إسرائيل تغتال جرار بعد مطاردة معقدة

ليبرمان قال إنه أغلق الحساب مع قاتلي الحاخام في نابلس الشهر الماضي

TT

إسرائيل تغتال جرار بعد مطاردة معقدة

اغتالت إسرائيل، أمس، في عملية واسعة شارك فيها الجيش والشاباك وقوات خاصة من وحدات مختارة، الشاب أحمد جرار (22 عاماً)، في بلدة اليامون، شمال مدينة جنين في الضفة الغربية.
واقتحمت قوات إسرائيلية كبيرة اليامون مع ساعات الفجر الأولى، وحاصرت مقراً صغيراً مهجوراً لقوات الأمن الوطني الفلسطيني، فهدمت المكان عليه، ثم قتلته في الخارج.
وأعلن محافظ جنين، إبراهيم رمضان، مع ساعات الصباح الأولى، اغتيال جرار الذي تحول إلى أيقونة نضالية بالنسبة لكثير من الفلسطينيين.
وقال رمضان إن الجيش الإسرائيلي احتجز جثة جرار، ثم أبلغ الجانب الفلسطيني بـ«استشهاده».
وشوهد الجنود الإسرائيليون بعد نحو 5 ساعات من الحصار وهم ينقلون جثة مغطاة إلى مكان مجهول، قبل أن يغادروا مخلفين وراءهم غرفاً مهدمة وبقايا رصاص وملابس لجرار وبعضاً من الزاد الخفيف ومصحفاً كان قد أهداه له والده، الذي قتله الإسرائيليون كذلك في جنين عام 2002.
وقالت والدة جرار، بعدما تلقت ملابسه والمصحف الذي اخترقته رصاصة: «أحمد بيرفع الرأس، إنه ابن فلسطين كلها وليس ابني لحالي، هز الكيان (الإسرائيلي) كله».
وحظي اغتيال جرار باهتمام فلسطيني وإسرائيلي واسع. وفيما كانت مكبرات الصوت تصدح في جنين معلنة «استشهاد» جرار، تجمع آلاف من الفلسطينيين أمام منزله، وخرجوا في مسيرات غاضبة وهتفوا بالانتقام. وأظهر كثير من الفلسطينيين الاحترام لجرار، من خلال أشعار وصور وتعازٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأعلنت مدينة جنين، مسقط رأس جرار، الحداد على ابنها، وأغلقت المحال التجارية أبوابها.
ولم يتضح في أي ظروف قتل الجيش الإسرائيلي جرار، وإذا ما كان قد اشتبك معهم، أو كان ينوي تسليم نفسه فقتلوه.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه هدم المبنى الذي وجد فيه جرار قبل إطلاق النار عليه. وقال ناطق باسم الجيش، في بيان: «دخلت قوات من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) وقوات الشرطة الخاصة إلى مكان اختبائه (جرار) في قرية اليامون»، وأضاف: «بعد محاولات متكررة لإخراجه من المبنى، بما في ذلك الدعوة عبر مكبرات الصوت، وإطلاق النيران الخفيف باتجاه المبنى، قامت قوات الهندسة بهدمه»، وتابع: «خلال محاولة اعتقاله، خرج من المبنى الذي تحصن في داخله، وتعرض لإطلاق نار من قبل القوات، ووجد إلى جانب جثته سلاح (إم 16) وحقيبة تحتوي على عبوات ناسفة».
وباغتيال جرار، أغلق الجيش الإسرائيلي عملية مطاردة مضنية استمرت نحو شهر، بعد اتهامه ورفاقه بقتل الحاخام رازيئيل شيفح، في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، في عملية قرب نابلس.
وفشلت إسرائيل مراراً في الوصول إلى جرار، في عمليات سابقة في جنين وبرقين والكفير، لكنها قتلت ابن عمه بعد اشتباك مسلح في 18 من يناير الماضي، في منزل في جنين كان يعتقد أن جرار موجود فيه.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، آنذاك، أنه «قتل أحد المشتبه فيهم في قتل المستوطن في نابلس، وألقي القبض على مشتبه به آخر، فيما أصيب جنديان».
وكثفت إسرائيل البحث لاحقاً عن جرار، وشنت 3 عمليات في جنين، من دون أن تتمكن من الوصول إليه.
وقال جهاز الشاباك (الأمن العام) إن عناصر الجيش، الشاباك والشرطة الإسرائيلية، تمكنوا من جرار بعد «مبادرة استخباراتية وعملياتية معقدة ومركبة».
وأضاف الشاباك في بيانه: «كان جرار ناشطاً رئيسياً في إطار الخلية التي نفذت عملية إطلاق النار التي ارتكبت قرب مزرعة غلعاد، يوم 9 يناير 2018، والتي أودت بحياة الحاخام شيفح. وشارك جرار شخصياً في تلك العملية».
وزعم الشاباك أن الخلية التي تزعمها جرار شاركت أيضاً في محاولات إضافية لتنفيذ هجوم، وكانت تخطط للمزيد.
وفوراً، هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على «العملية الحازمة»، متباهياً: «قلت قبل عدة أيام لأرملة الحاخام رازيئيل شيفح إننا سنصل إلى القتلة. واليوم، تم استكمال تلك المهمة»، وأضاف: «ستصل قوات الأمن إلى كل من يحاول المس بالمواطنين الإسرائيليين، وستتم محاسبته».
كما أشاد وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بالجنود الإسرائيليين، وقال في تصريح إنه بقتل جرار «تمت تصفية الحساب»، وأضاف: «أنا أشيد بالجيش، الشاباك والشرطة الإسرائيلية، على عمليتهم الناجحة. كان الواضح أنها مسألة وقت حتى وصولنا إلى قائد الخلية التي قتلت الحاخام رازيئيل شيفح، لتبارك ذكراه. أمل وأعتقد أننا أيضاً سوف نضبط قريباً قاتل الحاخام إيتمار بن غال».
لكن حركة حماس، التي ينتمي إليها جرار، قالت إن رفاق جرار سيستكملون مسيرته. وجاء في بيان لها أنها ماضية «في ركب الجهاد والمقاومة حتى دحر الاحتلال عن كل شبر من أرضنا». ودعت حماس «مقاومة شعبنا في الضفة المحتلة للرد على جريمة الاحتلال باغتيال المقاوم البطل أحمد نصر جرار، وندعوها لضرب جنود الاحتلال ومستوطنيه في كل شبر من أرضنا».
وأضافت الحركة: «نؤكد أن الضفة التي أنجبت العياش وأبو هنود والجمالين (مسؤولين في حماس اغتالتهم إسرائيل)، وكوكبة الشهداء العظام الذين كان الشهيد جرار آخرهم، لهي قادرة على إنجاب كثير من الأبطال العظام القادرين على الاستمرار على النهج ذاته، فطريقنا طويل، ومشوار التحرير لن ينتهي، وستنجب الضفة ألف جرار يقض مضجع الاحتلال، ويجبره على الرحيل عن أرضنا».
ونعت حركة فتح جرار، وقالت إن جريمة اغتياله تضاف إلى جرائم الاحتلال الإسرائيلي المخالفة لكل القوانين الدولية، وهي تعبر عن سياسة سلطات الاحتلال في استباحة الدم الفلسطيني، وممارسة سياسة التمييز العنصري والأبرتهايد بحق أبناء شعبنا.
وقال المتحدث باسم حركة فتح، أسامة القواسمي: «إن هذه الجريمة التي تمثل شكلاً من أشكال الإعدام الميداني لن تنال من عزيمة شعبنا الذي سيواصل صموده على أرض وطنه، وتمسكه بحقوقه الثابتة».
كما نعت «الجهاد الإسلامي» جرار بقولها إن النصر الذي سجله لن ينتهي إلا باقتلاع الاحتلال.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.