77 عملا لفنان الغرافيتي بانكسي تعرض للبيع في دار «سوذبي»

الفنان يعترض ويقيم معرضا موازيا على موقعه الإلكتروني

أقام الفنان بانكسي معرضا موازيا اعتراضا على بيع مجموعة من أعماله في مزاد (تصوير: جيمس حنا)
أقام الفنان بانكسي معرضا موازيا اعتراضا على بيع مجموعة من أعماله في مزاد (تصوير: جيمس حنا)
TT

77 عملا لفنان الغرافيتي بانكسي تعرض للبيع في دار «سوذبي»

أقام الفنان بانكسي معرضا موازيا اعتراضا على بيع مجموعة من أعماله في مزاد (تصوير: جيمس حنا)
أقام الفنان بانكسي معرضا موازيا اعتراضا على بيع مجموعة من أعماله في مزاد (تصوير: جيمس حنا)

تقيم دار «سوذبي» في الغاليري التابع لها «إس2» معرضا لفنان الغرافيتي الشهير بانكسي، نظمه وأشرف عليه ستيف لازاريدس الذي عمل وسيطا للفنان لأكثر من عشر سنين. المعرض يقدم أكثر من 70 عملا لبانكسي، بعضها لم يعرض للجمهور من قبل. المعرض الاستعادي يعترف بأنه «غير مصرح به» من الفنان. التقينا ستيف أثناء التحضير للافتتاح الرسمي للمعرض، وخلال حديثه مع «الشرق الأوسط» تحدث عن علاقته بالفنان «اللغز» الذي لا يعرف أحد هويته. نسأل ونعتقد أن الكثير من الناس يحملون التساؤلات نفسها حول إصرار الفنان على إخفاء هويته، هل ينعم بانكسي بالاختفاء المتعمد؟ يقول: «في حالته، تحول الأمر إلى ما يشبه المرض، فهو حريص إلى أقصى درجة على التخفي، وإن كنت أعتقد أنه لو ظهر الآن وأعلن هويته فلن يصدقه أحد، لأن الجمهور كون شخصية خيالية لبانكسي، لا أعتقد أن الفنان نفسه يستطيع تغييرها الآن». أسأله عن عمر بانكسي، يجيب: «في نهاية الثلاثينات من عمره».
الأعمال المعروضة أغلبها معروف، ومنها قطع ميزت بانكسي عمن سواه من فناني الغرافيتي في اللمسة المرحة الساخرة في الوقت نفسه، وأيضا الطابع السياسي لأغلبها. يعلق ستيف على ذلك: «السبب في أن الأعمال نجحت في الوصول للجمهور هو أنها لا تعبر عن سياسة معقدة، ولكنها تجنح إلى التعامل مع الأمور التي تلمس العامة والتي يفهمها الجميع». من القطع الشهيرة، هناك نسخة من الرسم الذي تركه الفنان على الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل بفلسطين، الفتاة الصغيرة التي تحمل بالونة، قد تحملها وتطير بها عبر الحاجز. بانكسي ترك رسومات كثيرة في عدد من مدن العالم، هل يقدم المعرض أيا منها؟ يقول ستيف: «أغلب تلك الأعمال كانت جداريات، ولكننا هنا نقدم نسخا من بعض الأعمال وأيضا بعض المنحوتات واللوحات الزيتية التي نفذها الفنان. من تلك الأعمال، لوحة تصور طفلا يرتدي ملابس رثة ويجلس القرفصاء ولكنه يرتدي تاجا كتب عليه (بورغر كنغ)»، يشير ستيف إلى أن بانكسي نفذ اللوحة على القماش، ولكنها لم تعرض في أي مكان من قبل. اللوحة تماثل أكثر من عمل في المعرض، كلها تدور عن ما لا يقدمه العالم للأطفال المحرومين، فهم فقراء وتعساء، لكن العالم يقدم لها قشورا ورفاهية تتمثل في مأكولات سريعة وثقافة القصص الخيالية الخارجة من استديوهات أفلام ديزني».
المعرض نظمه لازاريدس ليقدم مراحل تطور بانكسي «من بداياتها وحتى الآن». أسأله إن كانت اللوحات من الغاليري الخاص به يجيب بابتسامة: «أتمنى أن يكون في حوزتي هذا العدد من أعمال بانكسي، الأعمال هنا بعضها من مجموعتي الخاصة، والعدد الأكبر من مجموعات خاصة»، يسأله أحد الزوار إن كانت كل الأعمال للبيع، فيجيب: «كلها ما عدا اثنين (يشير إليهما)؛ فهي ملكي الخاصي ولن أفرط فيهما أبدا». أغلى عمل في المعرض (مجسم صغير لفأر يحمل رشاش طلاء، كتب فوقه بطريقة الرش «زمننا قادم» يحمل سعر نحو خمسمائة ألف جنيه إسترليني». المبلغ قد لا يعده الكثيرون ضخما، خاصة لفنان ذائع الصيت يتنافس المقتنون على أعماله، يذكر منهم عدد من نجوم الفن أمثال أنجلينا جولي وبراد بيت، ولكن مكمن العجب هو أن الفنان الذي اعتاد ترك أعماله على الحوائط بالمجان للعامة في لندن، ارتفعت أسعار رسوماته، مع ذيوع صيته، إلى حد قيام البعض بقطع تلك اللوحات الجدارية لبيعها، وهو ما حدث أخيرا وبيعت قطعه من حائط عليه أحد رسومات الفنان في نيويورك رغم اعتراض الشعب البريطاني على ذلك. يعلق لازاريدس: «إنه أمر مذهل أن ترتفع أسعار رسومات بانكسي إلى هذا الحد، خاصة بالنسبة لشخص مثلي. فقد صحبت بانكسي منذ بداياته وكنت وقتها أعمل مصورا، أذهب معه في رحلاته الليلية والتقط صورا للأعمال التي كان يتركها على الحائط، وقتها كانت سعر النسخة الورقية من أعماله يصل إلى خمسين جنيه، وأغلى عمل له كان يباع بألف وخمسمائة. لا أفهم كيف يمكن لأحد أن يجرؤ على قص أعمال بانكسي من الجدران وبيعها مثلما يحدث الآن، أرى أن ذلك عمل غير أخلاقي، فمعظم تلك اللوحات تعمد الفنان اختيار أماكنها بشكل يرتبط مع مضمونها. أعتقد أن إزالة الأعمال الفنية من الشوارع تجعل مدينتنا مملة جدا».
من جانبها، علقت فرو ثولستراب، مديرة غاليري «إس2»، على المعرض بقولها: «بانكسي أكثر من مجرد فنان غرافيتي، فهو ظاهره ثقافية في زمننا هذا. ورغم أننا نشعر بأننا نعرف الرسومات التي نفذها، فإنه لم تكن هناك فرصة لرؤية كل تلك الأعمال معا».
تتراوح أسعار القطع المعروضة ما بين 4000 جنيه إسترليني وحتى 500 ألف جنيه.
على هامش المعرض، قال بانكسي على موقعه إنه غير موافق على بيع تلك الأعمال، وللتدليل على موقفه قام بعمل معرض مواز على موقعه على الإنترنت وضع فيه عدد من اللوحات التي تؤرخ له.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».