حرب الجنسين تشتعل وبرلين في وسطها ... سفينة كورية تطير في الفضاء وصبي ياباني يبحث عن كلبه

«الشرق الأوسط»: في مهرجان برلين الدولي - ‬2 -

وس أندرسن مع اثنين من ممثلاته في فيلم الافتتاح: تيلدا سوينتون وغريتا غرويغ (إ.ب.أ)
وس أندرسن مع اثنين من ممثلاته في فيلم الافتتاح: تيلدا سوينتون وغريتا غرويغ (إ.ب.أ)
TT

حرب الجنسين تشتعل وبرلين في وسطها ... سفينة كورية تطير في الفضاء وصبي ياباني يبحث عن كلبه

وس أندرسن مع اثنين من ممثلاته في فيلم الافتتاح: تيلدا سوينتون وغريتا غرويغ (إ.ب.أ)
وس أندرسن مع اثنين من ممثلاته في فيلم الافتتاح: تيلدا سوينتون وغريتا غرويغ (إ.ب.أ)

هل هو الإحباط وقد اتخذ شكل الدفاع الهجومي؟ هل هو تمادي الذكور في إهانة الإناث بحيث طفح الكيل بعد طول انتظار؟ أم هي فرصة سياسية للانشغال عن الأصل بالبحث في التفاصيل؟
الأرجح أنها كل هذه الأسباب، لكن المؤكد أن مهرجان برلين في دورته 68 التي بدأت يوم أول من أمس (الخميس) وجد نفسه في وسط زوبعة التحرش الجنسي في هوليوود، وحركة «أنا أيضاً» التي تبعتها عندما طالبت إحدى المؤسسات النسائية قبل يومين من بدء الدورة بتغيير لون السجادة الحمراء إلى سجادة سوداء، وهو الأمر الذي أشار إلى أي مدى قد تخرج النداءات المحقة، مثل موجة «أنا أيضاً»، من المعقول إلى الفانتازيا. ها هي زوبعة أخرى خارج الفنجان ترتفع في وجه المهرجان الذي كل ما جناه أنه يحاول أن يستمر في تأدية دوره السينمائي الرائع.
والحكاية هي أن المهرجان دعا المخرج الكوري كيم - كي دَك وفيلمه الجديد «إنسان، فضاء، زمن وإنسان» (Human، Space، Time and Human) لحضور الدورة. خطوة لا بد منها كون المهرجان برمج هذا الفيلم الغرائبي اللافت في عرض عالمي أول وخاص. هذا أهاج مواقع كورية (ومنها مواقع أخرى حول العالم) لنقد المهرجان، على أساس أن المخرج كان راود بطلة الفيلم (يعتقد أنها مينا فوجي لأن القانون الكوري يتيح للضحية إخفاء اسمها) عن نفسه. الوصف المستخدم لدى بعض هذه المواقع هو أنه «هاجمها جنسياً». أمر غير محدد ويستوعب من يمين شتيمة إلى يسار اعتداء فعلي... لا أحد يعلم الحقيقة في عصر كهذا.
ردّاً على ذلك وقف المهرجان بجانب قراره استضافة المخرج وفيلمه، وقال إن «المسألة هي مسألة نقاش والمهرجان هو حوار مفتوح». هذا كلام تجميلي لدى نقاد المهرجان الذين يطالبون بإلغاء الفيلم وضيفه معاً.

مع الكلاب‬
ما سبق يجعل المرء يتساءل إذا ما بات من السهل اتهام أي سينمائي بقلة الأدب (في أفضل الأحوال) أو بالاعتداء الجنسي (في أسوئها) سواء أفعل ذلك أم لم يفعل. وما موقع الغزل العاطفي في هذه الحالة؟ هل كلمة مثل «أنت جميلة» يمكن لها أن تودي بصاحبها إلى المحكمة؟
بصرف النظر عن ذلك وقبل أن يُساء فهم المقصود لا بد من القول إن الفيلم المذكور يتمتع، على الأقل، بفكرة نيرة: رجال ونساء من مشارب مختلفة يبحرون على متن باخرة حربية قديمة. كل شيء هادئ إلى أن يكتشف هؤلاء ذات صباح أن الباخرة لم تعد تبحر على سطح الماء، بل هي تطير في الفضاء وليس من أرض تحتها.
رغم ذلك، كل شيء آخر يشي بدورة رائعة بما فيها اختيار فيلم وس أندرسن الجديد للافتتاح. «برلين» و«فينيسيا» أفضل من «كان» في لعبة اختيار الفيلم الذي سيفتتح دوراتهما كما ثبت منذ بضع سنوات. واختيار فيلم رسوم متحركة موجه للراشدين هو أحد تلك الاختيارات الموفقة.
الفيلم يدور حول صبي ياباني ينطلق إثر كلبه المفقود ليكتشف أن هناك مؤامرة لإبادة كل الكلاب بنشر فيروس خطير بينها ومنع المصل المضاد من الوصول إليها. هذا في المستقبل غير البعيد (20 سنة من اليوم). الصبي ليس وحده في هذه المهمة كذلك، فإن الحكاية لها جذور تقع قبل عدة عقود ومحورها قيام أحد اللوردات اليابانيين بإصدار أمر إبادة مماثلة. ينسج المخرج عمله بعد تلك المقدمة على شكل أجزاء ومشاهد استعادية أخرى تثري الحكاية وتميّزها عن مجرد حبكة صالحة لأفلام ديزني المعتادة.
أندرسن يحاكي هنا وضعاً سياسياً غير مسمّى. يضع في الخلفية حالة إبادة قد يتعرض لها البشر لو شاء استبدال كلابه بهم. هذا البعد كشف عنه جيداً في فيلمه الأخير «ذا بودابست غراند أوتيل» الذي عرض هنا قبل 4 سنوات. هناك تطرّق إلى المسلم البريء من كل ذنب، ولو أن ذلك لا يعفيه من التهمة ومحاولة تجريمه. وكما في ذلك الفيلم، إنما على نحو أكثر اتساعاً، يستخدم المخرج مشاهد الاستعادة («فلاشباك») فينتقل ما بين العصور، ولو أن الحكاية في صلبها تقع فوق تلك الجزيرة التي تم نفي الكلاب إليها والتي يحط على ساحلها الطبي بطل الفيلم رغم محاذير وجود كلاب تحوّلت إلى التوحش فوقها.
حين تم سؤال المخرج حول السبب في اعتماده على رسوم شكّلها من دمى وموديلات عوض اللجوء إلى الكومبيوتر - غرافيكس، أجاب بأن الغاية كانت منح الفيلم صورة من عنده غير مؤلفة من أنظمة العمل الإلكترونية. وأضاف: «في فن ستوب موشن (تحريك آلي للموديل يتطلب وقتاً أطول من مجرد تنفيذه إلكترونياً) لا بد أن تستخدم الموديلات، واستخدامها يجعل الفيلم ممتثلاً لأسلوب قديم ليس لمؤثرات الغرافيكس دور فيها».
اتبع أندرسن هذا الأسلوب في «فانتاستيك مستر فوكس»، لكنه توسع هنا في هذا الاستخدام كما في الحكاية المشبعة بأجواء سينمائية وثقافية يابانية. ما لم يتغير هو ذلك الأسلوب البصري المثير الذي ينجح في تشكيله بصرف النظر عما إذا كان فيلمه رسوماً أو حياً.
وس أندرسن في كل أفلامه يدعوك لأن تحيط بتفاصيل مشاهده. في الوقت الذي يركز فيه الآخرون على وسط اللقطة، يبني المخرج عالمه مع توظيف الكادر بكامله. وفي جل أفلامه توعز مشاهده برابط بين التصوير والرسم لا تخطئه العين، وهذا ما يتكرر هنا.
ما هو ثابت عليه أيضاً استخدام طاقمه ذاته من الممثلين من تيلدا سوينتون إلى إدوارد نورتون، ومن بل موراي مروراً بجف غلودبلوم، مع إضافة ممثلين يابانيين من بينهم كن واتانابي.

أخبار: ‫ظروف حذرة‬

> سوق المهرجان افتتحت يوم الجمعة، وهناك توافد كبير، لكن شركات التوزيع لم تكن استجابت جيداً للفرص التي أتاحتها «سوق الفيلم الأميركي» في خريف العام الماضي، ولا مهرجان «صندانس» الماضي في الشهر الأول من هذا العام. وهناك من يرى أن الشركات، كبيرة وصغيرة، تمر بظروف حذرة. كثير من الشركات المترددة على هذه السوق باتت تنظر بعين الريبة حيال الأفلام التي تحمل أسماءً كبيرة وراء الكاميرا أو أمامها. إذا كان هذا صحيحاً فهي ضربة موجعة للفيلم المستقل.
لكن هذا الحال لوحظ في سوق مهرجان «كان» في الربيع الماضي. هو مهرجان يحتوي على أكبر سوق عالمية، وسبق له أن كان محطة إطلاق عقود بمئات ملايين الدولارات، لكنه أخيراً ما بدأ يشهد تراجعاً في نسبة العقود الكبيرة المبرمة، ولو أن الإقبال عليه ما زال في أوجه.
> في الطريق لافتتاح سوق برلين في إحدى سيارات المهرجان، ذكرت نائبة رئيس شركة توزيع ألمانية لهذا الناقد بأنها سارعت لشراء فيلم «7 أيام في عنتيبي» للسوقين الألمانية والنمساوية، وهو الفيلم الذي يعيد (للمرّة الرابعة على الأقل) سرد ما حدث سنة 1976 عندما اختطف فلسطينيون طائرة على متنها إسرائيليون، ما دفع الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرار بالهجوم على عنتيبي.
سألتها إذا ما شاهدت الفيلم قبل شرائه أم لا، فأجابت بالنفي، وأضافت أنها اكتفت «بشعورها» بأن الموضوع يطرح قضية مهمّة.
طبعاً المسألة برمتها اقتصادية من لحظة اختيار المخرج البرازيلي جوزيه بديعة (سبق أن شارك خارج المسابقة مرتين لكنه يعرض هذا الفيلم في المسابقة) لموضوعه وحتى لحظة انتشاره.
> وبينما تنتظر المخرجة المجرية إلديكو إنيادي نتيجة مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي التي تضم فيلمها «عن الجسد والروح» الذي عرضته وفازت عنه هنا في العام الماضي، قامت بالاتفاق مع الممثلة الفرنسية ليا سيدوكس لبطولة فيلمها المقبل «قصة زوجتي»، الذي تنوي تصويره هذا العام ودخول مسابقة برلين في العام المقبل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».