انتفاضة ثالثة؟ سؤال يُحيِّر الإسرائيليين والفلسطينيين

TT

انتفاضة ثالثة؟ سؤال يُحيِّر الإسرائيليين والفلسطينيين

شيء ما جديد يحصل على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الفضة الغربية. ليس جديداً بالمطلق، بل سبق أن شهدت مثله هذه الأراضي في فترة الانتفاضة الثانية. والسؤال المحيّر لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء هو: هل نحن إزاء انتفاضة ثالثة؟
حتى ما قبل شهرين، كان الجواب لدى الجميع: لا، ليس انتفاضة شعبية بل هبّة جزئية للجماهير الفلسطينية التي بدأت تفقد الأمل تماماً في حل سلمي. في إسرائيل الرسمية أضافوا: «إنها عمليات فردية تتم بفعل تحريض القيادات الفلسطينية». إنهم يعتقدون، أو يريدون للعالم أن يعتقد، أن المواطنين الفلسطينيين يخرجون إلى الشوارع بقرار من القيادة.
هذا الاعتقاد - الزعم يثير سخرية الفلسطينيين. ذلك أنهم ليسوا بحاجة إلى تحريض كلامي، فأكبر تحريض يثير سخطهم وغضبهم يكمن في خطابات القادة الإسرائيليين السياسيين، وفي ممارسات جنود الاحتلال، وفي خطابات وممارسات قادة المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، ساسةً ومتدينين.
والحقيقة أنه من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم 6 ديسمبر (كانون الأول) 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تشهد الأرض الفلسطينية تصعيداً مستمراً للتوتر، من الجانبين، قتل ثلاثة إسرائيليين و32 فلسطينياً. الفلسطينيون من طرفهم يخرجون إلى الشوارع في مظاهرات سلمية أفتكُ سلاحٍ فيها الحجر، وقوات الاحتلال ترد بالقمع. ولقد بدأ هذا القمع «محدوداً»، إلا أن القيادة اليمينية المتطرّفة في الحكومة والمستوطنات راحت تمارس ضغوطاً كي يزداد حدة وشدة.
نموذج لذلك نجده في جنازة المستوطن إيتمار بن غال، الذي قُتِل بطعنة سكين وجّهها له شاب صغير مشرّد في تل أبيب ومسجّل في دائرة الشؤون الاجتماعية كمتعاطي مخدرات. وجرت الجنازة يوم الثلاثاء الماضي بحضور رئيس الكنيست يولي ادلشتين ونائب وزير الأمن ايلي بن دهان، ووزير الزراعة أوري أريئيل وثلاثتهم ينتمون لليمين المتطرف.
لقد قاطع بعض المستوطنين كلمات الزعماء بالهتافات: «الدماء تلطّخ أياديكم» و«نريد الانتقام». وقال الحاخام أليعزر ملاميد، رئيس المدرسة الدينية في مستوطنة هار براخا، حيث عاش بن غال، إن «أعمق انتقام هو مواصلة البناء وتشييد حي آخر وتحويل هار براخا إلى مدينة». وتابع بلهجة عدائية: «لم نأتِ إلى البلاد لسلب العرب من ميراثهم، ولكن عندما قاموا علينا لإبادتنا، علينا أن نقتل مَن يريد قتلنا ونطرد مَن يريد طردنا».
وما كان الوزير أريئيل أقل تشدداً في كلمته، إذ قال: «حان وقت (جبل الهيكل) - يقصد الهيكل الذي يؤمن اليمين بأنه كان قائماً في المكان الذي يقوم فيه الآن مسجد عمر المعروف بقبة الصخرة في المسجد الأقصى، والذي يطالب بعض المتطرفين بهدمه لكي يعاد بناء الهيكل. حان وقت اعتراف شعب إسرائيل بقدسية جبل الهيكل وبناء الهيكل. توجد طرق كثيرة لدى قوات الأمن لمحاربة الإرهاب، وهناك أمور لم نستخدمها بعد، مثل طرد العائلات، وغيرها، وحان الوقت لتنفيذها فوراً، وليس بعد القتل القادم. نحن في الحكومة نتحمل المسؤولية عن أمن وبناء إسرائيل. يجب عدم انتظار مقتل أحد لكي نبني المستوطنات. ونقولها بصوت واضح: بين الأردن والبحر ستكون دولة واحدة سيادية هي إسرائيل وعاصمتها القدس الموحّدة. حان وقت السيادة».
وصعّد حاخام مستوطنة يتسهار، ديفيد كافيتس، لهجة التشدد والتهديد فقال: «لسنا نحن الضيوف هنا. أمة بأكملها قامت علينا. يجب تغيير السيادة. نحن أصحاب البيت هنا. المسألة ليست (محمد واحداً)، إنها أمة تعيش على الحراب مقابل أمة تضيف الخير للعالم. إنهم ليسوا شركاء في هذه الأرض. إنهم غرباء تماماً، عدنا إلى البيت بالعدل والرحمة. يجب علينا اجتثاث هذه الأمة القاتلة (في إشارة إلى الإسلام والمسلمين)».
ودعا يوسي دغان، رئيس مجلس شومرون الإقليمي، الحكومة إلى العمل على «تعزيز الردع ومنع وقوع المزيد من الهجمات»، وتابع: «من هذا المكان، إلى القتلة السفلة (كذا)، وعلى رأسهم محمود عباس، عليه اللعنة – لن تكسرونا أبداً. دور الجيش الإسرائيلي هو الانتقام من السلطة الفلسطينية الإرهابية، مهمتنا هي تعزيز بناء أرض إسرائيل وتطهير الأرض من التدنيس».
في ظل هذه الأجواء العدائية يعمل الجيش الإسرائيلي – ومعه المخابرات الإسرائيلي – بعد عملية قتل المستوطن بن غال. ولكي يثبت بأنه بحجم هذه المهمة، فإنه يدير حملة ترهيب شرسة في المناطق الفلسطينية، تذكّر بممارساته خلال الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية عام 2002، التي انتهت بموت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بعد حصار شديد له في المقاطعة. لقد فشل الجيش طيلة ثلاثة أسابيع في إلقاء القبض على منفّذي العملية، وراح يطوّق عدة قرى ويطرد الناس من بيوتهم ويهدم البيوت بلا حساب ويعتقل ويبطش بلا رحمة. وخلال بضع ساعات من الهجوم على أحد أحياء نابلس قتل الجيش شاباً ليست له أي علاقة بالعملية، وأصاب 155 شخصاً بجراح، أكثر من 20 منهم أصيبوا بالرصاص الحي أو المطاطي. ومثل هذه العملية تمت في جنين وبلدات برقين وكفل حارس واليامون وغيرها.
القادة الفلسطينيون من جهتهم يتساءلون بحيرة عن سبب هذا التصعيد الموتور: فهل الإسرائيليون يصعّدون لأنهم معنيّون بتفجير انتفاضة؟ وفي المقابل، القادة الإسرائيليون يتساءلون أكثر: هل انتهت مرحلة العمليات الفردية وما نراه الآن هي بوادر انتفاضة فلسطينية مسلحة؟
عملية قتل المستوطن في حبات جلعاد، قرب مدينة نابلس، عملية منظَّمة جدّاً يقف وراءها تنظيم مسلح بالتأكيد، فهل هي عملية واحدة ستعقبها عدة عمليات؟ ومَن يقف وراءها؟ هل هي حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، اللتان ترحبان عادة بكل عملية جديدة؟ أم هي حركة «فتح»، التي تُعتَبر أشد خطورة؟
إنهم يقولون صراحة إن تصدي سكان نابلس للاجتياح الإسرائيلي في منطقة الجبل الشمالي يوم الأربعاء الماضي، لم يحدث منذ 10 سنوات، وكذلك ما حصل في اليوم السابق في مدينة حلحول القريبة من مدينة الخليل. وشوهد خلالها مقاتلون فلسطينيون مقنَّعون يحملون السلاح الآلي ويسيرون في الشوارع في وضح النهار، بل في نابلس أطلق بعضهم الرصاص الحي من أسلحتهم باتجاه القوات الإسرائيلية وهي تنسحب. فهل عادت «كتائب شهداء الأقصى»، الذراع العسكرية لحركة فتح، إلى الميدان، وهي التي تتمتع بالخبرة القتالية وبعض أفرادها تدربوا على أيدي ضباط أميركيين في زمن الجنرال دايتون؟



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».