«هارلي ستريت» في وسط لندن اشتهر بالطب الحديث وعمليات التجميل

تاريخه يعود إلى القرن 18.. وعالجت عياداته الملك جورج السادس على الخطابة

«هارلي ستريت» في وسط لندن اشتهر بالطب الحديث وعمليات التجميل
TT

«هارلي ستريت» في وسط لندن اشتهر بالطب الحديث وعمليات التجميل

«هارلي ستريت» في وسط لندن اشتهر بالطب الحديث وعمليات التجميل

ساهم هارلي ستريت الذي يعتبر أهم الأماكن الأساسية للعلاج في وسط لندن في مبالغ كبيرة للاقتصاد البريطاني ومن الصعب تحديد حجم الشارع في الاقتصاد ولكن هنالك تقديرات بنحو مليار جنيه إسترليني ما بين عوائد المعالجة وما يعرف بالسياحة العلاجية. وهارلي ستريت هو معقل الطب الحديث والمكان الوحيد في العالم الذي به الكم الكبير من العيادات والمستشفيات الخاصة، وأن أكثر من 3 آلاف طبيب استشاري متخصص في الرعاية الطبية يعملون في منطقة واحدة. وتعتبر لندن من أشهر المناطق في العالم من حيث المختبرات الطبية الحديثة والاكتشافات الطبية الجديدة، وتوفير ما لم يكن متوفرا من الخدمات الطبية التي قد لا تكون في مكان ما في العالم، كما أنه أفضل مكان لعمليات التجميل.
وإذا كنت قد شاهدت الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار خطاب الملك، فإنك سوف تكون قد شاهدت قصة كيف دوق يورك وملك المستقبل جورج السادس (الذي قام بدوره كولين فيرث) قد عولج من تقطع الكلام بمساعدة ليوني لوغ (الذي قام بدوره جيفري راش)، في عيادة بهارلي ستريت. وكان في 146 هارلي ستريت عندما طلب دوق يورك المساعدة من لوغ. وفي عام 1944. أصبح لوغ من مؤسسي كلية معالجة الكلام، والتي أصبحت الكلية الملكية للخطابة واللغة المعالجة.
وظهر شارع هارلي ستريت إلى حيز الوجود في القرن 18، عندما كانت لندن جزءا من قرية ماريليبون التي أصبحت مكانا للأثرياء فيما بعد. والآن، يعتبر هارلي ستريت في وسط لندن كجزء من مدينة ويستمنستر وقريبا من ريجنت بارك وشارع أكسفورد، حسب ما قاله روي استالارد الذي كان يعمل سابقا في وزارة الثقافة والإعلام البريطانية.
إذن كيف أصبح هارلي ستريت مكانا مشهورا للطب؟
ويقول استالارد الملم بتاريخ المنطقة: «يعتبر شارع هارلي ستريت في لندن من أشهر الشوارع في مجال الطب الحديث والتجميل كما له تاريخ عريق يعود لأسرة هوارد دي والدن للعقارات التي كانت تمتلكه في يوم من الأيام. وكان دوق أكسفورد غدوارد هارلي قد طور المنطقة في عام 1715 والتي قام أفراد أسرته بإطلاق اسمه عليه».
و«منذ القرن التاسع عشر، ازداد عدد الأطباء والمستشفيات والمؤسسات الطبية في الشارع إلى حد كبير، وتبين السجلات أن هناك نحو 20 طبيبا في عام 1860. و80 بحلول عام 1900، وما يقرب من 200 قبل عام 1914. عندما أنشئت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في عام 1948، كان هناك نحو 1500 طبيبا، واليوم، هناك أكثر من ثلاثة آلاف شخص يعملون في منطقة شارع هارلي في العيادات، والممارسات الطبية وشبه الطبية، والمستشفيات مثل عيادة لندن».
وفي عام 1850 بدأ الأطباء بالانتقال إلى هارلي ستريت بسبب موقعه المركزي والوصول السهل إلى محطات القطار، كما قاموا بدعوة زملائهم في المهنة للعمل معهم، وبالتالي أصبحت المنطقة مركزا طبيا مزدهرا، خاصة بعد أن فتحت الجمعية الطبية في لندن شارع كاندوس في عام 1873. وبعدها قامت الجمعية الملكية للطب في شارع ويمبولي في عام 1912.
وكان أول طبيب قام بفتح عيادة في المنطقة هو الدكتور ناثانيل المطران هارمان اختصاصي العيون عندما امتلك في عام 1905 عقد إيجار لمنزل لمدة 999 عاما من أسرة هوارد دي والدن للعقارات. وبعد وفاته في عام 1945 تحول المنزل إلى ابنه جون هارمان المطران الطبيب الاستشاري في مستشفى سانت توماس في عام 1907.
ويعتبر هارلي ستريت مكانا لعدد من المشاهير في مهنة الطب، مثل السير جوزيف ليستر، وهو رائد في الجراحة. ليستر يسكن بجوار هارلي ستريت، وهو أول طبيب روج لفكرة الجراحة المعقمة عندما كان يعمل في مستشفى رويال غلاسكو. وقدم ليستر بنجاح حامض الكربوليك الذي يستخدم في تعقيم الأدوات الجراحية وتنظيف الجروح، الأمر الذي أدى إلى انخفاض في العدوى بعد العمليات الجراحية وجعل الجراحة أكثر أمانا للمرضى، حسب استالارد.
وربما الأكثر شهرة في الشارع هي فلورنس نايتنجيل، التي تعرف بـ«سيدة المصباح» بدأت حياتها المهنية الطبية على هارلي ستريت في معهد لرعاية المرضى من عام 1853. وفي العام التالي ذهبت إلى حرب القرم حيث قامت هي وفريقها من الممرضات المتطوعات بعلاج الجنود الجرحى، كما أنها كرست حياتها لتحسين الرعاية الصحية وتأسيس التمريض الحديث.
ويقول استالارد إن وضع هارلي ستريت الجيد وقربه من خطوط السكك الحديدية القادمة من الشمال، سهل قدوم المرضى الأثرياء من الشمال وجعلهم على بعد خطوة من الشارع.
وتظهر السجلات أن هناك نحو عشرين طبيبا في عام 1860، وبحلول عام 1900 وصل العدد إلى 80 طبيبا، وإلى 200 طبيب بحلول عام 1914. وعندما أنشئت دائرة الصحة الوطنية في عام 1948 كان هناك نحو 1500 طبيب يمارسون المهنة.
وبرز في الفترة ما بين 1853 - 1923 السير فريدريك تريفيس الذي فرض رسوما للعلاج تقدر بـ100 غينيس في عام 1890. كان له الفضل في أداء استئصال الزائدة الدودية لأول مرة في إنجلترا في يوم 29 يونيو (حزيران) 1888 وإنقاذ حياة الملك إدوارد السابع الذي تعرض لالتهاب الزائدة الدودية قبل تتويجه.
وكان الدكتور أمين جورجي استشاري أمراض العقم مدير الأكاديمية الطبية لأطفال الأنابيب قد قال: «لبي بي سي» إن هارلي ستريت من أشهر شوارع لندن في مجال الطب التجميلي وطب الأسنان، وإن العرب يتوافدون للشارع من أجل العلاج لسهولة الوصول إليه.
أما اندرو بيركلي المستشار الإداري لإحدى العيادات الخاصة في هارلي ستريت يقول: إنه عام بعد عام ترى الكثير بل المئات من الناس يأتون للعلاج لشهرة المكان الواسعة في جميع التخصصات مثل التجميل والعقم وجراحات العيون وأطفال الأنابيب والعظام، ويضيف أن نحو 40% فوق سن الـ45 يأتون من كل مكان في العالم، كما لوحظ تزايد المرضى القادمين من الشرق الأوسط للشارع وخاصة الإمارات المتحدة وقطر والكويت.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)