فؤاد التكرلي... فن الإصغاء إلى روح الجماعة

في الذكرى العاشرة لرحيل الروائي العراقي الرائد

فؤاد التكرلي
فؤاد التكرلي
TT

فؤاد التكرلي... فن الإصغاء إلى روح الجماعة

فؤاد التكرلي
فؤاد التكرلي

تطلّب وصول نسخة من رواية «الرجْع البعيد» إلى الغرب الجزائري مرور أكثر من عام على صدورها في بيروت. لعل ذلك كان عام 1981. كنت أعيش آنذاك في مدينة وهران، حيث بدأت جالية عراقية تتكاثر مع بدء حملة الاعتقالات والمطاردات ضد اليساريين في العراق. كذلك حصل البعض منهم على وظائف في مدن قريبة من وهران في الغرب الجزائري مثل سيدي بلعباس وتلمسان وعين تيموشنت. وتدريجاً أصبحت هذه المدن نقاط التقائنا في عطل نهاية الأسبوع.
حينما وصل دوري أخيرا لقراءة الرواية كان اللغط قد بدأ بين الأصدقاء حولها. كأنها جاءت لتوقظ ذلك الخيط الذي ضعف فيما بينهم بسبب الخلافات السياسية أو البعد عن الوطن أو اليأس. هل أسميه خيط الانتماء إلى المنبع الواحد؟ وأمام السحر الذي أحدثته الرواية فيهم، كان بإمكاني التعرف إلى شخصياتها بنبراتها المختلفة، بِهرَجِها وأفراحها وأتراحها المتقلبة. هل أستطيع اعتبار حالة الجدل التي أصابت الأصدقاء آنذاك ناجمة عن ذلك الكشف الغامض للوحدة التي تربط بعضهم ببعض، في بلد ظلت الانتماءات السياسية والآيديولوجية تطغى فيه على الانتماء إلى الوطن؟
منذ الصفحات الأولى تسرب ذلك الإكسير الساحر في عروقي باثا ثمالة غريبة. أنا أقرأ عملا عراقيا لم يسبقه مثيل: هنا تتجاور لغتان مختلفتان لكنهما متكاملتان: لغة الوصف المكثفة المملوءة بالإيحاءات، ولغة الحوار المكتوبة بالعامية العراقية. لكن هذا الحوار يدخل كعنصر محدد لملامح الشخصية يندمج ضمن أساليب أخرى يستخدمها التكرلي في روايته ابتداء بأسلوب تيار الوعي ومرورا بأساليب كتابة اليوميات والمونولوج الداخلي وغيرها.
اكتشفتُ في تلك الرواية لأول مرة شعرية العامية البغدادية وكم هي محملة بشفرات تعبير عن الروح الجماعية نفسها، وكم هي محملة بذلك الزخم من طبقات لا شعورية تعود إلى تاريخ أجيال كثيرة تعاقبت في العيش والتعايش بنفس المدينة منذ مئات السنوات. وكل جيل ترك بصماته على الأحياء بطريقة ما. شارك بشكل ما بصيغة ذلك الكيان غير المرئي وغير الملموس: روح الشعب.
في «الرَّجع البعيد» نجد تماثلا لهذا التراكم: ففي بيت بغدادي قديم يعيش أفراد عائلة ينتمون إلى أربعة أجيال. هناك الأطفال والمراهقون والشباب والكهول والشيوخ من كلا الجنسين. ولكل واحد منهم، أصغى التكرلي بأناة ومحبة لكن من دون عاطفية مبهرجة.
هنا نستمع إلى الطفلة سناء ومشكلاتها مع أختها وما يتطلبه جهدها المتواصل من أجل كسب اهتمام الكبار بها؛ هنا نستمع إلى عبد الكريم في يومياته وأسئلته المتعلقة بالوجود ومشاعره المضطربة تجاه قريبته منيرة؛ هنا نتابع صهر العائلة حسين المنفصل عن زوجته، وهو يلتقي بأصدقائه في ركن محل صغير، وفي غمرة ثرثرتهم يلتقط التكرلي صوته الداخلي المحمل باحتقار لأحد ندمائه الذي يتظاهر في العلن بتعلقه به.
لأول مرة، ربما، عبر تاريخ الرواية العربية، يبرز ما عرف لاحقا، بفضل باختين، مفهوم «البوليفوني» أو تعدد الأصوات. ففي «الرجع البعيد»، نتابع هذا الأسلوب بأشكال متعددة: على صعيد طرائق السرد المتعددة، وعلى صعيد انشطار الشخصية وتوجهاتها المختلفة. فمدحت الذي اكتشف فقدان عروسه منيرة لعذريتها ظل مدفوعا بقوتي النفور منها والتعلق بها حتى لحظة مقتله برصاصة طائشة بعد انقلاب 8 فبراير (شباط) البعثي عام1963، وصهره حسين ظل مسكونا بين إغراء العزوبية وبين زوجته وطفلتيه، بين نزق الحياة اليومية والتزاماتها الصارمة. وعلى ضوء ذلك نتابع شبكة من الأصوات المتنافرة والمتناغمة، تتصاعد هارمونيا ضمن كورال واسع هو مرآة لمدينة وبلد، لعائلة أو لشعب. لا بد أن كل العراقيين الذين قرأوا الرواية آنذاك تلمسوا في الجدة أم حسن جداتهم الحقيقيات، وفي المراهق عبد الكريم تلك الأسئلة الوجودية الأزلية التي هي أسئلتهم في ذلك السن.
لكن العمل يقدم حسا عميقا بالدعابة السوداء التي تدفعك في كثير من اللحظات إلى حافة البكاء والضحك الصاخب.
روح الدعابة الصافية هذه وظفها التكرلي لاحقا في الفصل الأول من روايته «الأوجاع والمسرات»، حينما تحدث عن طفولة البطل وكيف أنه كان قفزة وراثية على مستوى الملامح في عائلة تتميز بقبح متأصل جعل جيرانهم يطلقون عليهم اسم القردة، بل حتى مع تكاثرهم وانغلاقهم في زقاق صغير، أطلق الآخرون على مكانهم اسم حارة القردة. إنها واقعية سحرية على طريقة التكرلي.
يكتب ميلان كونديرا في «خيانة الوصايا» ما معناه أن الرواية الأوروبية لعبت دورا مهما في تحقق الديمقراطية بالغرب. فروائيون مثل تولستوي ودوستويفسكي وبلزاك وستاندال شاركوا في نقل عالم الآخر للقارئ، عبر أعمالهم الروائية، وهذا ما ساعده على قبول الآخر، وفي الوقت نفسه ساعد على اكتشاف ما يجمعه به من خصائص ورغبات خفية وجوانب ضعف وقوة كثيرة. فالرواية هي المكان الوحيد الذي تكف الأحكام فيه ضد الآخرين ويصبح الجميع ممنوحين فرصة متكافئة لإيصال صوتهم الداخلي وكشف دوافعهم الحقيقية وراء أفعالهم.
في الرواية نحن لا نحاكم بل نحاول أن نفهم.
لعلنا هناك في الغرب الجزائري النائي عن العراق اكتشفنا شيئا شبيها بذلك عند قراءتنا لرواية «الرجع البعيد». ها هي تصبح مرآة أمامنا، يكتشف كل منا فيها عبر صورته المنعكسة صور الآخرين الذين تجمعه بهم غابة من الخيوط والأواصر الخفية. وعبرهم يغمره إحساس عميق بكسر حاجز الموت الفردي عبر حياة الجماعة المتواصل.
كان التكرلي يقيم في تونس حينما وصلته أخبار الأثر الصاخب الذي تركته روايته على عدد كبير من المنفيين العراقيين في الجزائر. ذكر لي صديق، التقاه في تونس فترة قصيرة، أن وجهه فاض ببهجة طفولية دفعته لفرك يديه إحداهما بالأخرى بنشوة منتصرة، كأن ماردا فتح له كنوز الأرض قبل أن يعود إلى صفحات ألف ليلة وليلة.
وهل هناك أكبر من هذه المكافأة، لرجل ظل بعيدا عن الأحزاب السياسية وما تمنحه لفنانيها وأدبائها من أوسمة وامتيازات بدلا من ذلك ظل فؤاد التكرلي مثلما هو الحال مع نجيب محفوظ، موظفا حكوميا لأكثر من ثلاثين عاما، إذ عمل منذ أوائل الخمسينات حاكم تحقيق أولا ثم قاضيا فرئيس قضاة قبل تقاعده عام 1985 وتفرغه للكتابة. لكن هذا العمل في قلب العتمة ساعده على التماسّ مع أولئك المتهمين بمختلف الجرائم. ولعل جرائم الشرف وما تحمله من إمكانيات وقوع اعتداءات داخل عوائل الضحايا كسبب لها وراء اهتمام التكرلي بموضوع العلاقات المحرمة في قصصه القصيرة ورواياته. هل يمكن القول إن مهنتيه المتعارضتين والمتفاعلتين ساعدتاه على الغور في هذا المختبر البشري؟ وعبره اكتشف بعدا محليا وإنسانيا معا. ولعل ذلك كان وراء لمسات فرويد الخفية فوق أعمال التكرلي بما يخص الكبت وتلبس الرغبة أشكالا لا متناهية.
قلة الإنتاج الأدبي خاصية أخرى ميزت التكرلي عن كثير من مجايليه من المبدعين. ولعل ذلك، إضافة إلى شواغل المهنة، ناجم عن تعامله مع الكتابة مثل تعامل الصائغ مع مواده كما شبهه الناقد علي جواد الطاهر. بين أول قصة نشرها عام 1951 وحتى عام 1980 لم ينشر الراحل التكرلي سوى 14 قصة قصيرة. لكن الكثير منها جواهر حقيقية، رسخت للأجيال اللاحقة من القاصين العراقيين إطارا مفتوحا للكتابة القصصية كفن قبل كل شيء. أما روايته «الرجع البعيد» فاستغرقت كتابتها 12 عاما.
من أكثر القصص القصيرة التي جسد الفقيد التكرلي أسلوب تعدد الأصوات (البوليفوني) الموسيقي فيها كانت «الغراب» التي كتبها عام 1962، وفيها يواصل استكشاف ثيمة العنف المرتبط بالعلاقات المحرمة، ولا بدّ أن مادتها تعود إلى فترة أقدم، وفيها نجد الأبطال ينتمون إلى الطبقة الشعبية البغدادية. في بيت بغدادي تسكنه عدة عوائل، تكتشف نجيبة علاقة زوجها بزوجة أخيه، إذ إن أخا الزوج وزوجته استأجرا قبل فترة قصيرة غرفة في البيت نفسه، وبعد اختفاء زوجها ليومين تذهب إلى غرفة حماها لتجد زوجها وامرأة أخيه معا. لكن حال عودتها إلى غرفتها يلحقها الزوج ليطلق عليها رصاصتين وهي مضطجعة جنب طفليها. في هذه القصة يستخدم التكرلي صوتين؛ صوت الأم وهي تحكي لطفلتها حكاية خرافية تدور حول ذلك الغراب الذي طرده أهله لشدة سواده، والذي عاد إليهم بعد أن سحرته السعلاة وحولته إلى غراب أبيض. أثناء فترات سكوت طفلها ستسترجع نجيبة تفاصيل خيانة زوجها عندما ضبطته في المرة الأولى مع امرأة أخيه، منقولة ضمن تيار الوعي، وكأن صوت القاص يختفي تماما. في هذا البناء الذي تتداخل فيه نغمتان موسيقيتان ينقل التكرلي جزئيات العالم الداخلي بإيقاعاته العاطفية الخاصية؛ بقسوته؛ بغرائبيته وخصوصياته. وفي هذه القصة يكشف القاص ما للعامية من شعرية، وكيف تتمازج بالفصحى خالقة مناخا سحريا مرهفا في شاعريته. قبل إنهاء الحكاية، يحدث قطع للقصة، ليعود ثانية مجرى الأحداث، إذ إن الزوجة تسترجع ما شاهدته قبل دقائق، بصوت الضمير الثالث، وهذا بعد مشاهدتها للضوء مشتعلا في الحجرة الأخرى: «ستمضي إلى ذلك الباب المغلق لتفتحه على شقائها وستعتذر للغراب الأبيض الضائع الذي أنكره أهله ومزقوه حين عاد إليهم. ستقول لأولئك المختفين وراء الباب إن ابنتها حمدية تريد أن ترى جثة الغراب الصغيرة المنتزعة الأوصال». وفي المقطع الثالث يتسلم الراوي بقية القصة ليصور آخر اللحظات فيها عندما يطلق الزوج رصاصتين من مسدسه عليها وسط عويل الطفلين.
قبل أول لقاء لي بفؤاد التكرلي عام 2001، كان هناك تصور في ذهني بوجود آصرة ما بينه وبين أبطاله المضطربين. بدلا من ذلك واجهني إنسان يجمع بين الرصانة والدفء، بين التواضع التلقائي والصدق الحقيقي. في نبرته كنت أستطيع تلمس اللهجة البغدادية القديمة، مشبعة بعبارات الاحترام، وإذا كنت تجده منصتا إلى كل ما تقوله من آراء فهو لا يطلق أي حكم إلا بتردد، كأنه يخشى إيذاءك، بنبرة مترددة مشبعة بالرقة. ولم يمض وقت طويل على لقائنا حتى راح يذكر أسماء بعض الكتّاب الشباب الذين ما زالوا في العراق. فهو حتى من تونس ظلا دؤوبا على التواصل معهم وحريصا على متابعة ما يكتبونه.
هل هذه القدرة على التواصل هي التعويذة ضد الفناء؟ فعبر استمرار خيط الإبداع لأبناء البلد الواحد وتراكمه، يتحقق الانتصار على قوى الفناء الروحي.
لعل أعمال فؤاد التكرلي تحمل رسالة من دون علمه تتعلق بمصالحة وطنية تختلف عن تلك التي يبشر بها السياسيون العراقيون اليوم: إنها ككل، مرآة يرى الفرد فيها صورته وصورة الآخرين، مندمجة في كل واحد. أو أن ما يراه الفرد هو روح شعبه غير القابلة للتفكك، بعيدا عن الأطر الآيديولوجية والطائفية العابرة.



«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».