقتصادي في العملات الرقمية جان بول لايدنز لوكالة الصحافة الفرنسية: إن «الأسعار خلال عمليات البيع التمهيدية للـ(بترو) سيتم الاتفاق عليها في عقود خاصة»، ثم تتقلب حسب السوق عندما تطرح الشريحة الثانية البالغ 44 مليون بترو في 20 مارس.
واعتبر نائب الرئيس الفنزويلي طارق العيسمي، أن البترو «سيؤدي إلى الثقة والأمن في السوق الوطنية والدولية». ويتوقع مادورو أن يفتح البترو «طرقاً جديدة للتمويل» في مواجهة العقوبات الأميركية، لكن الخبراء يشككون في فرص نجاح هذه العملة، مشيرين إلى أن الخلل الاقتصادي العميق في البلاد سيقوض الثقة في البترو. وقال الخبير الاقتصادي هينكل غارسيا: «نظرياً، بالعملات الرقمية يمكن تجاوز النظام المالي الأميركي... لكن كل شيء مرتبط بإحلال الثقة».
من جهتها، قالت مجموعة «يوريجا غروب»: إن فنزويلا يمكن أن تحصل على نحو ملياري دولار من عرضها الأول، لكن «من غير المرجح» أن يصبح البترو «وسيلة تبادل تتمتع بالمصداقية»، بعيداً عن الاهتمام بها لفترة قصيرة.
وتقول حكومة كراكاس: إن الفنزويليين سيكونون قادرين على استخدام تلك العملة في سداد الضرائب ورسوم الخدمات العامة. ولكن مع تراجع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 3 دولارات شهريا، فمن غير المرجح أن يتمكن المواطنين من شراء كميات كبيرة من هذه العملات، في رأي وكالة «أسوشييتد برس».
وستكون عملة الـ«بترو» مدعومة باحتياطات النفط والغاز والذهب والماس، وفقاً لتصريحات الحكومة التي تتوقع أن تجتذب العملة الجديدة استثمارات من تركيا والشرق الأوسط بجانب بلدان الاتحاد الأوروبي وأميركا، وذلك رغم أن وزارة الخزانة الأميركية حذرت مواطني الولايات المتحدة من أن شراء الـ«بترو» يعني اختراق العقوبات المفروضة.
ومن المرجح أن يتبع إطلاق الـ«بترو» صدور عملات مشابهة من قيادات أخرى في العالم، منهم فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، كما قال ماتي غرينسبان، المحلل في شركة التداول «إي تورو»، لقناة «سي إن بي سي». وأضاف غرينسبان: إن «بوتين ومادورو لديهما مشكلات مشابهة... كلاهما لديه اعتماد قوي على أسعار النفط الخام، والذي كان غير مستقر خلال السنوات القليلة الماضية. كلاهما لديه قضية مع العقوبات الأميركية ومع كون الدولار عملة الاحتياطي العالمي».
من جهة أخرى، ذكر تقرير إعلامي أمس، أن كولومبيا أغلقت 17 نقطة دخول غير رسمية على حدودها مع فنزويلا في محاولة جديدة؛ لوقف تدفق المهاجرين الفارين من الأزمة الاقتصادية الطاحنة. ونقلت إذاعة «بلو راديو» المحلية عن وزيرة الخارجية ماريا أنجيلا هولجوين قولها: إنه «لن يعد بإمكان الأشخاص والمركبات المرور عبر تلك النقاط».
كما زادت كولومبيا عدد الجنود وشددت متطلبات الدخول على الحدود. وقالت هولجوين: إنه سيتم تسجيل الفنزويليين الذين يعيشون حالياً في كولومبيا للسماح لهم بالحصول على خدمات التعليم والصحة.
وقال الرئيس خوان مانويل سانتوس الاثنين الماضي: إن تدفق الفنزويليين «ربما هو أكثر المشكلات خطورة» أمام كولومبيا، ورحب بإمكانية الحصول على دعم دولي.
ويقدر عدد الفنزويليين الذين يعيشون في كولومبيا بنحو 550 ألف شخص. ويعبر 37 ألفاً الحدود يومياً، على الرغم من أن الكثير منهم يعودون بعد شراء الطعام والأدوية غير المتوافرة في فنزويلا.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».