جولييت بينوش في فيلمها الجديد لا تبحث عن المتاعب.. بل تعيشها

أيام مهرجان مراكش السينمائي الدولي2

جولييت بينوش في فيلمها الجديد لا تبحث عن المتاعب.. بل تعيشها
TT

جولييت بينوش في فيلمها الجديد لا تبحث عن المتاعب.. بل تعيشها

جولييت بينوش في فيلمها الجديد لا تبحث عن المتاعب.. بل تعيشها

لم تهطل الأفلام التي اختارها مهرجان مراكش لدورته الثالثة عشرة من السماء، بل جرى اختيارها بدقة وروية. والنتيجة مجموعة لا بأس بها من التجارب الفنية والفكرية التي تتعرض لأوضاع بعضها محدود في دائرة اهتمامه وبعضها يتجاوز الخاص للعام ولو أنه يعود إلى الأول كونه الصلب في الموضوع المطروح.
في اليوم الأول بعد الافتتاح (الثلاثين من نوفمبر - تشرين الثاني) جرى الاحتفاء بالممثلة الفرنسية جولييت بينوش. جرى تقديمها أولا من خلال كلمات موجزة لا تشكل تطويلا (ولو أن الحفل بدأ متأخرا لأكثر من ساعة) وثانيا من خلال مشاهد من أفلامها المعروضة في هذا الاحتفاء من بينها «ثلاثة ألوان: أزرق» لكريستوف كييسلوفسكي و«المريض الإنجليزي» لأنطوني منغيلا و«ماري» لأبل فيريرا و«كامي كلوديل - 1915» لبرونو ديمون، قبل عرض فيلمها الأحدث «ليلة سعيدة ألف مرة» لإريك بوب.
بينوش في أفغانستان
الصالة امتلأت بالتدريج، وكان من بين جالسي الصف الأول الممثلة يسرا والمخرجة إيناس الدغيدي، وإلى جانب الكرسي الذي شغلته يسرا كان هناك كرسي شاغر عليه اسم عادل إمام الذي لم يظهر. لو فعل لوجد نفسه بين الممثلة التي كثيرا ما عمل معها وبين المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي الذي يرأس لجنة التحكيم والذي تبادلت معه يسرا بعض عبارات تعريفية.
الأفلام الاثني عشر المنتخبة في إطار التكريم للممثلة الفرنسية بينوش تشكل أساسا لمن لم يكن يعرف هذه الموهبة التي لا تكل في السعي للكمال. إنها كل الشخصية التي تلعبها في كل فيلم. إنها الفتاة الشابة التي تحاول أن تستوعب ما يحدث في «الخفة غير المحتملة للوجود» لفيليب كوفمان (1987) والمتوحدة الثكلى بموت ابنها في «ثلاثة ألوان: أزرق» (1993) ثم هي بالطبع امرأة تمر عليها الحرب العالمية الثانية فتخسر من تحب لكنها ترفض الهزيمة في «المريض الإنجليزي» (1996) والزوجة المرتابة في معالجة زوجها لفعل مدهم في «مخبوء» لميكائيل هنيكه.. والإنسانة الراغبة في الخروج من سجنها في مصح تشرف عليه الكنيسة في «كامي كلوديل - 1915» الذي استعرضناه حين شوهد في مسابقة مهرجان برلين الأخير.
الأفلام الأخرى لا تقل ثراء حين النظر لنوعية الشخصيات التي أدتها الممثلة المعروفة. كذلك الحال بالنسبة لفيلمها الأخير «ليلة سعيدة ألف مرة» التي هي أفضل ما فيه.
يبدأ الفيلم بنور سيارة آت من بعيد يشق عتمة الليل، ثم عينها، ثم وجهها، وقد وصلت إلى مقر سري لحركة طالبان يجري فيه تجهيز امرأة لتفجير نفسها. تلتقط الصور على نحو متواصل ثم تطلب أن تركب معها السيارة التي ستنقل المرأة إلى السوق المزدحمة بالناس. تواصل التقاط الصور ثم تنزل من السيارة بعدما أدركت أن عليها أن تبتعد عن المكان قبل أن تفجر المرأة نفسها. رغم ابتعادها، لمسافة قصيرة، فإنها تواصل التقاط الصور قبل أن تصرخ بأعلى صوتها محذرة من وجود قنبلة حتى تمنح الموجودين فرصة الهرب. لكن الانفجار يقع ويحصد أرواحا وتصاب هي بجروح.
هناك نقلة ناعمة بينها وهي ملقاة على الأرض وبين المشهد الآخر لها في المستشفى في دبي، ثم من هذا المشهد لمشهد سحاب تحت مستوى الطائرة التي تنقلها إلى موطنها في دبلن، ومن ذلك المشهد إلى مشهد ليدها تمدها من السيارة المتجهة بها إلى البيت.
هناك مفاجأة تنتظرها وهي أن زوجها مرقص (الدنماركي نيقولاي كوستر والداو) ضاق ذرعا بعملها الذي يأخذها من البيت والعناية بطفلتيهما، وها هو يخيرها بين أن تواصل عملها أو أن تصبح زوجة.
هذا كله في ثلث الساعة الأولى ما يخلق مشكلة لاحقة في السيناريو؛ إذ أسس لهذا الوضع فإن الساعة والنصف اللاحقة ستكون مجرد بلورة له، ما يعرضه إلى التكرار بعد وصول المشكلة والمفهوم المرغوب رسمه. ربيكا المصورة ستختار البيت والعائلة وسترفض المزيد من العروض كمصورة صحافية متخصصة في العمل في مناطق النزاع حول العالم، لكن عندما تتاح لها فرصة مواكبة ابنتها المراهقة ذات العقل الأكبر من سنها «أحزن كل يوم لما يمر به أطفال العالم» في رحلة إلى كينيا، فتعرض نفسها للأذى، مجددا ينفذ الزوج تهديده فتصبح خارج العائلة وتخسر، بكلماتها، كل شيء باستثناء مهنتها التي تعود إليها من جديد.
نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان مونتريال (لذلك لا نجده متسابقا هنا). إنه فيلم صادق النبرة من مخرج كان يوما مصورا فوتوغرافيا يغطي مناطق النزاع والحروب حول العالم، ولربما وجد نفسه في المأزق ذاته ما يعني أنه قلب الموضوع فإذا بالزوج هو من يطلب من الزوجة الانصراف عن مهنة الخطر وليس العكس. هذا تجديد في مكانه ولو أن الزوج لا يبدو أكثر من شخص لديه ردود فعل وقليل من العمق.
الفيلم يراوح مكانه أكثر من مرة ولديه نبرة خطابية متبادلة بين الشخصيات ومواقف جاهزة، إنسانية نعم وتتداول موضوعا مهما يستفيد من الحالة الإنسانية المتهاوية لهذا العالم الذي نعيشه، لكنه ليس مرتاحا في الانتقال بين الخاص والعام ومنح الشخصيات تبريرات أكثر عمقا لما تقوم به.
إلى ذلك، هناك حقيقة أن الشخصيات، افتراضيا، تعيش في دبلن.
ظل السياسي
في المسابقة فيلمان إيطالي وإسباني، الأول من عروض كارلوفي فاري في يوليو (تموز) وشيكاغو في أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين. «تحيا الحرية» هو فيلم كوميدي ذو نطاق اجتماعي مع تلوين سياسي حول رئيس حزب معارض اسمه إنريكو (توني سرفيللو) يقرر التنازل عن منصبه والتواري بعيدا عن السياسة فيختفي فجأة. يبحث أعوانه عنه استباقا لمؤتمر مهم للحزب عليه أن يخطب فيه، فيهتدون إلى شقيقه التوأم جيوفاني (سرفيللو أيضا) المشابه تماما لشقيقه باستثناء أنه متحرر من المنطق ومن التصرفات المعهودة لسياسي خبير. في الواقع جيوفاني خريج مستشفى المجانين مع شبهة أنه الآن استعاد كامل قواه العقلية. أمر سيبقى محط التساؤل إلى أن تثبت الأحداث صواب ذلك من عدمه.
إنريكو يهجر زوجته آنا (ميكيلا سيزوني) ويلجأ إلى منزل عشيقته السابقة دانييل (فاليريا بروني دتيتشي) المتزوجة الآن من مخرج سينمائي شرقي اسمه مونغ (إريك نغوين) الذي ربما قصد به أن يكون بمثابة أي مخرج آسيوي من العاملين في باريس هذه الأيام. هذا الجزء من الفيلم (بمشاهد متباعدة) ضعيف، ما يجعل المشاهد يتوق أكثر لمتابعة الجزء الإيطالي من الفيلم ذاك الذي نرى فيه ما سيقوم جيوفاني به وقد وجد نفسه يرتفع من جليس مقاهي إلى صالونات السياسيين.
رغم موضوعه المثير، يختار المخرج روبرتو أندو معالجة جادة تفتت المناطق الكوميدية الداكنة وتعالج المسألة على أساس من القوالب الجامدة والمفارقات المتوقعة. من ناحية أخرى يطرح السؤال المحق حول ما إذا كان السياسيون الإيطاليون يستطيعون الاهتزاز قليلا لنفض تراب الأفكار والممارسات الثابتة التي يعمدون إليها في تسيير شؤون البلاد (ليسوا وحدهم).
علاقة عاطفية مع السينما
على نحو مختلف يأتي فيلم المسابقة الثاني «الآملون» (تمت ترجمته هنا إلى «الجري وراء الأوهام») وهو فيلم إسباني ليوناس ترويبا (ابن المخرج فرناندو ترويبا) سبق عرضه في مهرجان لندن الأخير. يختلف من حيث أسلوب العمل قبل كل شيء. نحن هنا مع محاولة يجري فيها الجمع بين عملي الفرنسي جان - لوك غودار البصري والأميركي جون كازافيتيز الأسلوبي في إطار الفيلم المستقل والذاتي إلى أبعد الحدود من دون أن يكون ترجمة لأحداث شخصية بالضرورة.
بطله كاتب سيناريو ومخرج شاب (فرانشيسكو كاريل) الذي يعيش في مدريد اليوم والذي ما إن تعود صديقته السويسرية ليليان (إيزابيل ستوفل) إلى بلدها حتى يتعرف إلى صوفيا (الجيدة أورا غاريدو). لكن الفيلم ليس عاطفي الحكاية ولو أن الحب له حجم مما يرويه، بل يتناول الأمور الوجدانية المعيشة في بال بطله ليون ومحيطه السينمائي. هذا المحيط يمنح الفيلم مرجعيات لهواة الأفلام فيجري ذكر عناوين أعمال حينا، والحديث عن أفلام حينا آخر (ودخول السينما في مشهد لاحق).
ليس هناك ما يقدر أكثر مما هو ظاهر: دراما رومانسية خفيفة مع مقاربة ذاتية في الموضوع كما في أسلوب العمل وهو يضرب على وتر حساس عندما يحن إلى الأمس وينظر بريب إلى زمن الديجيتال الحالي. جرى تصويره بالأبيض والأسود وبتقنية تذكر كلما انتقل الفيلم من جملة مشاهد إلى جملة مشاهد أخرى، بأيام التوليف على المافيولا وأسلوب غودار المونتاجي إنما من دون توتره. في الواقع يوجه المخرج ترويبا تحيته إلى الإسباني خافييه روبيللو الذي قاد مسيرة الفيلم الإسباني المستقل.
مأزق الفيلم هو أن ما يعرضه من حكاية لا يرتفع إلى كثير طرح. يتوخى أسلوب فيلم روائي حول فيلم تسجيلي يجري تحقيقه حول شخصيات خيالية. هذا أيضا يسبب بعض الإرباك ولو أنه في نهاية الأمر يعبر عن ناحية تثير التأمل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».