حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

هجمات على كابل من «طالبان» وأخرى عبر «داعش»

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

في حرب تنافسية ما بين التنظيمات المتطرفة، تتوالى الضربات على مدينة كابل وما حولها، تتلقى العاصمة الهجمات تارةً من حركة طالبان وتارة أخرى عبر تنظيم داعش بفرعه الأفغاني، كل تنظيم يسعى من أجل الحصول على أكبر مساحة من الأراضي الأفغانية التي صنفها تقرير للأمم المتحدة بأنها لا تزال واحدة من أخطر وأعنف بلدان العالم التي تعصف بها الأزمات.
وشكّل ازدهار نشاط تنظيم داعش، على الرغم من حداثة عهده في النطاق الجغرافي لأفغانستان، تهديداً وجودياً أزّم حركة طالبان، لا سيما أن التنظيم تمكّن من جذب عدد من المجموعات المحسوبة على حركة طالبان، بالإضافة إلى نقله شراسته المتعارف عليها في العراق وسوريا إلى كابل وما وراءها من خلال تنفيذ هجمات إرهابية عديدة. الأمر الذي أدّى إلى ما يشبه التسابق ما بين الجهتين وتوسيع لنطاق الهجمات بشكلٍ عام لتستهدف من خلال هجماتها الجهات الأمنية والمناطق الدبلوماسية والمساجد.
وتبنّت حركة طالبان مؤخراً هجوماً مسلحاً استهدف فندق إنتركونتيننتال مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً من بينهم 4 أميركيين. وتضمنت الرسالة المباشرة التي تم الكشف عنها ما يشي برغبة في تسليط الضوء على السياسات الأميركية الصارمة حيالها وتهديد السلطات الأميركية في حال استمرّت على ذات النهج، إذ صرّحت حركة طالبان بأن: «الهجومين رسالة إلى ترمب بأن سياسته العدوانية لا تجدي». إلا أن سياق الأحداث يؤكّد أن تكثيف الهجمات يبطن استماتة في محاولة لإثبات استمرارية حركة طالبان والنجاح في اعتبارها القطب الوحيد والتنظيم المتطرف الأكثر سيطرة على الساحة الأفغانية. لا سيما أن القوات الأميركية سعت جاهدة لأن توجّه ضرباتها إلى حركة طالبان مما قوّض من قوّتها.

التهديد الأميركي لحركة طالبان
توالت الضغوط الناجمة عن استهداف القوات الأميركية لحركة طالبان في الآونة الأخيرة، على اعتبار أن حركة طالبان تحمل تهديداً أمنياً للعالم، فبالتالي صوّغت الجهات الأمنية الأميركية سياسة الحرب الاستباقية الموجهة إلى «طالبان»، على أساس أنْ لا سبيل للتوصل إلى مهادنة معها. مما دفعها إلى التركيز على الضربات العسكرية بهدف تقويض قوتها، بالأخص في ظل وجودها في منطقة منعدمة الاستقرار أمدتها بقدرات تتيح لها تنفيذ تطلعاتها التخريبية. الأمر الذي أثار القلق الأميركي من احتمال نقل الاضطرابات السياسية وأعمال العنف إلى مناطق أخرى، وقد عزّز من قوة حركة طالبان وجودها في المنطقة منذ فترة التسعينات في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفياتي السابق مما أعطاها ما يوحي بشرعيتها في أفغانستان. بالأخص في ظل مرور الدولة بما يعد اضطراباً سياسياً منذ إطاحة الولايات المتحدة بنظام «طالبان» في عام 2001 نتيجة دعمه لتنظيم القاعدة. وتمكنت حركة طالبان من الصمود واستمرارية سيطرتها على مناطق عديدة في أفغانستان. وقد سعت الحكومة الأفغانية في أحايين عديدة للخوض في مفاوضات مع «طالبان» من أجل إيقاف العنف.
وقد يكون قرار الرئيس الأميركي ترمب استبقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وتكثيفها الهجوم على حركة طالبان بغارات عسكرية في الآونة الأخيرة، أشبه بامتداد للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على «طالبان» منذ مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقد اتخذت ذات النهج الذي قضت فيه على أماكن نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا. وقد تضمنت الهجمات الأميركية على «طالبان» استهدافاً لمراكز تدريبهم مثل ما حدث مؤخراً في ولاية بداخشتان القريبة من المناطق الحدودية مع الصين وطاجيكستان. إضافة إلى شن غارات جوية متتالية للقضاء على أكبر قدر من أعضاء الحركة. وقد أفضى ذلك إلى مقتل زعيم تنظيم الدولة عبد الحسيب في عملية مشتركة للقوات الأفغانية والأميركية، ومن قبله حفيظ سعيد خان الذي قُتل هو الآخر من خلال غارة أميركية جوية. ذلك الاستهداف أدّى إلى شروع حركة طالبان بتنفيذ هجمات إرهابية متوالية تستهدف كل ما يتعلق بالمصالح الأميركية، من أجل تنفيذ وعيد «طالبان» من جهتها بجعل أفغانستان مقبرة للأميركيين في حال عدم انسحابهم.
ولا يعدّ الوجود الداعشي في منطقة أفغانستان جديداً، إذ يعود سعي التنظيم إلى التغلغل في المنطقة إلى عام 2015، حين تم إنشاء تنظيم الدولة في خراسان بهدف مد نفوذه في كل من أفغانستان وباكستان. ويؤكد ذلك مدى براغماتية التنظيم، إذ إنه في ذلك العام لم يمنعه سعيه لتكوين خلافة داعشية في منطقة أخرى من مساعيه في جعل منطقة أفغانستان امتداداً لنفوذه. وقد أرسلت حركة طالبان فور بدء تنظيم داعش مساعيه في أفغانستان، خطاباً حمل توقيع الملا مختار منصور رئيس اللجنة السياسية في «طالبان»، من أجل حث تنظيم داعش على الكف عن تجنيد المقاتلين في أفغانستان، وقد شدّد فيه على أن أفغانستان لا تتسع إلا لعَلَم واحد وقيادة واحدة للقتال. مما يعكس مدى قلق حركة طالبان حيال الوجود الداعشي الجديد في المنطقة، خصوصاً أن ذلك أدى إلى انقسام مجموعات متطرفة كانت مناصرة لحركة طالبان، وذلك من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش، وذلك على الرغم من قلة أعضائه وحداثة عهده وافتقاره إلى التاريخ القديم في القتال في المنطقة على غرار حركة طالبان وتنظيم القاعدة، الذي سهّل لـ«طالبان» إمكانية الحصول على مناصرين في مناطق عديدة في أفغانستان. وقد كان ضعف الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان للحركة فرصة لإقناع العديد من الأفغان بأنها الحل الوحيد من أجل إعادة البلاد إلى عهدها السابق. وإعدادهم من خلال التدريب العسكري والآيديولوجي في معسكرات تدريب تابعة لهم، استغلت توعّر المناطق الجبلية في أفغانستان من أجل تحويل أي حرب إلى ما هو أشبه بحرب عصابات يصعب استهدافهم من خلالها.

أسباب التغلغل {الداعشي}
وعلى الرغم من انبثاق منهجية حركة طالبان في استقطابها للمناصرين من مبدأ اللُّحمة الوطنية والعودة بالتاريخ لفترة عهدهم، من أجل إثبات أن حراكهم وحده يعدّ أفضل حل للبلاد مما يحتم أهمية استعادتهم لحكم البلاد، فإن تنظيم داعش من جهة أخرى يسعى إلى قولبة تنظيمه بمظهر يشدد فيه على عدم اكتراثه بأصول وأعراق مناصريه وتوجهاتهم السابقة، وإنما يسعى بأسلوب جماهيري لاستقطاب كل الجنسيات على النهج الذي اتخذه من قبل في كلٍّ من سوريا والعراق وأدّى إلى تهافت المتطرفين على تلك المنطقة، بينما يستقطب تنظيم داعش في أفغانستان مقاتلين من دول مجاورة مثل أوزبكستان وطاجيكستان دون تمييز عنصري ما بين أعضائه. فكل من يتبنى فكر التنظيم ويعلن ولاءه له يتم الترحيب به، بغض النظر عن أي أمر آخر. بينما يعد كل من يخالف مبادئهم عدواً لهم، وقد استفاد تنظيم داعش من تصعيد الخلاف بين الطوائف الدينية المختلفة كما حدث في كلٍّ من العراق وسوريا، وذلك أحد أهم مسببات انقسام التنظيم عن «القاعدة»، وإن كانت أفغانستان لا تحوي نسبة كبيرة من الشيعة، إلا أن وجودهم أعطى الفرصة لأن يشن التنظيم عدداً من الهجمات التي استهدفت الشيعة في أفغانستان ومساجدهم وأماكن تجمعهم، والتي بإمكانها أن تستجلب أعضاء ينضمون إليهم بغرض التهجّم على الأقليات الدينية أو المذهبية، مما يكوّن للتنظيم حيّزاً جديداً يحوي مناصرين جدداً يرحّبون بهم، وذلك يعد مهماً، إذ يتيح لأعضائه فرصة الانتقال إلى منطقة ينعدم فيها الأمن للاستقرار فيها والتمكن من السيطرة على جزء منها، ليتم اعتبارها بديلاً بعد أن تبدّدت فرصة تحقيق «داعش» استراتيجيته السابقة المتضمنة إنشاء خلافة داعشية في العراق وسوريا.
وعلى الرغم من اختلاف طبيعة التضاريس في أفغانستان التي تتميز بوعورة جبالها، إذ قد يشكّل ذلك إرباكاً للتنظيم لعدم فهمه طرق التخفي وحماية أنفسهم، فإن التنظيم تمكن من التغلغل والوصول إلى جماعات انضمت إليه وتركت حركة طالبان. ويعد ذلك مفصلياً بالنسبة إلى «داعش»، إذ لا بد من الاعتماد على السكّان الأصليين هناك من أجل مدّهم بالمعرفة بجغرافية البلاد وطباع سكّانه، وطرق كسب ودّهم، لا سيما أن المناطق الجبلية إنْ تم فهم سبلها تسهّل على المتطرفين التخفي، مما يصعّب الوصول إليهم. ويَظهر مبلغ تمكُّن تنظيم داعش في أفغانستان، من قدرته على السيطرة على أراضي تورا بورا الحدودية في إقليم ننكرهار، وقد اشتهرت أراضيها فيما قبل باحتضانها قائد تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
جميع تلك الحيثيات دفعت بحركة طالبان إلى الشعور بتعرضها للضغوط من أجل التعجل بالقيام بهجمات الإرهابية، والسعي في الكشف عن مدى قوة السلطات الأفغانية من جهة، ولمحاولة إثبات أنها لا تزال في أوج قوتها ولم تفقد القدرة على التصعيد، لا سيما في ظل وجود القوات الأميركية المستهدفة لها، إضافة إلى تنافس تنظيم داعش في محاولة إبراز حضوره في الساحة، وهو بالفعل يشكّل خطورة على أفغانستان، بل قد يؤدي الأمر إلى انتقال خطورتها إلى باكستان والدول المجاورة مثل الهند وإيران. خصوصاً أن الفكر الداعشي يَعتبر كل من يخالفه كافراً لا بد من محاربته.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».