الاستثناءات من العفو تغضب الموقوفين الإسلاميين وتهدد بالتصعيد

بين المستفيدين من القانون ملاحقون بجرائم اتجار بالمخدرات وعصابات خطف

TT

الاستثناءات من العفو تغضب الموقوفين الإسلاميين وتهدد بالتصعيد

عاد قانون العفو العام، الذي يرجّح صدوره في لبنان خلال الأشهر المقبلة، إلى الواجهة، غداة تعهد رئيس الحكومة سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري (الأربعاء الماضي)، بصدور عفو عام «لا يشمل من تلطّخت أيديهم بالدماء»، غير أن العفو الذي يبقى حلماً يراود آلاف السجناء والموقوفين، وعشرات آلاف المطاردين بأحكام ومذكرات توقيف غيابية، تحوّل هاجساً لدى الموقوفين الإسلاميين، الذين انتابهم القلق من مضمون كلام الحريري، ويشعرون أن أسماءهم ليست مدرجة في هذا القانون، مع تلويح واضح بالعودة إلى الشارع والتصعيد في كل المناطق اللبنانية، رداً على ما وصفوها بـ«الاستنسابية» في تطبيق القانون.
ولا يزال كلام الحريري يتفاعل لدى عائلات الموقوفين، خصوصاً أن أي توضيح لم يصدر عن رئيس الحكومة وفريق عمله حتى الآن، وقد أوضح أحد أعضاء لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما صدر عن رئيس الحكومة خلق التباساً كبيراً، وشوّش أفكار الأهالي الموقوفين، الذين طالما راهنوا عليه لإنصاف أبنائهم». وأكد عضو اللجنة، الذي رفض ذكر اسمه، أن «الحديث عن عفو لا يشمل من تلطخت أيدهم بالدماء، هو (كلام حقّ يراد منه باطل)، ويبدو أن العفو قائم على الانتقائية، بحيث تحرم منه أكثرية الموقوفين الإسلاميين، الذين صدرت بحقهم أحكام سياسية عن القضاء العسكري، أما المحظيون من القانون فهم تجّار المخدرات، وعصابات الخطف والسطو وترويع الناس وعملاء إسرائيل».
موقف الحريري الذي ينطوي على تفسيرات كثيرة، دفع المتابعين لملف الموقوفين الإسلاميين إلى التحرّك على أكثر من خطّ، ومقابلة أحد المستشارين القانونيين للحريري، لكنّ ما سمعوه من المستشار لم يبدد هواجسهم، حسب تعبير المحامي محمد صبلوح، وكيل الدفاع عن عدد كبير من هؤلاء الموقوفين الإسلاميين، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «العنوان الذي طرحه الحريري فضفاض جداً، لأن المئات من الموقوفين الإسلاميين اعتقلوا عشوائياً، وجرى الادعاء عليهم بجرائم الإرهاب وقتال الجيش اللبناني وتجري محاكمتهم من دون دليل»، مذكراً بأن «تجار المخدرات يظهرون عبر وسائل الإعلام وهم مدججون بالسلاح ويتحدون الدولة، وينصبون الكمائن للجيش والقوى الأمنية، ويقتلون عناصره، وهم أول المستفيدين من العفو».
ومن المتوقع أن يشمل قانون العفو العتيد آلاف السجناء والموقوفين والفارين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف غيابية، على أن يكون متوازناً بين كلّ الطوائف، إذ إن هناك ما بين 1200 و1300 موقوف إسلامي، بينهم 700 لبناني، غالبيتهم من السنة، مقابل 4859 من المسيحيين الذين لجأوا إلى إسرائيل مع عائلاتهم بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، بالإضافة إلى 31 ألف شخص من الملاحقين بجرائم الاتجار بالمخدرات وتصنيعها وتهريبها وعصابات خطف وسطو مسلّح وسرقة سيارات وغيرها، وهؤلاء أغلبهم من أبناء الطائفة الشيعية.
وتعبيراً عن حالة الامتعاض لما تتجه إليه الأمور، لفت المحامي صبلوح إلى أن «السنة هم الأقل عدداً والأكثر ظلماً، لأنهم موقوفون وقيد المحاكمة، والعفو يفترض أن يشمل السجناء والموقوفين، وليس مرتكبي الجرائم الذين يسرحون ويمرحون». وقال: «نفضّل عدم صدور قانون للعفو إذا كان يعتمد معيار الاستنسابية والانتقائية، وهذا سيضرّ الرئيس الحريري شخصياً». وسأل: «هل يعقل أن يستثني العفو ملف أحداث عبرا (صيدا ــ جنوب لبنان)، وكلّ اللبنانيين يعرفون من تسبب بمعركة عبرا (اتهام عناصر من حزب الله بإطلاق النار على الجيش، ما تسبب بفتح معركة مع أنصار الشيخ أحمد الأسير)، وهم ظهروا بصور الفيديو ولم يحاسبهم أحد».
من جهته، اعتبر رئيس لجنة الإشراف والرقابة في «تيار المستقبل» المحامي محمد مراد، أن «مفهوم العفو العام لا يشترط أن يكون عفواً شاملاً، لأن كل قوانين العفو التي صدرت سابقاً كانت فيها استثناءات»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما قصده الرئيس الحريري عن استثناء من تلطخت أيديهم بالدماء، هم من ثبت بالدليل القاطع ضلوعهم في قتل الناس، أو اشتركوا فعلياً بالمعارك ضدّ الجيش اللبناني، وكانوا موجودين في مسرح الجريمة، وكثير من هذه الحالات بينتها القرارات الاتهامية والأحكام القضائية».
وشدد مراد وهو عضو «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، أن «ما يقصد بالاستثناء، المفهوم الضيق للكلمة وليس المفهوم الواسع والفضفاض»، مشيراً إلى أن «الاستثناء ليس عشوائياً، إنما يخضع للتدقيق أمام لجان قضائية، وربما تكون اللجان على درجتين، تتولى مقاربة الوقائع الواردة في الملف، مع ما تقتضيه عبارة من تلطخت أيديهم بالدماء». وقال مراد «الرئيس الحريري مدرك لتفاصيل هذه الملفات، ومدرك أيضاً للظلم الواقع في أمكنة مختلفة على الكثير من الموقوفين الإسلاميين، وبالتالي النص سيكون واضحاً وصريحاً».
وما دام الغموض يلف صيغة قانون العفو ومندرجاته، ذكّر المحامي محمد صبلوح، بأن «الفكرة الأساسية التي ارتكزت عليها قوانين العفو تاريخياً، هي أن يطوي العفو العام مرحلة من الحروب والمآسي، ويفتح صفحة جديدة من التصالح بين المواطنين». وأعطى أمثلة على ذلك بأن «بعض من شملهم العفو في مراحل سابقة، باتوا قادة وزعماء سياسيين، ويشاركون الآن في الحكم على أعلى المستويات». وحذّر من «تحركات في الشارع يحضّر لها الأهالي، سيتخللها قطع للطرق في كلّ لبنان، بالتزامن مع إعلان الموقوفين الإسلاميين إضراباً مفتوحاً عن الطعام».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.