مبدعون يحتفون بالكاتب الراحل أسامة عفيفي

وصف مبدعون ونقاد مصريون الكاتب الراحل أسامة عفيفي بأنه كان واحداً من المبدعين القلائل الذين رهنوا كتاباتهم مخلصين للدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية، والجمال، وقال الشاعر جمال القصاص في الأمسية التي أقامتها حديثا جمعية مصر للثقافة والتنمية بمنطقة مصر الجديدة تحت عنوان «أسامة عفيفي... في مديح المحبة» إنه برحيله المباغت في يوليو (تموز) الماضي ترك فراغاً في حياتنا الثقافية والأدبية، سيظل شاغراً لفترات طويلة، خاصة في ظل ما نراه الآن من تداعٍ وصل إلى أقصى مراحل الفوضى والعبث.
وذكر القصاص، الذي أدار اللقاء، أنه عرف الراحل أسامة عفيفي من باب الفلسفة، والفن التشكيلي، والشعر، وتوثقت علاقتهما بشكل أقوى من خلال باب الحياة الأوسع، الذي جعله يرى عفيفي بوصفه أحد حراس الجمال والحرية، ليس في الأفق الثقافي فقط، ولكن في الوجدان العام، وكانت له أدوار عديدة لعبها في الصحافة المصرية والعربية، بوصفه واحداً من صنَّاع الصحافة الثقافية، وأصولها المتنوعة في بلادنا، وهو ما يمكن أن نلمحه في حرصه على وصول المعرفة للإنسان البسيط ببساطة وعفوية، فهي لا تقل أهمية - في نظره - عن رغيف الخبز.
من جهتها، اعتبرت الأديبة الدكتورة اعتدال عثمان الكاتب الراحل أسامة عفيفي رمزاً ثقافياً تعتز به، لما له في نفسها مكانة خاصة، فهو الوحيد من بين رؤساء تحرير الصحف والإصدارات الثقافية في مصر الذي دعاها للكتابة في «المجلة» التي ترأس تحريرها، كانت وقتها تعمل في الخارج. وأشارت اعتدال عثمان إلى أنها كانت حريصة طوال سنوات غربتها، وبعد عودتها على متابعة صفحة عفيفي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تستمد منها طاقة أمل وتفاؤل، إذ كان يفتح كل صباح نوافذ النور، ويتركها مشرعة للأصدقاء تدلهم على وجه النهار، يقرؤون فيها كتاباته من «دفتر الشذرات»، و«دفتر أحوال ابن الحلواني»، و«حكايات التسكع والمراودة» ومختاراته للوحات الفن التشكيلي التي تدل، بتعليقاته التي كان يكتبها بروح شاعر صافية، على ذائقته الفنية الرفيعة، لكنه رغم ذلك لم يهتم بتركيز الضوء على دفاتره وأشعاره، التي بلور فيها روحه العذبة الودودة، وبث فيها تساؤلاته الوجودية وأشواقه الإنسانية وانشغالاته الوطنية، وفي المقابل حرص كثيراً على تواجده بين الناس، في حي الجيزة، حيث أقام وتعايش مع همومهم، وتفاعل مع حكاياتهم ليكون صوتهم النابع منهم دون تزييف، ما جعله واحداً من حراس سيرة المصريين التي دوَّنها في دفاتره العصية على النسيان، مستعينا في ذلك بثقافة موسوعية ومعرفة وثيقة بتراث مصر الشعبي النابع من عبقرية المكان، والمغروس في عمق التاريخ.
وقال الكاتب الدكتور أحمد الخميسي إن «أسامة عفيفي كان منَّاح أمل وقوة حتى في ظل أحلك الظروف السياسية والاجتماعية، لم ينفصل يوما عن الناس، وظل ينير أعقد المشكلات بحيوية ومحبة من كل جانب، وقد كان من الصحافيين الكبار، صنَّاع النجوم، قدم للصحافة المصرية، عبر نزوع ديمقراطي، كثيراً من تلامذته، وسعى لتزويدهم بثقافته الموسوعية».
وذكر الخميسي أن الفترة التي ترأس خلالها عفيفي تحرير «المجلة» كانت مميزة جداً، حيث حدد همه الأساسي في فكرة الوصول للناس، وإشاعة الثقافة بينهم ببساطة ويسر دون تقعر أو معاظلة، من منطلق كونه مثقفاً وطنياً ديمقراطياً، يؤمن بالاستقلال والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية وحرية الإبداع والمرأة، وقد عمل دائما على أن يكون قريبا من البسطاء والفئات المهمشة.
وركز الشاعر ماجد يوسف حديثه عن الكاتب الراحل على فكرة الاتساق في شخصيته التي كانت واحدة من أهم صفاته، فلم تكن هناك مسافة بين ما يقوله وما يفعله، وقد ظهر هذا واضحاً في مقالاته، حيث لم يكتب شيئا لا يؤمن به، ولا يمثل قناعة عميقة في داخله. وأشار يوسف إلى أن الكاتب الراحل أسامة عفيفي «كان واحداً من رعيل ممتد من الأعلام من بدايات النهضة، الذين تكرست «المصرية» في كتاباتهم وإضافاتهم الفكرية، وهي لا تعني أي شيء شيفوني، أو ضيق الرؤية والنزعة، لكنني أقصد تمثله لأقدم حضارات المنطقة وأعرقها، والتي تجسدت فيها روح خاصة لدى الكتاب من أول لطفي السيد حتى يومنا هذا، وهي ما تميز كتاباتهم عن غيرهم من الكتاب الذين يكتبون باللغة العربية.
وأن هذه الروح المصرية هي التي جعلت أسامة عفيفي يلتف مثل غيره من المثقفين الحقيقيين، حول ما قدمه سيد درويش، وفضلا عما أصدره في هيئة قصور الثقافة عندما كان مسؤولاً عن إحدى السلاسل هناك، حيث قدم كتابات نوعية كان ينقب عنها ولا يعرف طريقها أحد سواه».