افتتاح المونديال يقلب أوضاع البرازيليين رأسا على عقب

تبدل الحال من إضرابات واحتجاجات إلى احتفالات شهدت إطلاق الألعاب النارية منذ بداية اليوم

أحد شوارع مدينة مانوس وقد انتشرت فيها الزينات بمناسبة كأس العالم (أ.ف.ب)
أحد شوارع مدينة مانوس وقد انتشرت فيها الزينات بمناسبة كأس العالم (أ.ف.ب)
TT

افتتاح المونديال يقلب أوضاع البرازيليين رأسا على عقب

أحد شوارع مدينة مانوس وقد انتشرت فيها الزينات بمناسبة كأس العالم (أ.ف.ب)
أحد شوارع مدينة مانوس وقد انتشرت فيها الزينات بمناسبة كأس العالم (أ.ف.ب)

يوم واحد فقط كان كافيا لتتغير الأحوال إلى النقيض تماما وتتبدل أجواء المدن البرازيلية من الصمت أحيانا والاحتفالات الهادئة أحيانا أخرى إلى الاحتفالات الصاخبة.
هكذا جاء اليوم الأول من فعاليات بطولة كأس العالم 2014 لكرة القدم بالبرازيل ليغير ملامح وأجواء الشارع البرازيلي ويعيد لأرض السامبا الابتسامة التي غابت عنها في الفترة الماضية بسبب الإضرابات والاحتجاجات التي كادت تدخل بالبطولة برمتها في نفق مظلم.
وبعدما علق الموظفون والعمال في عدد من الأعمال، وخصوصا في مترو ساو باولو إضرابهم لما بعد المباراة الافتتاحية للبطولة، هدأت الأجواء قليلا في الأيام التي سبقت يوم الافتتاح، ولكن ظلت الابتسامة والاحتفالات غائبة عن الشارع البرازيلي وإن ظهرت بعض ملامح استعداد البرازيليين للبطولة من خلال ارتداء قمصان المنتخب البرازيلي في كل مكان.
وبينما سيطر التكدس والازدحام المروري على شوارع المدن البرازيلية، وخصوصا ساو باولو وريو دي جانيرو على مدار الأيام التي سبقت الافتتاح، جاء يوم الافتتاح خاليا من هذا الزحام وذلك بسبب منح الحكومة البرازيلية هذا اليوم كعطلة رسمية، مما أسهم في السيولة المرورية ووصول المشجعين إلى استاد «كورينثيانز» في ساو باولو دون عناء لحضور المباراة الافتتاحية للمونديال مساء الخميس. كما تزامن هذا اليوم مع عيد العشاق في البرازيل وهو ما يماثل «عيد الحب» أو (فالنتاين داي) في مختلف بقاع العالم.
ولكن المباراة الافتتاحية واحتفالات الجماهير بالمونديال كانت أقوى من الاحتفال بعيد الحب البرازيلي، حيث تزين الجميع بقمصان المنتخب البرازيلي وقبعات المشجعين ذات الألوان والأشكال الجذابة بدلا من حمل ورود الاحتفال بالفالنتاين.
كما حرص كثيرون في البرازيل على رسم العلم البرازيلي على أجسادهم ووجوههم بخلاف حرص كثيرين أيضا على رفع العلم البرازيلي على الجدران الخارجية للمنازل وفي الشرفات، بل إن بعضهم ذهب إلى تغيير لون المنازل أو الشرفات إلى ألوان العلم البرازيلي.
هكذا تبدل الحال من إضرابات واحتجاجات في البرازيل إلى احتفالات شهدت إطلاق الألعاب النارية منذ بداية اليوم وكأنها عملية عد تنازلي لانطلاق فعاليات المونديال، حيث انطلقت الألعاب النارية في كل مكان بالبرازيل على مدار اليوم.
وازداد إيقاع هذه الألعاب النارية مع بداية حفل الافتتاح ومع كل هدف يحرزه المنتخب البرازيلي في المباراة التي تزامن معها خلو الشوارع والميادين من المارة إلا في مناطق تجمعات المشجعين وعلى المقاهي والحانات التي أعدت العدة للاحتفال وكأن هذا الفوز كان مضمونا.
ورغم حالة الصمت التي سيطرت على الكثير من الأماكن بعد الهدف المبكر للمنتخب الكرواتي، تغير الحال سريعا مع هدف التعادل، حيث كانت الثقة كبيرة وهائلة في تحقيق الفوز وازداد إيقاع الألعاب النارية مع كل هدف. ولم يكن الأمر قاصرا على المدن الكبيرة، بل امتد للمدن الصغيرة والقرى في مختلف أنحاء البرازيل.
تجدر الإشارة إلى أنه بينما كانت الإضرابات في الأيام السابقة للمونديال تشل حركة الحياة في المدن الكبيرة، كانت المناطق الشعبية الفقيرة مختلفة كثيرا عن هذا، حيث شعر الفقراء والكادحون بفرحة المونديال مبكرا رغم معاناتهم ورفضهم للكثير من الأوضاع في هذا البلد ومنها الصحة والتعليم ووسائل النقل.
ويبدو أن فرحة هؤلاء كانت نابعة من إمكانية حصولهم على بعض الأرباح الإضافية من حركة البيع والشراء خلال فترة المونديال التي يتوافد فيها مئات الآلاف من الزائرين على المناطق البرازيلية المختلفة، وقد يكون لأن كرة القدم تمثل بالنسبة لهم أكثر مما تمثله لطبقات أخرى من الموظفين والعاملين.
رغم هذا، يرى كثيرون أن الاحتفالات بالمونديال في البرازيل لم تصل للحد المقنع بعد، وأن الأيام المقبلة ستشهد أكثر من هذا مع دخول البطولة في المراحل الأكثر أهمية وحسما، لا سيما بعد البداية الجيدة لراقصي السامبا في البطولة بالفوز 3 - 1 على المنتخب الكرواتي.
ويسود الاعتقاد أيضا بين بعض الزائرين أن الأمور المالية قد تكون السبب في عدم وصول الاحتفالات للمستوى الذي كانت عليه في بطولات سابقة، وخصوصا كأس العالم 2006 في ألمانيا.
بينما يرى آخرون أن هناك محاولات من البعض لتقليص حجم الاحتفالات وعدم إظهار كثير من الفرحة حتى لا يكون ذلك سببا في تخفيف الضغوط على الحكومة البرازيلية الحالية بقيادة ديلما روسيف.
وقال طالب برازيلي يدعى رودريغو فارياس، إن هذه المحاولات موجودة بالفعل، وإن محافظ بيرنامبوكو من بين المؤيدين والداعمين لتقليص حجم الاحتفالات وإظهار فشل الحكومة في إسعاد الجماهير، لا سيما أنه ينوي الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة والمقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتبقى الأيام والأسابيع القليلة المقبلة هي الحاسمة لمعرفة قدر كرة القدم على إخراج البرازيليين من حال الحزن والكآبة التي سيطرت عليهم قبل المونديال.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».