مسرحية «البيت» تسخر من عداوات الأشقاء القاتلة في «مسرح مونو»

حين يصبح الماضي خنجراً مسموماً

مشهد من مسرحية البيت («الشرق الأوسط»)
مشهد من مسرحية البيت («الشرق الأوسط»)
TT

مسرحية «البيت» تسخر من عداوات الأشقاء القاتلة في «مسرح مونو»

مشهد من مسرحية البيت («الشرق الأوسط»)
مشهد من مسرحية البيت («الشرق الأوسط»)

التعلق بالبيت العائلي، الذكريات الحميمة الملتصقة بكل زاوية وتفصيل، الحنين إلى الأيام الخوالي، كل ذلك مقروناً بالجشع أو اللامبالاة، العقد النفسية المتراكمة، ضغط الحروب الذي لا يوازيه شيء، فقدان روح الأخوة، التناقضات القاتلة داخل الأسرة الواحدة، كلها أمور شديدة التركيب استطاعت أرزة خضر، في نصها أن تجمعها، وعملت المخرجة كارولين حاتم على وضعها على الخشبة بعد ترجمة النص من الإنجليزية إلى المحكية اللبنانية.
العمل يجوب المناطق اللبنانية تحت عنوان صغير ودالّ هو «البيت» ويستقر في بيروت في 14 من الشهر الحالي، ليعرض في «مسرح مونو». فقد جاب كل من حمانا، و«جامعة اللويزة» في زوق مصبح، و«مركز الصفدي الثقافي» في طرابلس. وهو يذكّر بأعمال سابقة عرضت في بيروت، كانت البيوت محورها لا سيما القديمة منها، أبرزها مسرحية بيتي توتل صفير «آخر بيت بالجميزة» التي تذهب بالمتفرج إلى قصص المنازل القديمة الجميلة التي تهدم في حي الجميزة العريق بعد أن اجتاحته ملاهي السهر، وتدخلنا ببراعة إلى معاناة إحدى العائلات وهي ترى نفسها تفقد منزلها وسط هذا الجشع المخيف. أمّا مسرحية «البيت» فهي تنظر إلى حكايا البيوت الأليمة من الداخل إلى الخارج، وليس العكس. هذه المرة العائلة نفسها هي التي تتصدّع وتستدعي الخراب من الخارج. إذ تسعى الأخت الصغرى ريم (جيسي خليل)، للتخلص من بيت العائلة القديم بأي ثمن بعد وفاة الوالد وبالكاد مرّ 40 يوماً على فقد الوالدة، وسط معارضة شقيقتها نادية (يارا بوحيدر) التي أبدعت وتميزت بدور لم يكن سهلاً، وشقيقها نبيل (طارق يعقوب) الهارب من جو «هالنسوان المهسترين».
«فكرة أنّ هذا البيت لم يعد موجوداً تجعلني أطير» تقول الأخت الصغرى، وفي مكان آخر تضيف تجعلني «أستريح». تتخيل الصبية ريم، بما يشبه التشفي، (أوتوستراد) طريقاً سريعاً، يخترق البيت من وسطه ويجعله نثاراً، وأنّ كل شيء انتهى وبات بمقدورها نسيان طفولتها البائسة خلال الحرب.
الخشبة ذات الستارة المفتوحة التي تسمح لنا عند الدخول إلى المسرح أن نرى الأشقاء يجلسون بانتظار انطلاق العرض، تجعل الحياة هنا وكأنّها بدأت قبل وصولنا. ثم نرى الأختين تتحدثان في أربعين الأم التي غادرتهما. التوتر يرتفع تدريجياً، نحتاج إلى أن نتابع الحوارات التي تأتي في بعض الأحيان مكرورة وطويلة، لنعرف أنّ العلاقة ليست على ما يرام. لا بدّ أن ننتظر مرور الثلث الأول من المسرحية الطويلة نسبياً (نحو ساعة ونصف) لنستشف كم أنّ المشكلة عصية على الحل. وأنّ كلا من الإخوة يعيش في عالمه الخاص الذي ذهب إليه بمفرده. الأخ الذي تزوج ويتهرب من نزاع الشقيقتين، نادية التي لازمت البيت مع والدتها، وهي طيبة، تعيش على الحنين، بينما ريم التي غادرت المنزل باكراً تُظهر نفوراً من أجوائه وتعتقد أنّ عليها فعل المستحيل كي تتخلص منه كعبء يجثم على صدرها.
كنبة كبيرة في الواجهة وأخرى صغيرة إلى يسارها وكرسي إلى اليمين، طاولة في الوسط كي تكتمل غرفة الجلوس، ومشجب معاطف إلى يسار الخشبة، بينما خُصّصت طاولة مرتفعة صغيرة تصطف عليها مشروبات قليلة ومأكولات أقل لتناولها كلما اشتد وطيس الشجار ورغب الأشقاء بتهدئة الأجواء. وعند اللزوم تستعين نادية بفراش على الأرض لتستلقي عليه وتستريح.
الموسيقى التي تميل إلى الجنائزية لا نسمعها إلّا في أوقات قليلة حين تحتدم الأجواء أو أغنيات قديمة تعود إليها نادية طالما أنّها تعيش في الماضي، ويصمت الكلام. زمن المسرحية ممتد، حيث إن ريما تذهب إلى قطر في عمل لأشهر، وتعود والمشاهد مستمرة والصراع بين الأشقاء لا يزال محتدماً بين نادية التي تربط علاقتها بكل شيء بالحنين، وريما التي تحلم بزوال الماضي بأسره. بعد أن تفشل ريم في إقناع الورثة ببيع البيت وتقسيم الحصص، تفجرّ كل ما لديها، حقدها، حساباتها مع والدتها الكئيبة دائماً التي كانت تقول لها «لو ما كنت غنوجة كان بيك بعدو عايش»، محملة إياها مسؤولية مقتل والدها وهو يناولها كوب ماء، وقد أرهقتها بمحاسباتها ومحاصرة سلوكها.
لحظات قاسية لتصفية حسابات داخل العائلة الصغيرة، لنكتشف كم أنّ كل بيت ينطوي على أسرار، على صمت كل فرد عمّا يعتمل في نفسه من الآخر من دون أن يصارحه. الحفاظ على أحاسيس الأخوّة لم يعد أمراً بديهياً، والحب بين أقرب الناس أيضاً. هذا على الأقل ما تنتهي إليه مسرحية تخلط الحزن بكثير من المرح، والاجتماع سيكولوجيا النفوس ومآسي الحرب، وتعقيدات المشاعر الإنسانية العميقة حين تصطدم بما استجدّ من علاقات مبنية على المصالح الضيّقة والآنية.


مقالات ذات صلة

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

يوميات الشرق جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

عكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية...

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان كرم مطاوع (السينما دوت كوم)

الذكرى الـ28 لرحيل كرم مطاوع تجدّد الحديث عن معارك «عملاق المسرح»

معارك كثيرة ومواقف «قوية» اتخذها الفنان المصري الراحل كرم مطاوع في حياته، تعود إلى الواجهة مع حلول الذكرى الـ28 لرحيله.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق عروض مسرح «مونو» (إنستغرام «مونو»)

مسرح «مونو» يُخصّص ديسمبر لعروض الاحتفالات بالأعياد

رغِب مسرح «مونو» في مواكبة الأعياد على طريقته، فدعا هواة المسرح إلى اختيار ما يناسبهم ويحاكيهم من خلال 7 أعمال منوعة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق يحاول العمل تغيير طريقة تعامل المجتمع مع المتوحد (إدارة الفرقة)

«البعد الآخر»... عرض مسرحي يستكشف العالم الخفي للمتوحدين

يستكشف العرض المسرحي الراقص «البعد الآخر» العالم الخفي للمصابين بالتوحد عبر رحلة في عقل شاب مصاب بهذا المرض، تتجسد فيه الصراعات والأحلام، والحب والوحدة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)

ريهام عبد الغفور تُحيي الذكرى الأولى لوفاة والدها بمشاعر الفقد

أحيت الفنانة المصرية ريهام عبد الغفور، الذكرى الأولى لرحيل والدها الفنان أشرف عبد الغفور، الذي رحل عن عالمنا في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بكلمات مؤثرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.