حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

هجمات على كابل من «طالبان» وأخرى عبر «داعش»

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

في حرب تنافسية ما بين التنظيمات المتطرفة، تتوالى الضربات على مدينة كابل وما حولها، تتلقى العاصمة الهجمات تارةً من حركة طالبان وتارة أخرى عبر تنظيم داعش بفرعه الأفغاني، كل تنظيم يسعى من أجل الحصول على أكبر مساحة من الأراضي الأفغانية التي صنفها تقرير للأمم المتحدة بأنها لا تزال واحدة من أخطر وأعنف بلدان العالم التي تعصف بها الأزمات.
وشكّل ازدهار نشاط تنظيم داعش، على الرغم من حداثة عهده في النطاق الجغرافي لأفغانستان، تهديداً وجودياً أزّم حركة طالبان، لا سيما أن التنظيم تمكّن من جذب عدد من المجموعات المحسوبة على حركة طالبان، بالإضافة إلى نقله شراسته المتعارف عليها في العراق وسوريا إلى كابل وما وراءها من خلال تنفيذ هجمات إرهابية عديدة. الأمر الذي أدّى إلى ما يشبه التسابق ما بين الجهتين وتوسيع لنطاق الهجمات بشكلٍ عام لتستهدف من خلال هجماتها الجهات الأمنية والمناطق الدبلوماسية والمساجد.
وتبنّت حركة طالبان مؤخراً هجوماً مسلحاً استهدف فندق إنتركونتيننتال مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً من بينهم 4 أميركيين. وتضمنت الرسالة المباشرة التي تم الكشف عنها ما يشي برغبة في تسليط الضوء على السياسات الأميركية الصارمة حيالها وتهديد السلطات الأميركية في حال استمرّت على ذات النهج، إذ صرّحت حركة طالبان بأن: «الهجومين رسالة إلى ترمب بأن سياسته العدوانية لا تجدي». إلا أن سياق الأحداث يؤكّد أن تكثيف الهجمات يبطن استماتة في محاولة لإثبات استمرارية حركة طالبان والنجاح في اعتبارها القطب الوحيد والتنظيم المتطرف الأكثر سيطرة على الساحة الأفغانية. لا سيما أن القوات الأميركية سعت جاهدة لأن توجّه ضرباتها إلى حركة طالبان مما قوّض من قوّتها.

التهديد الأميركي لحركة طالبان
توالت الضغوط الناجمة عن استهداف القوات الأميركية لحركة طالبان في الآونة الأخيرة، على اعتبار أن حركة طالبان تحمل تهديداً أمنياً للعالم، فبالتالي صوّغت الجهات الأمنية الأميركية سياسة الحرب الاستباقية الموجهة إلى «طالبان»، على أساس أنْ لا سبيل للتوصل إلى مهادنة معها. مما دفعها إلى التركيز على الضربات العسكرية بهدف تقويض قوتها، بالأخص في ظل وجودها في منطقة منعدمة الاستقرار أمدتها بقدرات تتيح لها تنفيذ تطلعاتها التخريبية. الأمر الذي أثار القلق الأميركي من احتمال نقل الاضطرابات السياسية وأعمال العنف إلى مناطق أخرى، وقد عزّز من قوة حركة طالبان وجودها في المنطقة منذ فترة التسعينات في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفياتي السابق مما أعطاها ما يوحي بشرعيتها في أفغانستان. بالأخص في ظل مرور الدولة بما يعد اضطراباً سياسياً منذ إطاحة الولايات المتحدة بنظام «طالبان» في عام 2001 نتيجة دعمه لتنظيم القاعدة. وتمكنت حركة طالبان من الصمود واستمرارية سيطرتها على مناطق عديدة في أفغانستان. وقد سعت الحكومة الأفغانية في أحايين عديدة للخوض في مفاوضات مع «طالبان» من أجل إيقاف العنف.
وقد يكون قرار الرئيس الأميركي ترمب استبقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وتكثيفها الهجوم على حركة طالبان بغارات عسكرية في الآونة الأخيرة، أشبه بامتداد للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على «طالبان» منذ مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقد اتخذت ذات النهج الذي قضت فيه على أماكن نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا. وقد تضمنت الهجمات الأميركية على «طالبان» استهدافاً لمراكز تدريبهم مثل ما حدث مؤخراً في ولاية بداخشتان القريبة من المناطق الحدودية مع الصين وطاجيكستان. إضافة إلى شن غارات جوية متتالية للقضاء على أكبر قدر من أعضاء الحركة. وقد أفضى ذلك إلى مقتل زعيم تنظيم الدولة عبد الحسيب في عملية مشتركة للقوات الأفغانية والأميركية، ومن قبله حفيظ سعيد خان الذي قُتل هو الآخر من خلال غارة أميركية جوية. ذلك الاستهداف أدّى إلى شروع حركة طالبان بتنفيذ هجمات إرهابية متوالية تستهدف كل ما يتعلق بالمصالح الأميركية، من أجل تنفيذ وعيد «طالبان» من جهتها بجعل أفغانستان مقبرة للأميركيين في حال عدم انسحابهم.
ولا يعدّ الوجود الداعشي في منطقة أفغانستان جديداً، إذ يعود سعي التنظيم إلى التغلغل في المنطقة إلى عام 2015، حين تم إنشاء تنظيم الدولة في خراسان بهدف مد نفوذه في كل من أفغانستان وباكستان. ويؤكد ذلك مدى براغماتية التنظيم، إذ إنه في ذلك العام لم يمنعه سعيه لتكوين خلافة داعشية في منطقة أخرى من مساعيه في جعل منطقة أفغانستان امتداداً لنفوذه. وقد أرسلت حركة طالبان فور بدء تنظيم داعش مساعيه في أفغانستان، خطاباً حمل توقيع الملا مختار منصور رئيس اللجنة السياسية في «طالبان»، من أجل حث تنظيم داعش على الكف عن تجنيد المقاتلين في أفغانستان، وقد شدّد فيه على أن أفغانستان لا تتسع إلا لعَلَم واحد وقيادة واحدة للقتال. مما يعكس مدى قلق حركة طالبان حيال الوجود الداعشي الجديد في المنطقة، خصوصاً أن ذلك أدى إلى انقسام مجموعات متطرفة كانت مناصرة لحركة طالبان، وذلك من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش، وذلك على الرغم من قلة أعضائه وحداثة عهده وافتقاره إلى التاريخ القديم في القتال في المنطقة على غرار حركة طالبان وتنظيم القاعدة، الذي سهّل لـ«طالبان» إمكانية الحصول على مناصرين في مناطق عديدة في أفغانستان. وقد كان ضعف الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان للحركة فرصة لإقناع العديد من الأفغان بأنها الحل الوحيد من أجل إعادة البلاد إلى عهدها السابق. وإعدادهم من خلال التدريب العسكري والآيديولوجي في معسكرات تدريب تابعة لهم، استغلت توعّر المناطق الجبلية في أفغانستان من أجل تحويل أي حرب إلى ما هو أشبه بحرب عصابات يصعب استهدافهم من خلالها.

أسباب التغلغل {الداعشي}
وعلى الرغم من انبثاق منهجية حركة طالبان في استقطابها للمناصرين من مبدأ اللُّحمة الوطنية والعودة بالتاريخ لفترة عهدهم، من أجل إثبات أن حراكهم وحده يعدّ أفضل حل للبلاد مما يحتم أهمية استعادتهم لحكم البلاد، فإن تنظيم داعش من جهة أخرى يسعى إلى قولبة تنظيمه بمظهر يشدد فيه على عدم اكتراثه بأصول وأعراق مناصريه وتوجهاتهم السابقة، وإنما يسعى بأسلوب جماهيري لاستقطاب كل الجنسيات على النهج الذي اتخذه من قبل في كلٍّ من سوريا والعراق وأدّى إلى تهافت المتطرفين على تلك المنطقة، بينما يستقطب تنظيم داعش في أفغانستان مقاتلين من دول مجاورة مثل أوزبكستان وطاجيكستان دون تمييز عنصري ما بين أعضائه. فكل من يتبنى فكر التنظيم ويعلن ولاءه له يتم الترحيب به، بغض النظر عن أي أمر آخر. بينما يعد كل من يخالف مبادئهم عدواً لهم، وقد استفاد تنظيم داعش من تصعيد الخلاف بين الطوائف الدينية المختلفة كما حدث في كلٍّ من العراق وسوريا، وذلك أحد أهم مسببات انقسام التنظيم عن «القاعدة»، وإن كانت أفغانستان لا تحوي نسبة كبيرة من الشيعة، إلا أن وجودهم أعطى الفرصة لأن يشن التنظيم عدداً من الهجمات التي استهدفت الشيعة في أفغانستان ومساجدهم وأماكن تجمعهم، والتي بإمكانها أن تستجلب أعضاء ينضمون إليهم بغرض التهجّم على الأقليات الدينية أو المذهبية، مما يكوّن للتنظيم حيّزاً جديداً يحوي مناصرين جدداً يرحّبون بهم، وذلك يعد مهماً، إذ يتيح لأعضائه فرصة الانتقال إلى منطقة ينعدم فيها الأمن للاستقرار فيها والتمكن من السيطرة على جزء منها، ليتم اعتبارها بديلاً بعد أن تبدّدت فرصة تحقيق «داعش» استراتيجيته السابقة المتضمنة إنشاء خلافة داعشية في العراق وسوريا.
وعلى الرغم من اختلاف طبيعة التضاريس في أفغانستان التي تتميز بوعورة جبالها، إذ قد يشكّل ذلك إرباكاً للتنظيم لعدم فهمه طرق التخفي وحماية أنفسهم، فإن التنظيم تمكن من التغلغل والوصول إلى جماعات انضمت إليه وتركت حركة طالبان. ويعد ذلك مفصلياً بالنسبة إلى «داعش»، إذ لا بد من الاعتماد على السكّان الأصليين هناك من أجل مدّهم بالمعرفة بجغرافية البلاد وطباع سكّانه، وطرق كسب ودّهم، لا سيما أن المناطق الجبلية إنْ تم فهم سبلها تسهّل على المتطرفين التخفي، مما يصعّب الوصول إليهم. ويَظهر مبلغ تمكُّن تنظيم داعش في أفغانستان، من قدرته على السيطرة على أراضي تورا بورا الحدودية في إقليم ننكرهار، وقد اشتهرت أراضيها فيما قبل باحتضانها قائد تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
جميع تلك الحيثيات دفعت بحركة طالبان إلى الشعور بتعرضها للضغوط من أجل التعجل بالقيام بهجمات الإرهابية، والسعي في الكشف عن مدى قوة السلطات الأفغانية من جهة، ولمحاولة إثبات أنها لا تزال في أوج قوتها ولم تفقد القدرة على التصعيد، لا سيما في ظل وجود القوات الأميركية المستهدفة لها، إضافة إلى تنافس تنظيم داعش في محاولة إبراز حضوره في الساحة، وهو بالفعل يشكّل خطورة على أفغانستان، بل قد يؤدي الأمر إلى انتقال خطورتها إلى باكستان والدول المجاورة مثل الهند وإيران. خصوصاً أن الفكر الداعشي يَعتبر كل من يخالفه كافراً لا بد من محاربته.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.