حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

عندما تستخدم الديمقراطية والحرية طريقاً نحو تعزيز التيارات الأصولية

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا
TT

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

هل بدأت أوروبا تراجع مواقفها من جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد أن تبين كثرة ازدواجيتها الأخلاقية، وكيف أنها تستغل أجواء الديمقراطية الأوروبية المتاحة للجميع لتنفيذ أجندتها داخل أوروبا وخارجها دفعة واحدة؟
الشاهد أن الفترة الماضية شهدت أحداثاً ومراجعات عديدة تؤكد ما نقول به. فقد أثبتت الأحداث، وبخاصة في ضوء موقف الجماعة في أوروبا من الانتخابات الرئاسية المصرية، أن الإخوان لم يرتدعوا رغم كل ما لحق بهم من هزائم على الأرض، ومن رفض شعبوي ونخبوي لمشروعهم، بدا ذلك في صورة الملايين التي خرجت إلى الميادين مطالبة بعزلهم وإقصائهم، ولاحقاً تصنيف الجماعة كونها «فصيلاً إرهابياً». على أن السؤال الجوهري في هذه القراءة: هل كان موقف «إخوان أوروبا» من مصر وما يجري فيها هو السبب الرئيسي في إعادة قراءة الأجهزة الاستخبارية في بعض الدول الأوروبية حقيقة جماعة الإخوان المسلمين، المعين الأول والأكبر الذي خرج من جوفه كل التيارات الأصولية والجهادية حول العالم العربي، عطفاً على انتشارها وما تسببه من كوارث في أوروبا وأميركا؟
في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وبينما كان المرشحون للانتخابات الرئاسية المصرية يجهزون أوراقهم للترشح، طُرح على المائدة اسم رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، والذي أثيرت حوله شائعات كثيرة حول علاقته بجماعة الإخوان. لم تكن قصة ترشيح الرجل هي القضية أو الإشكالية بل موقف الإخوان المسلمين منه، لا سيما القيادات الهاربة إلى أوروبا، والتي أعطتها دول القارة العجوز حقوقاً تستحق المراجعة اليوم، وبعضها يراجع بالفعل وبدأ في اتخاذ مواقف بعينها. في هذا السياق كان المفوض السابق لـ«الإخوان» المسلمين والمكلف بإدارة ملف العلاقات الدولية للجماعة «يوسف ندا» يوجه رسالة إلى الفريق عنان، أقل ما توصف به أنها «لعب على المتناقضات» و«حلم بالعودة إلى الماضي»، غير أن اللعب والحلم مرتبطان بشروط ستة إخوانية إن أراد «عنان قبل إبطال ترشحه» أن يحصد أصوات الإسلامويين من إخوان وسلفيين وجهاديين وبقية الدائرة المعروفة. في رسالة «ندا» لـ«عنان» قوله: «أقول لك بلا مواربة إن الإخوان المسلمين سيظلون مع التوافق الوطني، وقد يقبلون بانتخابات للرئاسة مراعاةً لعدة أمور». يستوقفنا هنا بداية الحديث الزائف عن فكرة «التوافق الوطني»، ذلك أن الإخوان لم يكونوا يوماً في سياق الفصيل الوطني البنّاء، وإنما جماعة فوقية دوجمائية، تصنف ضمن مَن يُعرفون بـ«ملاّك» الحقيقة المطلقة، وإن كانت حقيقتهم دائماً ملتصقة بالعنف والإرهاب، وموصومة بالكذب والرياء والخداع.
ويبدو السيد «ندا» في حديثه كأن له الباع الطويل في الموافقة على الانتخابات الرئاسية، ولهذا قد يقبل، وربما لا يقبل هو وجماعته بها، إلا مراعاة لتقديراته هو وجماعته. مهما يكن من أمر، فإن «ندا» وضع 6 محددات حتى تقبل جماعة الإخوان بترشح عنان وهي: عودة الجيش لخدمة الشعب وحمايته وحماية الدولة- إعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات والطلب من رئيسها المنتخب محمد مرسي التنازل لصالح الأمة- «تطهير القضاء» وإلغاء الأحكام المسيسة التي حكمت في عهده- الإفراج عن المعتقلين وتعويضهم- تطهير الشرطة- إعادة النظر في القرارات المتعلقة بثروة مصر وحدودها.
تحتاج مناقشة هذه المحددات إلى أكثر من قراءة قائمة بذاتها، غير أنه وباختصار غير مخلٍّ نحن أمام طرح انقلابي إخواني يعكس نياتها الحقيقية لا تجاه مصر الكنانة فحسب، بل لجهة مخططهم الأكبر للسيطرة على مقدرات العالم بأسره وأوروبا في البداية، بعد أن تسلقوا هناك سلم الديمقراطية مرة واحدة، ومن ثم يحاولون –إنْ قدّر لهم– إزاحته بعيداً إلى الأبد، كي يتم لهم تنفيذ مخططهم الأوسع.

من حلم البنا إلى حاضرات أيامنا
قبل أن يحلم الخميني في نهاية سبعينات القرن الماضي، بأن يرفرف علم الثورة الإيرانية على العواصم العربية، مصدِّراً ثورته، سبقه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، في حلم يخص أوروبا الجار الأقرب جغرافياً، والأكثر تشابكاً ديموغرافياً، والأوثق علاقة تاريخياً مع العرب والمسلمين، حلم أن يرى علم جماعة الإخوان يرفرف على كل أنحاء العالم بدءاً من أوروبا.
ولعل مساقات الأحداث وما جرى من خلافات عميقة بين عبد الناصر والإخوان، قد فتح الباب واسعاً لهجرة هؤلاء في خمسينات وستينات القرن الماضي إلى أوروبا، كان في مقدمهم زوج ابنته «سعيد رمضان» والد «طارق رمضان» الذي تم توقيفه الأيام الماضية بتهمة مخلة بالأخلاق، ما يؤكد الازدواجية الروحية والأدبية التي تحكم الجماعة ونظرتها إلى أوروبا والأوروبيين.
عبر 7 عقود وفي مناخات أوروبية توفر مظلة واسعة للحريات الدينية استغل الإخوان تلك الأجواء في تأسيس مئات الجماعات والجمعيات تحت عناوين المؤسسات الشبابية والخيرية والإرشادية، ناهيك بالأنشطة المرافقة لها، الأمر الذي وفّر لـ«الإخوان» عبر 3 أجيال، جيشاً من «الاحتياطيين» المستعدين للمضي قدماً في تنفيذ سيناريوهات البنا لتحويل الحلم إلى حقيقة.
وفي هذا الإطار كذلك كانت تلك الجماعات ولا تزال -وأغلب الظن أنها ستظل طويلاً- منصة للانطلاق في مسارين:
المسار الأول، يتصل بالدول العربية سواء في منطقة الخليج العربي أو المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط، ومحاولة استنساخ سيناريوهات الربيع المغشوش قبل 7 سنوات.
بينما يتصل المسار الثاني بتلك الجمعيات والمؤسسات التي أضحت حاضنات للفكر المتشدد والأصولي، ومن هنا عرف العديد من شباب تلك المجتمعات الأوروبية طريقه إلى التطرف، ما تم ترجمته في الانضمام إلى «داعش»، وباتت عودة هؤلاء إلى بلادهم بعد القضاء على «داعش» لوجيستياً في سوريا والعراق، خطراً جسيماً ماثلاً أمام أعين الأوروبيين، وباتوا غير قادرين على مداراة أو مواراة مخاوفهم من تعاظم مدهم، فيما الكارثة الكبرى لا تتمثل في الحوادث الإرهابية التي يمكن أن يقوموا بها على فداحتها، بل في تصاعد الفكر الداعشي، وتوالده ضمن صفوف جماعات أوروبية في طول البلاد وعرضها، ما يعرض أوروبا ومن جديد لمخاطر التوتاليتاريات التي عرفتها في النصف الثاني من القرن العشرين عبر النازية والفاشية.

{إخوان} أوروبا... شهادة من القلب
عادةً ما نعلم أدق أسرار جماعة الإخوان المسلمين من الأعضاء المنشقين عنها، هؤلاء غالباً وعند نقطة معينة يكتشفون كارثية المشهد الذي ينتمون إليه، وعليه يغادر بعضهم السفينة لسبب أو لآخر، والشهادات هنا عن «إخوان أوروبا» أكثر من أن نضمّنها المسطح المتاح للكتابة.
خذ إليك على سبيل المثال ما اختطّه الكاتب والباحث المغربي «محمد لويزي» الناشط السابق في حركات إسلامية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، عبر كتابه المعنون «لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين».
في حوار له مع محطة «دويتشه فيلله» الألمانية حول استغلال الإخوان أجواء الحرية، يعود بنا إلى مايو (أيار) من عام 2001، حين اجتمعت قيادات الإخوان المسلمين الأوروبيين في جنيف بسويسرا لتدارس موضوع «كيف نربي أبناءنا في أوروبا؟»، وكان من بين الحاضرين القيادي الإخواني «أحمد جاب الله» وهو رئيس سابق للتنظيم الإخواني في فرنسا، ويومها قال: «إن حرية التعبير مكفولة في أوروبا في حدود واسعة، ولو أن هذا الأمر يُستخدم كذلك لترويج الأفكار الإباحية، لكنه يتيح فرصاً للتعبير عن الرأي، وهذا يمنح الفرد مجالاً للإفصاح عن آرائه، فيخلصه من عقدة الكبت والخوف»... ماذا يعني هذا الرأي؟
بلا شك هذا مثال واحد فقط للتدليل على استغلال فضاء الحرية والديمقراطية للدعوة والتوسع والانتشار مع الحرص الدائم على سلوك «التقية» والالتواء وعدم الإفصاح عن حقيقة تصوراتهم ونياتهم لكل ما يعتبرونه مخالفاً للدين كما يتصورونه، وهم لا يعدون ذلك تناقضاً بل يرونه تكتيكاً ذكياً يقع في شباكه بعض «السذج» من أنصارهم من غير المسلمين.

القرضاوي... دولة «الإخوان الأوروبية»
واحدة من أهم الدراسات التي قدمت عن إخوان أوروبا تلك التي قدمها الدكتور طارق دحروج «عن الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان في أوروبا» والمنشورة في صحيفة «الأهرام» المصرية أغسطس (آب) الماضي، ولعل ما يهمنا بنوع خاص فيها أنه يلفت نظرنا ومن جديد إلى «يوسف القرضاوي» الإخواني الطبع والتطبع عبر عقود طوال، والدور الذي لعبه خلال العقود الثلاثة الماضية في خلق الدولة الإخوانية داخل أوروبا... ماذا عن ذلك؟
أولاً، نذكِّر بأن قطر لا تزال هي المتهم الأول بتمويل كل تلك الجماعات في الداخل الأوروبي، وهو الأمر الذي يدركه كثير جداً من الباحثين والدارسين، فضلاً عن الأمنيين ورجالات الاستخبارات في أوروبا، غير أن «رنين ذهب المعز القطري» لا يزال يعمي كثيراً من عيون الأوروبيين بفضل التبرعات والمنح والهبات الآتية من الدوحة.
يعد القرضاوي «خميني الإخوان» إن جاز التعبير، وكان الرجل قد أصدر عام 1990 كتابه المعروف باسم «أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة المقبلة»، ويبدو أن دالته على الفكر اليهودي والصهيوني بنوع خاص، قد مهدت له الطريق الفكري لاقتباس طرح «الجيتو اليهودي» التاريخي ليضحى حاضراً إسلامياً في أوروبا، ذلك أنه روّج لفكرة إنشاء مجتمع منفصل لمسلمي الغرب، أطلق عليه مصطلح «الجيتو المسلم في الغرب».
واعتُبر كتاب القرضاوي «الدستور الإخواني الجديد في الغرب»، وقد بلوره الشيخ الإخواني النافذ، للبناء على الرصيد الذي راكمته الأجيال الإخوانية السابقة وبخاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما مكّن للجميع العمل بشكل أفقي في القارة الأوروبية من خلال إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي اتخذ من بريطانيا مقراً مؤقتاً له.
ولم يتوقف هذا الاتحاد عند حدود الدول الأوروبية القديمة التي وُجد بها تاريخياً، بل تمدد إلى أكثر من 18 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وعند البروفسور «دحروج» النشاط الأكثر خطورة في أداء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا إقدامه على تأميم فضاء الفتوى في القارة من خلال إنشاء المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي يرأسه القرضاوي وتأسس عام 1996 في العاصمة الآيرلندية دبلن، ويعد إحدى الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقي لجماعة الإخوان في أوروبا.
السؤال الفصل: كيف تركت أوروبا مثل هذه القوى تنمو على أراضيها، وخبراؤها يدركون الأبعاد الظلامية الحقيقية لمحتواها الآيديولوجي... وهل حان أوان انكشاف المستور؟
ومع السنوات السبع الماضية وما عاشته دول الشرق الأوسط من اضطرابات وقلاقل من جراء فصيل «الإخوان» ومن لفّ لفهم، ناهيك بالطامة الكبرى التي تمثلت في ظهور «داعش»، بات جلياً أن الأوروبيين يراجعون أوراقهم ويعيدون تقييم أحوال الإخوان على أراضيهم وفي مقدمتهم الألمان والبريطانيون بنوع خاص.
إحدى أهم آليات المراجعة الألمانية وجدنا أخبارها في الفترة الأخيرة لدى مشروع «كلاريون» الأميركي، المتخصص في شؤون مكافحة التطرف، ورغم أنه أميركي، فإنه قد أخضع إخوان أوروبا لدراسة تمحيصية عالية الجدوى، وذلك بالتعاطي مع وكالة الاستخبارات الألمانية، والنتيجة التي توصل إليها الألمان هي أن «الإخوان المسلمين تنظيم مخادع ومتطرف، يُظهر ما لا يبطن، ويقول علناً ما يخالف إيمانه وعقيدته السرية».
لدى الألمان «رجال» من المفكرين المهرة عميقي البحث والتنقيب في تاريخ الإخوان المسلمين منذ البدايات، ولديهم «المرجعيات» المتمثلة في المعاهد البحثية والدراسية المتخصصة، ولذلك كان من اليسير على مكتب حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية) أن يرصد بقلق تزايداً ملحوظاً في نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» داخل ولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا، وأن يعلن رئيس الهيئة المحلي بالولاية «جورديان ماير - بلات» أن جماعة «الإخوان المسلمين» استغلت عبر منظمات مثل الجمعية الثقافية (ملتقى ساكسونيا) نقص دور العبارة للمسلمين الذين قدموا إلى ساكسونيا كلاجئين، لتوسيع هياكلها، ونشر تصورها عن الإسلام السياسي.
وتخلْص الاستخبارات الألمانية إلى أن المؤسسات العاملة على أرضيها والتابعة للجماعة الإسلامية ليست إلا واجهة لـ«الإخوان» المسلمين في ألمانيا، وأنها وإن كانت تقوّم نفسها كمنظمات وجمعيات معتدلة تشجع على الحوار، إلا أنها تخفي أهدافها الحقيقية في ألمانيا والغرب، إذ هي ترفض قيماً رئيسية في النظام الديمقراطي الحر مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين.

بريطانيا و{الإخوان}... فراق أم اتفاق؟
وأخيراً، تبقى العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين واحدة من أكثر العلاقات غموضاً بين دولة كبرى كانت إمبراطورية وبين جماعة سرية، وليس سراً أن البريطانيين دعموا الإخوان في نشأتهم وربما كانوا هم المنشئ الأصلي، وهذا حديث يطول... لكن ماذا عن اللحظة الآنيّة، وهل تغير موقف بريطانيا من الإخوان أم أن الأمر يدخل في باب المناورة والمداورة؟ ومع الوحشية التي اتسم بها «داعش» بنوع خاص، والتي هي وليدة «القاعدة» التي بدورها نتاج لفكر الإخوان، أمر رئيس الوزراء البريطاني وقتها (2014) «ديفيد كاميرون» بإجراء تحقيق حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بحركات الإرهاب حول العالم عامة، وفي أوروبا بنوع خاص، وبعد نحو 20 شهراً من البحث والتحري والمتابعة المحققة والمدققة خلص القائمون على التحقيق إلى أن «الانتماء إلى الإخوان المسلمين بداية الطريق نحو التطرف». لكن العمليات الإرهابية التي شهدتها بريطانيا منذ ذلك الوقت و4 منها جرت عام 2017، وراح ضحيتها نحو 40 مواطناً ومقيماً، جعلت العيون والعقول تنفتح من جديد على حقيقة المشهد الإخواني في الداخل البريطاني.
وفي الأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، «أليستر بيرت»، يكتب عن نية الحكومة البريطانية تغيير سياستها في مكافحة الإرهاب والتضييق على الجماعات المتطرفة ومنها «الإخوان المسلمين».
ولاحقاً رأينا أصواتاً بريطانية نافذة توجه نصالاً حادة إلى قلب الإخوان في بريطانيا، أصوات مثل «الكولونيل تيم كولنز» مؤسس منظمة «نيوسينشرى» لمكافحة الإرهاب، والذي أشار إلى أن أفراد الإخوان في بلاده «يستخدمون جمعيات ومؤسسات تعطيهم نفوذاً وحجماً أكبر من حقيقتهم، وأنهم تنظيم يستغل الدين لأغراض سياسية ويسعى لإقامة دولتهم دون احترام للمكونات الأخرى»، كما فجر «كولنز» الحقائق الخطيرة بالنسبة إلى الأوروبيين، والمتمثلة في أن تنظيم الإخوان يستطيع أن يلعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين في الغرب، ويقوم بتحويلهم إلى أشخاص خطيرين ومستعدين للقيام بأعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة في الغرب.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.