المتحف البيولوجي في بنما... طريقة جديدة لاكتشاف الطبيعة

صممه المعماري العالمي فرانك غيري

هيكل المتحف يضم كثيرا من الألوان الزاهية مثل الأحمر البارز وكثيرا من ظلال اللون الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي التي تمثل مزيجا رائعا من الحياة البرية المميزة لبنما
هيكل المتحف يضم كثيرا من الألوان الزاهية مثل الأحمر البارز وكثيرا من ظلال اللون الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي التي تمثل مزيجا رائعا من الحياة البرية المميزة لبنما
TT

المتحف البيولوجي في بنما... طريقة جديدة لاكتشاف الطبيعة

هيكل المتحف يضم كثيرا من الألوان الزاهية مثل الأحمر البارز وكثيرا من ظلال اللون الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي التي تمثل مزيجا رائعا من الحياة البرية المميزة لبنما
هيكل المتحف يضم كثيرا من الألوان الزاهية مثل الأحمر البارز وكثيرا من ظلال اللون الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي التي تمثل مزيجا رائعا من الحياة البرية المميزة لبنما

يُعرف عن دولة بنما، الواقعة في أميركا الوسطى، خارج المنطقة اسم قناة بنما. وتعتبر هذه القناة من أبرز الأعمال التجارية نجاحا في البلاد، كما أنها تلعب دورا حيويا في التجارة العالمية، إذ تربط المحيطين الهادي بالأطلسي، وفي عام 2016 عبر ما يقرب من 330 طنا من البضائع والسلع خلال هذه القناة.
وتعد بنما سيتي، عاصمة البلاد من المدن الحديثة وتضم كثيرا من ناطحات السحاب والمباني الجديدة التي لا تزال قيد الإنشاء. غير أنه ليس كل شيء هناك يقوم على المال والأعمال.
فمن معالم بنما سيتي المهمة هناك متحف التنوع البيولوجي، والذي يعد جوهرة معمارية فريدة من نوعها، وهو من تصميم المهندس المعماري الشهير فرانك غيري، الذي شيد أيضا متحف غوغنهايم في بيلباو بإسبانيا. والمتحف البيولوجي هو مشروعه الوحيد في قارة أميركا اللاتينية، بيد أنه لفرانك غيري صلات عميقة تربطه ببنما لأن زوجته ولدت هناك.
شُيد المتحف ليتلو قصة نشوء برزخ بنما، ويساعد في الحفاظ عليه من خلال تثقيف السكان هناك. كما يروي المتحف قصة العالم الطبيعي، حيث تملك بنما تنوعا هائلا وكبيرا من الحيوانات البحرية، على سبيل المثال، إلى جانب الحياة البرية الاستوائية. ويستقر المتحف البيولوجي على موقع مهم للغاية في المدينة، وهو يطل على المحيط من جوانب عدة، إلى جانب سهولة رؤيته من مدخل قناة بنما وخليج بنما.
وتبلغ مساحة المتحف البيولوجي نحو 4 آلاف متر مربع من الأرض، ويختلف تصميمه المعماري عما يمكن أن تتوقعه لأي متحف آخر، فهو تصميم غير تقليدي على الإطلاق. فهيكل المتحف يضم كثيرا من الألوان الزاهية مثل الأحمر البارز، وكثيرا من ظلال اللون الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي، التي تمثل مزيجا رائعا من الحياة البرية التي تحظى بها بنما. وهناك ثمانية هياكل مستقلة، أو غرف، متصلة بالسقوف الملونة التي يبدو أنها تتحرك، والتي إن نظرت إليها من أعلى تشعر وكأنها تطير أو تحلق في الفضاء. إنها تبدو مذهلة. ومن السهل رؤية انعكاس هذه الألوان على سطح البحر.
وفي مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قال روبرتو مادورو، منسق التطوير المؤسسي في المتحف البيولوجي، موضحا أن «المبنى يعكس التحالف التقدمي بين العلم والتصميم، وهو أحد أبرز المباني في المنطقة من حيث التعقيد. ولقد استخدم فرانك غيري لغة هندسية أكثر تحفظا عما اعتاد استخدامه في بيلباو، أو في سياتل، حيث اقتصر عمله على الأسطح المستوية والمنظمة». وصمم هيكل المتحف لتفادي أي ضرر يلحق به من البحر.
يضم المتحف ثماني قاعات عرض كبيرة، بما في ذلك «معرض التنوع البيولوجي»، و«معرض بنماراما»، التي هي عبارة عن أعمال رسومية تتعلق بكنوز النظم الإيكولوجية المتنوعة في البلاد، و«معرض التبادل الكبير»، و«معرض البصمة البشرية». وهناك ثلاث قاعات عرض أخرى من المتوقع افتتاحها للجمهور في العام المقبل، وكلها تنتقل بالزائرين عبر ثروة من النظم البيئية الغنية لبلدان أميركا الوسطى.
وابتداء من عام 2015 سيبدأ المتحف البيولوجي بإجراء أنشطة المراقبة والأبحاث التي تتألف من تحديد أنواع الفراشات المختلفة والتي تعيش في هذه المنطقة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، جرد المتحف 245 نوعا من الفراشات التي تم تصنيفها.
وقال مادورو إن المتحف البيولوجي يقدم للزوار طريقة أخرى لاستكشاف الطبيعة، ويمكن التجوال في المتحف سيرا على الأقدام، كما أنه يتطلب نوعا من التفاعل للحصول على الإجابات. ويوضح السيد مادورو الأمر بقوله: «أنشأنا آليات لإثارة الإعجاب والدهشة لمساعدة الزوار على الاستفادة من الأفكار العلمية بطريقة يسهل الوصول إليها. والأثر الذي تتركه هذه التجربة يمثل نقطة الاتصال بين الفن والعلم. ويخدم الأثر البصري والمادي المفهوم الأساسي لكل قاعة من قاعات المتحف، مما يبعث في الوقت نفسه بين الزوار إحساسا بالوجود في قلب الأحداث المثير للدهشة والإعجاب».
ويحمل المتحف البيولوجي قيمة مهمة للغاية لكل من السكان المحليين والزائرين الأجانب. فإن الفن الذي يمثله هذا المتحف يعد من أبرز المواقع التراثية في البلاد مع الحياة البرية الهائلة والتنوع البيولوجي الكبير.
ويضيف مادورو: «إننا نواجه في الوقت الراهن تدهورا بيئيا غير مسبوق. إذ إن انقراض آلاف الأنواع من الحيوانات والنباتات، واختفاء الموائل الطبيعية الكاملة هو دليل على أزمة التنوع البيولوجي لدينا، التي تهدد بالتناقص المستمر وربما الدائم لتراث بلادنا الطبيعي».
وأضاف أن «حجم الفقدان الهائل لهذا التنوع البيولوجي سوف يتحدد خلال هذا الجيل وإلى حد كبير. وإن نجحنا في تحفيز الناس حول العالم للعمل، يمكن أن نساعد في إنقاذ الطبيعة التي تركناها. ونحن نحاول في المتحف البيولوجي أن نحقق التغييرات الكبيرة في الوعي والاتجاهات التي تحفز الأفراد، والمجتمعات، والبلدان بأسرها لأجل اتخاذ الإجراءات الحاسمة».
وخلال العام الحالي، يتوقع المتحف البيولوجي أن يتلقى ما لا يقل عن 160 ألف زائر، وكلهم حريصون على الإعجاب بالطبيعة وما تقدمه لهم. والمتحف المشيد بين محيطين كبيرين هو مكان عظيم وجدير بالزيارة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».