سكورسيزي: «ناس الغيوان» المغربية كانت مدخلا مهما بالنسبة لي للاهتمام بالشعر العربي

قال لـ«الشرق الأوسط»: إن السينما يمكن أن تفتح الباب على قلوب العالم وثقافاته

مارتن سكورسيزي رئيس لجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش (أ.ب)
مارتن سكورسيزي رئيس لجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش (أ.ب)
TT

سكورسيزي: «ناس الغيوان» المغربية كانت مدخلا مهما بالنسبة لي للاهتمام بالشعر العربي

مارتن سكورسيزي رئيس لجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش (أ.ب)
مارتن سكورسيزي رئيس لجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش (أ.ب)

خلال لقاء صحافي نظمته لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تحدث رئيسها، المخرج الأميركي، مارتن سكورسيزي مستعرضا المعايير التي سيجري اعتمادها في اللجنة للفصل بين الأفلام المتنافسة، قائلا إن «على الفيلم أن تكون فيه لغة سينمائية، وأن يعكس النظرة الشخصية للمخرج وصوته، بشكل يمكن من الاقتناع بالمهارات التي يقوم عليها». وشدد على أن «التعاطي مع الشباب مهم جدا»، ولذلك «علينا أن نلقن الأجيال الصاعدة القيم التي حركت الأفلام الكلاسيكية، وأن نعطيهم لمحة تاريخية عنها»، ملاحظا أن «السينما التجارية صارت مهيمنة في الوقت الحاضر»، وأن «السينما صارت تصنع، اليوم، بشكل مختلف».
ولم يخف سكورسيزي شعورا بالسعادة بالوجود في المغرب، وقال إنه «سعيد جدا» بأن يترأس لجنة تحكيم الدورة، مبرزا أن تصوير فيلمين بالمغرب مكنه من «استحسان روح الشعب المغربي وجمالية ثقافته». وأضاف: «أتردد على المغرب منذ 1983. وقد صورت هنا فيلما قريبا على قلبي، هو (الإغراء الأخير للسيد المسيح)، وأعتقد أني أتفاعل بشكل جيد مع هذا البلد وهذا الشعب المضياف. كما صورت (كاندون) هنا وكان ذلك رائعا».
ويحتفظ سكورسيزي بعلاقة خاصة مع المغرب تتلخص، أساسا، في عدد المرات التي شارك فيها في مهرجان مراكش، واختياره تصوير عدد من أفلامه بالمغرب، فضلا عن العلاقة الجميلة التي ربطته بموسيقى وتجربة مجموعة «ناس الغيوان» الشهيرة، قائلا: «شاهدت فيلم (الحال) لمخرجه أحمد المعنوني، أول مرة على قناة نيويوركية محلية. كان الفيلم مدخلا لاكتشاف المغرب والتعرف عليه. لما سمعت موسيقى (ناس الغيوان) أعجبت بها. فلم يسبق لي أن سمعت موسيقى من هذا النوع. نعم، لقد تأثرت بأنغام هذه المجموعة. وكانت حاضرة في فيلمي (الإغراء الأخير للسيد المسيح)، كما وظفت جزءا من تجلياتها في فيلمي (كاندون)، ونصحت مخرجا سينمائيا صديقا لي باستعمالها، وهذا ما فعله. إن ثقافة المغرب التي أنتجت هذه الموسيقى غنية. لقد سمحت لي المجموعة الموسيقية باكتشاف أعمق للمغرب والتعرف عليه أكثر عندما زرت المغرب لاختيار ديكور فيلمي. لقد استمر التأثر لسنوات، ولذلك فكرت من دون تردد في إصلاح فيلم (الحال)، حينما خرجت فكرة تأسيس مؤسسة (ورلد سينما). قلت يجب أن أصلح (الحال). والآن، أصبح الفيلم يتمتع بجودة عالية، على مستوى الصوت والصورة. هناك تأثير آخر مارسته على مجموعة (ناس الغيوان)، فقد أعجبت بكلام الأغاني، وكان ذلك مدخلا مهما بالنسبة لي للاهتمام بالشعر العربي».
وجوابا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» تناول الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما والسينمائيون في التقريب بين الثقافات، بشكل يقي سوء الفهم بين الحضارات، دعا سكورسيزي إلى «إبراز التفاعل بين أفلام الثقافات الأخرى، لأنه مهم لتبادل الأفكار والخبرات»، منتهيا إلى أن «السينما يمكن أن تفتح الباب على القلوب وثقافات العالم».
وسبق أن جرى تكريم سكورسيزي ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان مراكش، كما وشح بوسام «الكفاءة الفكرية» من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس، اعترافا بجدارته الفكرية، فيما حرص منظمو المهرجان على مشاركة مجموعة «ناس الغيوان» في تنشيط فقرات تلك الدورة، احتفاء وتكريما لهذا المخرج المتميز الذي كان أطلق على المجموعة المغربية الشهيرة لقب «رولينغ ستون» أفريقيا والعرب، بعد أن تعرف على موسيقاها عام 1981. وظل يداوم على الإنصات إليها منذ ذلك الوقت. وعاد سكورسيزي إلى المدينة الحمراء، خلال الدورة السابعة للمهرجان، حيث حضر بساحة جامع الفنا عرض فيلم «الطيار»، مرفوقا بالنجم العالمي ليوناردو دي كابريو، إذ استمتع بسهرة فنية جمعت أغاني «ناس الغيوان» بفيلم «الحال»، الشريط السينمائي الذي وثق للمجموعة، والذي عرض على شاشة عملاقة جرى نصبها بالساحة. كما عاد سكورسيزي، بمناسبة الدورة العاشرة، إلى المدينة الحمراء، حيث سلم الممثلة الشهيرة كاثرين دونوف نجمة تكريم السينما الفرنسية.
ويعد سكورسيزي أحد أبرز المخرجين، الذين عرفتهم هوليوود، حيث أخرج الكثير من الأفلام التي هزت الساحة النقدية، وهو حاصل على الكثير من الجوائز، وسبق له أن صور فيلم «الإغراء الأخير للسيد المسيح» (1988) وفيلم «كاندون» (1995)، باستديوهات «الأطلس» بورزازات (جنوب المغرب). ومن بين أهم أعماله نجد «سائق التاكسي» مع الممثل روبرت دي نيرو، و«الإغراء الأخير للسيد المسيح» مع الممثل ويليام دافو، و«كازينو» مع شارون ستون، و«عصابات نيويورك» و«الطيار» مع ليوناردو دي كابريو. كما أنتج عدة أفلام وثائقية. ومن المتوقع أن يطلق فيلمه الجديد «ذئب وول ستريت» في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وهو مؤسس ورئيس مؤسسة الفيلم ومؤسسة السينما العالمية، وكلاهما هيئة خيرية تسعى إلى حفظ وحماية الأفلام السينمائية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».