«أحلام العصر»، عبارة كثيراً ما استخدمها السعوديون للتعبير عمّا هو عبثي وغريب، ويصعب على المنطق تفسيره، وهي تنطبق بامتياز على الفيلم السعودي «أحلام العصر»، وتتماشى مع أحداثه السريالية التي تتذبذب ما بين الواقع والخيال، لتدخل عوالم خفيّة يسكنها الجمهور المهووس بتتبع مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي.
ويأتي هذا الفيلم للأخوين صهيب وفارس قدس بعد تجربتهما الأولى في فيلم «شمس المعارف» عام 2020، الذي ترك بصمة كبيرة في مسيرة الأفلام السعودية، وينتمي إلى سينما الشباب، وقد استطاع إظهار خبايا مدارس الأولاد، ما جعله يحقق نجاحاً تجارياً لدى عرضه في دور السينما السعودية آنذاك. والأمر نفسه ينطبق حالياً على فيلم «أحلام العصر»، الذي يُعرض الآن في دور السينما السعودية، وينتمي هو الآخر لعوالم الشباب والمراهقين الحالمين بالشهرة وكسب الأموال من خلال استخدامهم تطبيقات الهاتف المحمول بطريقة أكثر جنوناً وعبثية.
يُقدّم «أحلام العصر» بفصوله الستة، رؤية سينمائية زاخرة بالقصص والأحداث المتسارعة، مستخدماً تقنية «الفلاش باك» والتحليل النفسي لكلّ شخصية في العمل، ليدرك المشاهد دوافعها جيداً، وذلك على مدى 3 ساعات تجمع بين الكوميديا والأكشن والرومانسية العابرة. كما تنوّعت شخصيات الفيلم بشكل كبير؛ ما جعله غزيراً بالأحداث التي تتطلب تركيزاً من المُشاهد للربط بينها، خصوصاً تلك التي تحاول الغوص عميقاً داخل جمجمة الأبطال لرؤية مخاوفهم، والتعرف على كوابيسهم بوضوح.
الشرير حكيم
يُقدّم الممثل حكيم جمعة في الفيلم الذي يجمع عدداً من الوجوه السعودية الشابة، دور (حكيم)... الشخصية الشريرة في الفيلم، وخلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف دوره بأنه نقطة انطلاقته الحقيقية، مضيفاً: «(أحلام العصر) هو فيلم دسمٌ وملحميٌّ، يرى فيه المُشاهد تطوّر شخصية (حكيم)، من حالة إلى أخرى تختلف في بداية الفيلم عن نهايته. ولأول مرّة أُعْطَى هذه المساحة الواسعة، وسعدت جداً بالتجربة».
كثيراً ما ارتبطت أعمال حكيم جمعة بأدوار الشّر، لماذا؟
يوضح قائلاً إنها «مصادفة، حين شاركت في مسلسل (رشاش) قدّمت دور (سلطان) الشاب المتمرد الذي يرتكب جرائم كثيرة، ليحصرني بعد ذلك المنتجون والمخرجون والكُتّاب في هذه النوعية من الأدوار»، ويتابع: «أميل بطبعي لأنسنة كل شخصية أجسدها، فمن المستحيل أن يستيقظ أحدهم من النوم فجأة، ويقرر أن يصبح شريراً؛ لذا أحاول فهم الدوافع والمبادئ التي بُنيت عليها حياة الشخصية».
ويؤكد جمعة أن حصره في قالب أدوار الشّر لم يكُن اختياره. ويتابع قائلاً: «العامل المشترك بين هذه الأدوار هو أنها تنتمي لنصوص جيّدة؛ ولهذا السبب أنا على استعداد لقبول أي دور يُقدَّم لي مهما كانت مساحته، وسواء كانت الشخصية طيبة أم شريرة، وسواء كان الدّور ثانوياً أم أساسياً».
أطول فيلم سعودي
ينقل «أحلام العصر» الأفلام السعودية إلى مرحلة جديدة بوصفه أطول فيلمٍ سعودي حتى الآن، فمدته تتجاوز 3 ساعات، وهذا الأمر شكّل تحدياً لدى صُناعه، ودفع بالتالي، دُور السينما لتخصيص استراحة مدتها 10 دقائق تنتصف الفيلم، وهنا يرى حكيم جمعة أن الجمهور السعودي يتمتّع بثقافة سينمائية عالية تؤهله لمشاهدة الأعمال الجيدة مهما كانت مدتها؛ ويردف: «من غير المعقول أن يتمكّن المخرجان الأميركي مارتن سكورسيزي، والبريطاني الأميركي كريستوفر نولان، من صنع فيلم مدته 3 ساعات ونحن لا نستطيع. لا بدّ من ذكر هذا الحراك السينمائي المتسارع في السعودية، ومن ثم تجب علينا الاستفادة منه».
أصعب المشاهد
ويشير جمعة عند سؤاله عن مَشاهده الأكثر صعوبة في الفيلم إلى تلك التي ظهر فيها الاضطراب العاطفي بينه وبين آلاء (فاطمة البنوي) حين انتقل من الحب إلى الكراهية والغضب، وحين كان يستشيط غضباً منها في مشهد ما ويواسيها في آخر. ويتابع: «قد يكون من الغريب أن أشعر بأنّ مشاهد الأكشن التي أدّيتها في نهاية الفيلم كانت الأسهل بالنسبة لي، سواء المواجهة التي جمعتني مع الممثل عبد العزيز الشهري، أو تلك التي جمعتني مع الممثل صهيب قدس، وربما يعود ذلك لبدايتي في مسلسل (رشاش). ربما أكون قد اعتدت هذه النوعية من المَشاهد».
التفرّغ للفن
حكيم جمعة هو طبيب، واليوم نراه ممثلاً بامتياز، وقليل هم من يعرفون هذه المعلومة، فبماذا تعلّق على الأمر؟
«أستطيع القول اليوم، إنني مارست مهنة الفن أكثر من الطب. فبعد تخرجي عملت طبيباً 4 سنوات، ودخلت بعدها الساحة الفنية، لأرى نفسي اليوم فناناً من الدرجة الأولى»، ويؤكد أن ما جعله يتفرّغ للفن تلك البوادرُ المشجعةُ التي طالت حراك السينما السعودية، فقرر أن يكون جزءاً منه.
«لم يكن الأمر سهلاً»
يؤكد جمعة، خصوصاً لدى عودته للنظر إلى فترة الدراسة الأكاديمية الطويلة التي قضاها، إلى جانب ما يصفه بالاستقرار المهني والمادي الذي توفره مهنة الطب مقارنة بالفن، وما يتطلبه هذا المجال من جهدٍ وتعبٍ كبيرين لضمان الدّخل، والقدرة على الاستمرارية في تقديم أعمال تُرضي الفنان، قائلاً: «ضحيت بالطّب لصالح إيماني بمستقبل السينما السعودية».
أعطاه الطّب كثيراً، وعلّمه الكثير، فبات يحترم الوقت، ويلتزم به. ومن خلال تواصله مع المرضى في مستشفى بجنوب مدينة جدة حيث كان يعمل، وحيث كان يلتقي شخصيات كثيرة، ويتعرّف إلى الاختلافات النفسية بين إنسان وآخر، بات يستطيع أن يُقدّم أي شخصية تُسْند إليه، بل يضيف إليها لمسته الخاصة.
تدور قصة فيلم «أحلام العصر» حول نجم كرة القدم معتزل عبد الصمد (صهيب قدس)، الذي يتعاون مع ابنته أحلام (نجم) للانتقام من جميع من ظلموه من بوابة شهرة شبكات التواصل الاجتماعي، ومعاً يجدان فرصة سانحة للعمل مع وكلاء أعمال مهمين للمشاهير (حكيم جمعة، وفاطمة البنوي)، إلا أنه كلّما غاص وابنته في حلم الشهرة والنجومية ازداد تورطهما في كثير من المتاعب.