الخطاط الباكستاني رشيد بت.. أعماله قدمت هدايا لأكثر من 20 رئيس دولة

يكتب الآيات القرآنية وينسج الشعر العربي والفارسي والأوردي

رشيد بت منحه الرئيس الباكستاني عام 1989 جائزة «فخر الأداء»، و من أعمال الخطاط
رشيد بت منحه الرئيس الباكستاني عام 1989 جائزة «فخر الأداء»، و من أعمال الخطاط
TT

الخطاط الباكستاني رشيد بت.. أعماله قدمت هدايا لأكثر من 20 رئيس دولة

رشيد بت منحه الرئيس الباكستاني عام 1989 جائزة «فخر الأداء»، و من أعمال الخطاط
رشيد بت منحه الرئيس الباكستاني عام 1989 جائزة «فخر الأداء»، و من أعمال الخطاط

يعتقد الخطاط الأول في باكستان رشيد بت أنه يتمتع ببركة ونعمة هائلة من الله، وقال في مقابلة حصرية لـ«الشرق الأوسط» من منزله في إسلام آباد: «أنعم الله علي بكل شيء، لأن من عملي قراءة وكتابة اسم الجلالة، عملي قراءة القرآن الكريم والحديث الشريف وكتابتهم، يباركني الله لأني أكتب اسمه دائما في أعمالي».
ورشيد بت خطاط مشهور عالميا بدأ كتابة الخط عام 1961 في صحيفة. وكانت الصحف في ذلك الوقت تكتب باليد قبل طباعتها على الماكينة. ويضيف رشيد: «بدأت عملي في صحيفة بلغة الأوردو في روالبندي، ثم انتقلت للعمل مع التلفزيون الباكستاني.. تأسرني تلك الرسالة الخالدة الآسرة للقرآن الكريم والسنة النبوية، وأشعر بالفخر الكبير عندما أعلم أن يدي هي آلة تكتب تعابير مدهشة من هذه الرسالة الإلهية، كما أشعر بالفخر لأن الله أنعم علي بهذه الفرصة لنشر هذه الرسالة للناس عبر العالم. إن عملي في الخط الإسلامي هو قدري ومصيري الذي كرست له كل حياتي».
وعرض رشيد بت أعماله في معارض طافت جميع أنحاء العالم وتوجد الكثير من أعماله في المتاحف وضمن المقتنيات الخاصة وفي البرلمان الباكستاني ومؤسسة الفرقان بالمملكة المتحدة وكلية أغا خان الطبية ومستشفى وبوابة مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية.
وكلف رئيس الوزراء الباكستاني رشيد بت بتنفيذ أعمال لا تضاهى من الخط الإسلامي قدمت هدايا لأكثر من 20 رئيس دولة في مهام رسمية. وثمّن الرئيس الباكستاني إنجازات رشيد بت وأهداه جائزة «فخر الأداء» عام 1989، وهي أرفع جائزة مدنية في باكستان. واختير رشيد واحدا من الحكام لمنافسة عالمية للخط نظمها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول بتركيا، وعضو تحكيم كذلك للمنافسة العالمية للخط التي نظمتها حكومة الجزائر عام 2009. وعمل رشيد على نشر فن الخط الإسلامي وله طلاب من كل أنحاء العالم.
بدأ رشيد تدريس الخط الإسلامي في التلفزيون الوطني من خلال تقديم برنامج أسبوعي. وعمل أمينا كذلك لمعارض وطنية وعالمية للخط الإسلامي. وواصل تدريسه بصفته محاضرا بالكلية الوطنية للفنون وجامعة فاطمة جناح النسائية في باكستان.
ويقول رشيد إن الحدث الذي منحه أكبر الفخر في تاريخه المهني هو عندما كرمه حاكم إمارة الشارقة سلطان القاسمي في 2 أبريل (نيسان) ومنحه «درع التميز». ويضيف: «اختارت حكومة الشارقة ثلاثة خطاطين، واحدا من مصر وواحدا من العراق وواحدا من باكستان». وقال رشيد: «إن الناس كانوا ينظرون إلى الخطاطين بدونية من قبل، إلا أن هذه النظرة تغيرت بعد أن بدأ الناس والحكومات يعترفون بالخط شكلا عظيما من أشكال الفنون أتانا جزءا من التراث الإسلامي».
«بدأ المسلمون في جميع أنحاء العالم يعودون بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) إلى هويتهم، ولاحظت هذا التغير على امتداد المجتمعات المسلمة في العالم، فأينما ذهبت رأيت الناس يزينون جدران بيوتهم بالخط، وحتى في العالم العربي بدأ الملوك والأمراء يهتمون اهتماما كبيرا بالخط».
وقال رشيد إنه تلقى طلبات كثيرة خلال السنوات الخمس الأخيرة لأعماله من باكستان وغيرها حتى إنه لا يجد ما يكفي من وقت لتلبية جميع تلك الطلبات.
وإضافة إلى كتابة القرآن الكريم والحديث الشريف، وهي أكثر مواضيعه، فهو يكتب أيضا الشعر العربي والفارسي والأوردي. ويكن رشيد تقديرا كبيرا لخطاط باكستان الأسطوري صادقين، ويقول عنه: «أحبه وأحب أعماله، ولكنه ليس خطاطا بل هو رسام». ويمثل صادقين خلافا في الفن الباكستاني لاستخدامه الأشكال البشرية في أعماله من الخط. ويقول رشيد إن صادقين استخدم الخط في رسمه وإنه لا يستخدم الأشكال البشرية لأسباب دينية.
وتشغل رشيد أعماله حاليا، بحيث لا يجد وقتا لنشاط أكاديمي رسمي. ويقول إنه كان يدرس قبل عدة سنوات في الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد وجامعة فاطمة جناح والكلية الوطنية للفنون. ويقول إن لديه حاليا حلقة من الطلاب يأتون إلى مرسمه ليتعلموا تقنيات الخط لكنه لا يدرس رسميا في أي مكان حاليا، ويختم قائلا: «أهدت حكومة باكستان أعمالي إلى رؤساء 25 دولة خلال السنوات الخمس الماضية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».