هل شارفت عملية التدوين في إيران على الانتهاء؟

نافذة للتعبير عن الرأي في ظروف الاحتقان.. وستتحول إلى وسائل إعلام تحظى بالاستقلالية والاعتبار في المستقبل

مدونون في العاصمة طهران («الشرق الأوسط»)
مدونون في العاصمة طهران («الشرق الأوسط»)
TT

هل شارفت عملية التدوين في إيران على الانتهاء؟

مدونون في العاصمة طهران («الشرق الأوسط»)
مدونون في العاصمة طهران («الشرق الأوسط»)

بينما لم تمض إلا ثلاثة عشر عاما على انطلاق عملية التدوين في إيران، فإن البعض أخذ يتساءل عما إذا كانت هذه المهنة شارفت على الانتهاء أم لا. هناك نظرتان متباينتان حول مستقبل التدوين في إيران. ترى الفئة الأولى أن عملية التدوين انحسرت بسبب انتشار الشبكات الاجتماعية التي تفتح المجال للكتابة، في الوقت الذي تعتقد فيه المجموعة الثانية أن كتابة المدونات شهدت تغييرات لكنها لم تفقد بريقها حتى الآن.
وخلصت الدراسة التي قامت بها كلية أننبرغ للاتصالات في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة حول المدونات الفارسية إلى «انتهاء عملية التدوين في إيران» (http://www.iranmediaresearch.org/en/research/download/1607). وكانت إيران من الدول المتصدرة في قائمة نشر ثقافة التدوين في الأعوام بين 2001 و2009. وقام «سلمان جريري» بإنشاء أول مدونة باللغة الفارسية في إيران في سبتمبر (أيلول) 2001 (http://www.globalpersian.com/salman/weblog.html)، وقد أسهم بعد ذلك الصحافي والمدون الإيراني «حسين درخشان» في تقديم ظاهرة التدوين، ونشرها في البلاد.
وشهدت عملية كتابة المدونات إقبالا واسعا من الإيرانيين والناطقين باللغة الفارسية، وشملت المدونات مواضيع مختلفة بدءا بالسياسة وانتهاء بالأدب. وسميت هذه المدونة بـ«المدونة الفارسية».
فما حجم التغييرات التي شهدتها عملية التدوين في إيران؟ هل «كتابة المدونات» شارفت على الزوال؟ لماذا لم نعد نرى المدونين الناشطين في عالم التدوين؟ ولماذا لم يقم الذين يمارسون هذه المهنة بتركها على غرار نظرائهم؟
ويعرف المدونون، وقراء المدونات الإيرانية «آرش آباد بور»، تحت عنوان «آرش كمانكير» (http://persian.kamangir.net). بدأ آرش مهنة كتابة المدونات باللغة الإنجليزية في 2004، وتحول لاحقا إلى اللغة الفارسية. وفي فبراير (شباط) 2014 قام بنشر المادة الأخيرة على مدونته. ويعتبر آرش كمانكير أحد الباحثين الذين قاموا بإجراء الدراسة حول «انتهاء عملية التدوين في إيران» في جامعة بنسلفانيا الأميركية، وهو من المدونين القدماء الذين يتحدثون عن «زوال كتابة المدونات في إيران». وعن الأسباب التي أدت إلى عدم قيامه بكتابة المدونات يقول آرش آباد بور أو كمانكير في حوار مع «الشرق الأوسط»: «ما زلت أمارس مهنة الكتابة، غير أن كتاباتي يجري نشرها في عدد من المواقع الإلكترونية غير المدونات». ويرى آباد بور أن «إنتاجات المدونين الذين تركوا الكتابة في المدونات مستمرة غير أنها يتم نشرها في مواقع أخرى». من جهة أخرى، ما زال «آرمان أميري» المدون الإيراني وصاحب مدونة «تجمع المجانين» يكتب في مدونته (http://divanesara2.blogspot.fr). يعتبر آرمان مثل كمانكير من المدونين الذين يمارسون هذه المهنة منذ سنوات مديدة، وما زال يكتب العديد من المواد التي ينشرها أسبوعيا على مدونته، ويجري نشر بعض كتاباته أحيانا في المواقع الإخبارية. ومعظم كتاباته ذات صبغة سياسية. ويقول أميري في حوار مع «الشرق الأوسط» حول الأسباب التي شجعته على الاستمرار في التدوين «أعتبر مدونتي كـ(وسيلة إعلام) تتمتع بهوية مستقلة عني. ونجحت نسبيا في تحقيق هذا الأمر، إذ يحرص زوار المدونة على إرسال رسائل خاصة بالمدونة، والتي تسمى (الرسائل المرسلة)».

* «المدونات الفارسية» شهدت انحسارا
طرأت خلال الأعوام الأخيرة تغييرات على عالم المدونات الفارسية بعد أن انتشرت الشبكات الاجتماعية في 2009، وأصبحت تتمتع بمؤيدين في إيران. لم يعد بعض المدونين الإيرانيين الذين كانوا من النشطاء السياسيين والاجتماعيين أو الإعلاميين يمارسون مهنة كتابة المدونات، أو نادرا ما يكتبون على المدونات. ولكن ما أبرز وجوه التغيير التي شهدها عالم التدوين في إيران؟
يرى آباد بور أن التدوين ظاهرة لن تموت، ولن يتغير شكلها أو حجمها. ويقول «لا يمكن تجاهل انخفاض نسبة المدونين أو قراء المدونات. ولم نعد نرى الكثير من نشطاء المدونات إما بسبب التحاقهم بوسائل الإعلام، أو إصابتهم بحالة من التعب والملل، أو تعرضهم للسجن، والنفي، أو انضمامهم إلى الشبكات الاجتماعية».
وأشارت الدراسة التي أجراها آباد بور وأصدقاؤه في عام 2008 إلى أن 68 في المائة من المستطلع آراؤهم قالوا إنهم يتوجهون مباشرة إلى المدونات لقراءة المواد التي يجري نشرها فيها، وانخفضت هذه النسبة في الدراسة التي تم إجراؤها في مارس (آذار) 2014 إلى 30 في المائة. وقال 47.3 في المائة من المستطلعة آراؤهم إنهم يستخدمون الشبكات الاجتماعية للحصول على مواد المدونات.
ويعتقد آرش أن المدونات ما زالت تحظى بقرائها، ويقول «المدونات مدن شهدت انحسارا لكنها لم تنته. ما زال مدونون يمارسون هذه المهنة وزوار يستمتعون بقراءة المواد التي ينشرها المدونون على المدونات».
وبالتزامن مع انتشار عملية التدوين في إيران، قام أفراد بتأسيس شبكات للمدونات الناطقة باللغة الفارسية لتسهيل البحث عن المدونات الفارسية لزوار المدونات الإيرانيين والناطقين باللغة الفارسية.
کان یصعب على الإيرانيين استخدام موقع «بلوجر» الدولي لتقديم خدمة كتابة المدونات على الإنترنت، ولم تكن قوالب «بلوجر» باللغة الفارسية، كما أن جميع مستخدمي الإنترنت لا يعرفون كيفية البرمجة. وانتشرت لاحقا مواقع إلكترونية مثل «بارشين بلوج»، «بلوجفا»، و«ميهان بلوج»، وغيرها، وقامت بإنشاء مدونات تضم الخدمة باللغة الفارسية وفي إطار قوالب متعددة. وسهلت هذه الخدمات على مستخدمي الإنترنت غير المحترفين في علوم الكومبيوتر والإنترنت عملية تأسيس المدونات. وقام أفراد بشراء نطاق إنترنت والقيام بعملية التدوين بأسمائهم الخاصة.
وتعرضت المواقع الإلكترونية الفارسية لخدمات التدوين لقيود كثيرة بعد الأحداث السياسية التي جرت في إيران خاصة بعد الانتخابات الرئاسية في 2009، وتعرض العديد من المدونات إلى الفلترة أو الإلغاء. مما يعني القضاء على سنوات عديدة من جهود المدونين، وكتاباتهم في ليلة وضحاها. وحظرت السلطات الإيرانية موقع «بلوجر» الدولي لخدمة كتابة المدونات، مما أدى إلى عدم رغبة العديد من المدونين في كتابة المدونات، في حين أن مدونين قاموا باستخدام المواقع الفارسية لخدمة التدوين للدخول في موقع «بلوجر» الدولي لخدمة كتابة المدونات من أجل ألا تتمكن السلطات القضائية في إيران بحظر مدوناتهم، وهم يمارسون مهنة التدوين حتى اللحظة.
وعن عدد قراء مدونته يقول «آرمان أميري»: «تصعب الإجابة عن هذا السؤال في هذه الأيام. كان المدون سابقا يراجع مدونته ليطلع على عدد القراء الذين يزورون مدونته لأن الشبكات الاجتماعية لم تكن منتشرة، غير أن الأشخاص لم يعودوا يقصدون المدونات بشكل مباشر». وأشار «آرمان أميري» إلى أن «عدد زوار مدونته (تجمع المجانين) يفوق عدد قراء أبرز الصحف الإصلاحية في البلاد».

* الشبكات الاجتماعية أسهمت بشكل كبير في انتشار كتابة المدونات
وعما إذا كانت مهنة كتابة المدونات باللغة الفارسية شارفت على الانتهاء يقول آرمان بنبرة حزينة «يتم تداول هذا السؤال كثيرا في السنوات الأخيرة، وكأن البعض يرغب في تسريع دق ناقوس (انتهاء زمن كتابة المدونات). غير أن عملية التدوين لم تنته بعد».
ويذعن آرمان بحقيقة مفادها أن إنشاء وانتشار الشبكات الاجتماعية وجه ضربة قاسية لمهنة كتابة المدونات، وأن عدد المدونين سجل انخفاضا لافتا. وحول نظرته إلى عملية التدوين في الوقت الحاضر يقول آرمان «قدم انتشار الشبكات الاجتماعية التي تتنافس مع المدونات خدمات كبيرة إلى المدونات، وشهدت هذه المواقع عملية تمشيط لكتاب المدونات الذين كانوا يستخدمون المدونات لكتابة النكت، والرسائل القصيرة، ووضع الصور. فهؤلاء انتقلوا إلى الشبكات الاجتماعية».
وأما الخدمة الأخرى التي قدمتها الشبكات الاجتماعية إلى المدونات حسب رؤية آرمان فهي «تعقيد عملية استنساخ المصنفات المختلفة، أو تقديم وثائق مزورة في المدونات. ودفعت الشبكات الاجتماعية المدونين إلى بذل جهود أكبر والقيام بمطالعة المواد بشكل أفضل وإعداد مصنفات جيدة، لإظهار قدراتهم وإبداعاتهم من أجل البقاء والفوز أمام منافسيهم. كما أن كتاب المدونات وجدوا أنفسهم مضطرين لتجنب الوقوع في الأخطاء المتداولة في الشبكات الاجتماعية بسبب التسرع في عملية نقل المعلومة إلى القراء».
ويرى آرمان أن «مستخدمي الشبكات الاجتماعية يعانون من فقدان الصبر بسبب السرعة الكبيرة في نقل المعلومة، إذ لا يجدون فرصة للقيام بالدراسات، والتعمق في المواد المنشورة. بالمقابل فإن المدونات توفر مجالا يتمتع بوتيرة أكثر هدوء من الشبكات الاجتماعية». ويقول أميري إن «المدونات تشبه مناطق الأرياف البعيدة عن ضوضاء المدن، إذ يتمتع القراء بفرصة أكبر لقراءة المواضيع. كل المدونات المتبقية في الوقت الحاضر اكتسبت نوعا من الوجهة والاعتبار لدى قرائها الذين ينظرون إليها على أنها مصدر موثوق يمكنهم نقل المعلومة عنه، الأمر الذي لا نشاهده بتاتا في الشبكات الاجتماعية التي تعد مصادر الخبر فيها مجهولة». ويضيف أميري «أنا أميل للقول بأن المدونات شهدت تغييرات في طريقة الأداء والاعتبار الذي اكتسبته في زمن انتشار الشبكات الاجتماعية، وذلك بدلا من استخدام عبارة (انحسار) عملية كتابة المدونات».

* مدونة الآنسة كرزة
انتقل العديد من النشطاء المدنيين، والسياسيين، والإعلاميين من التدوين لكن بعضهم ما زالوا يمارسون هذه المهنة. هناك مجموعة أخرى من المدونين القدماء والذين يقومون بكتابة المدونات حتى الآن ولكن بأسلوب مختلف. وفيما تتميز المصنفات التي تنشر في عدد من هذه المدونات بدرجة من الخصوصية، ينشر مدونون آخرون مواضيع عامة. وتحظى هذه المدونات بقرائها الذين عددهم ليس بقليل.
«كنت أطمح خلال السنة الماضية لخسارة الوزن بنسبة 8 كيلوجرامات، وبذلك كنت سأبلغ 50 كيلوغراما. تجاهلت الأهداف الأخرى التي كنت أريد الوصول إليها بسبب أهمية خسارة الوزن، ولذلك قصدت طبيبا معروفا..».. هذه الفقرة هي مقدمة المقال الذي كتبته صاحبة المدونة التي تقدم نفسها باسم «الآنسة كرزة»، وتحمل المدونة نفس العنوان. (http://gilasi.net)
تسرد مدونة «الآنسة كرزة» الأحداث بأسلوب قصصي، وتتمركز حول القضايا الخاصة بصاحبة المدونة مثل اعتمادها للحمية الغذائية، أو الأحداث التي تواجهها في مقر عملها، أو القضايا الجارية في البلاد، ويتضمن قسم الآراء تبادل الآراء بينها وبين زوار المدونة.
واسمها الحقیقي هو «محدثة خالو»، وتبلغ من العمر 33 عاما، وتدرس الماجستير في فرع علم النفس الإكلينيكي. ولها عدة مؤلفات، وترجمات عديدة. وتصدرت محدثة قائمة النساء لكتابة المدونات في اجتماع لكاتبات المدونات في إيران منذ عامين. وتقول محدثة في حوار مع «الشرق الأوسط» إنها بدأت مهنة كتابة المدونات في يوليو (تموز) 2005، وعدد زوار مدونتها يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف زائر يوميا من بينهم من يزورون الموقع عن طريق الشبكات الاجتماعية. وحظرت السلطات الإيرانية مدونة «الآنسة كرزة»، وتقول محدثة بأن أسباب هذا القرار غير معروفة. وتضيف «كان يزور المدونة سبعة آلاف زائر يوميا قبل حظرها».
وعما إذا كانت عملية التدوين في إيران شهدت انحسارا تقول محدثة «كانت مهنة كتابة المدونات تحظى بمكانة أفضل سابقا، لم يعد العديد من أصحاب المدونات يزاولون هذه المهنة بعد، في حين تم حظر الكثير من المدونات. وتتطلب زيارة هذه المدونات تخطي الكثير من الحواجز، الأمر الذي يفقد الكاتب، والزائر الحافز للمتابعة».
وتقول محدثة بشأن الأسباب التي دفعتها إلى عدم مغادرة عالم التدوين «تحظى مدونتي بزوارها الذين يحرصون على قراءة المواضيع. فهناك العديد من الزوار مثل الطالب الحائز على شهادة البكالوريا، وهو يقول لي بأنني ألفت على زيارة مدونتك منذ أن كنت في الثانوية، وأنا الآن أعمل». وعن المواضيع التي يتم نشرها على المدونة وزوارها تقول محدثة «تحمل المواضيع والكتابات في المدونة طابعا بسيطا وفكاهيا، وأنا أعتبر زوار المدونة أصدقائي. أنا مشاغبة قليلا، وغیر مهتمة قليلا، وهذا ما يجعل زوار المدونة يحبونني. ويضم زوار المدونة مختلف شرائح المجتمع بدءا من مدير الشركات إلى المراهق الذي يبلغ من العمر 12 عاما، والأمهات، وموظفي الدوائر الحكومية وغير الحكومية، وأصحاب المتاجر، وأساتذة الجامعات، وغيرهم».
إن وجود هذه المجموعة من كتاب المدونات الذين يتناولون مواضيع غير سياسية يبدو لافتا، ويصب اهتمام هؤلاء على تداول مواضيع خاصة أو شعبیة. لكن كل ذلك لا يمنع السلطات من فرض حظر على هذه المدونات.

* تسونامي يضرب المدونات الإيرانية
ويقول «آباد بور»، وهو صاحب المدونة، والباحث في مجال المدونات، لـ«الشرق الأوسط»: «كانت المدونات تمثل نافذة للتعبير عن الرأي في ظروف الاحتقان في البلاد. واجتاحت الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد مثل الحركة الخضراء والأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية في 2009 عالم المدونات. وهيمنت في هذه الفترات الأجواء السياسية على المدونات التي كانت في السابق تحمل طابعا شخصيا، غير أن الانخراط في المشهد السياسي انتقل من الشبكات الاجتماعية إلى عالم المدونات».
ويضيف «آباد بور» قائلا «اجتاحت موجة تسونامي مدينة المدونات، وجرفت في طريقها عددا من المدونات. ذلك لا يعني أن عملية كتابة المدونات انتهت بشكل كامل. ما زال أصحاب المدونات الشخصية يمارسون هذه المهنة، في حين أن أصحاب المدونات السياسية والاجتماعية انتقلوا إلى أماكن أخرى. إن المدونات لا تمثل مكانا ملائما للقيام بكتابة المواضيع السياسية أو الاجتماعية التي وجدت الآن موطنها الرئيس».
ويرى «آباد بور» و«أميري» أن عملية التدوين ومزاولة مهنة كتابة المدونات لن تموت، رغم أن التوقع بالمصير الذي سيلقاه عالم التدوين يبدو أمرا صعبا حسب رؤية «آباد بور». ويقول «أميري»: «ستتحول المدونات إلى وسائل إعلام تحظى بالاستقلالية والاعتبار في المستقبل. يحتاج المشهد الإعلامي إلى عالم التدوين وأصحاب المدونات المستقلة. وستحظى المدونات بالمكانة التي تليق بها، وستستمر كتابة المدونات كمهنة يمارسها أصحابها في إيران».
*خدمة «شرق بارسي»



«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».