مارتن هايدغر... بلا دموع

كيف تشرح أعقد القضايا الفلسفية بأسلوب مفهوم؟

مارتن هايدغر... بلا دموع
TT

مارتن هايدغر... بلا دموع

مارتن هايدغر... بلا دموع

كتاب عن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889 - 1976) عنوانه «مصطلحات الفلسفة الوجودية عند مارتن هايدغر.. معجم ودراسة» للدكتور محمد عناني، عميد المترجمين المصريين من الإنجليزية وإليها، وأستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في أواخر 2017. ويحق لنا أن نقول إنه كتاب موجّه إلى القارئ الجاد، وإن يكن غير متخصص في الفلسفة؛ إذ يسعى في قرابة ثلاثمائة صفحة أو أكثر قليلاً إلى أن يبسط فكر هايدغر، وأن يحيله إلى شراب سائغ لا يكلف قارئه كداً ولا دموعاً.
ليست صعوبة هذه المهمة في حاجة إلى توضيح. فهايدغر من أصعب الفلاسفة وأعمقهم فكراً وأوعرهم مركباً. إنه يمثل مشكلة حتى لقرائه الألمان (حتى أعمقهم ثقافة وخبرة) فكيف به إذا نقل إلى لغة أجنبية تختلف عن الألمانية اختلاف اللغة العربية؟ (يروى أن إحدى طالبات هايدغر انتحرت بعد استغراقها لمدة ثلاث سنوات في محاولة حدس إجابات لأسئلته). ولا يمكن أن يقال إن كتاب الدكتور عناني قد تغلب على هذه الصعوبات تغلباً كاملاً، لكنه من غير شك قد قطع أشواطاً في مواجهتها. إنه مساهمة جليلة في فك شفرة هايدغر تضاف إلى مساهمات سابقة لمن كتبوا عن هذا الفيلسوف أو ترجموا طرفاً من أعماله إلى اللغة العربية: الأساتذة والدكاترة عبد الرحمن بدوي، وعثمان أمين، وعبد الغفار مكاوي، وسعيد توفيق، وفؤاد كامل، وزكريا إبراهيم، وغيرهم.
يركز الكتاب كما هو طبيعي على عمل هايدغر الرئيسي «الوجود والزمان» (1927) الذي خلف أثراً عميقاً في الحقل الفلسفي. وبحق يقول هـ. ج. بلاكام في كتابه «ستة مفكرين وجوديين» (1961): إن الكتاب كشف لا عن أصالة مؤلفه فحسب وإنما أيضاً عن طموح أفقه الفكري الذي يريد إقامة ميتافيزيقية للوجود من ذلك النوع الذي أقامه أفلاطون وأرسطو. كما كشف هذا الكتاب عن مدى تمثله لآراء آصل مفكري عصره مثل كير كجارد ونيتشه ودلتي وهوسرل.
درس هايدغر وجود الإنسان في العالم من حيث صلته بالزمن؛ فالوجود زمني دائماً (أخذ عبد الرحمن بدوي عنه هذه الفكرة في أطروحته للدكتوراه بعنوان «الزمان الوجودي» 1944). وعنده أن الوجود الإنساني متجه نحو الموت على نحو لا مهرب منه، ومن ثم كان شعور الإنسان بالقلق والجزع المبهم والتوتر، وغير ذلك من الانفعالات التي اهتم بها الفلاسفة الوجوديون. ومن هنا كان ميل السواد الأعظم من البشر، في علاقاتهم الاجتماعية وحياتهم اليومية، إلى الانغماس في الاهتمامات التافهة والثرثرة الفارغة والفضول السطحي في محاولة مستمرة للفرار من هذا القلق الخفي الذي يقرض جوانب النفس.
يلخص كتاب عناني مسيرة هايدغر الحياتية وأهم المؤثرات الفكرية فيه (الفيلسوفان الألمانيان فلهلم دلتي وإدموند هوسرل). ويذهب – متابعاً في ذلك مؤرخ الفلسفة البريطاني روجر سكروتون - إلى أن هايدغر، مهما بدا من إيغاله في التجريد، «مفكر في جوفه قلب شاعر» وأن فلسفته تحوي جوانب شعرية تمثل انصهار الفكر في العاطفة أو التوحيد بينهما. يشهد بذلك ولع هايدغر بالشعر الإغريقي القديم وقصائد الشاعر الألماني هولدرلين وما كتبه عن لوحة فان غوخ التي تصور حذاء فلاح أو فلاحة.
ومن الإضافات التي يقدمها كتاب عناني، أن مؤلفه - بوصفه أستاذاً للأدب - يربط أفكار هايدغر الفلسفية بأعمال أدبية من الشرق والغرب تلقي الضوء على الصلة بين الأدب والفلسفة. فهو يورد مثلاً أبياتاً من مسرحية أحمد شوقي «مجنون ليلى» وقصيدته «كبار الحوادث في وادي النيل» ورباعيات الخيام بترجمة أحمد رامي وقصيدة «الطلاسم» لشاعر المهجر إيليا أبي ماضي. ويترجم عناني (نظماً) أبياتاً للشاعر الرومانتيكي الإنجليزي وردزورث، كما يذكر مسرحيات شكسبير ونقد ماثيو أرنولد وروايات ديكنز وقصيدة إليوت «الأرض الخراب» (عرضاً يذكر عناني أن روايات ديكنز لم يترجم منها إلى العربية غير القليل، وليس هذا صحيحاً؛ فأغلبها مترجم منذ أربعينات القرن الماضي).
ويضم الكتاب معجماً بمصطلحات الفلسفة الوجودية مستمداً من اللغات الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، واليونانية، والعبرية واللاتينية مع إيراد مقابلاتها العربية. وهو جهد جزيل الفائدة، عميم النفع من شأنه أن يعين باحثي المستقبل ومترجميه.
وينتهي الكتاب بقائمة بالمراجع الأجنبية المشار إليها في ثناياه، وهي تضم أهم الأعمال المكتوبة عن هايدغر (ثمة الآن مكتبة ضخمة من الدراسات عنه بمختلف اللغات). ولكن مراجع عناني تفتقر إلى عمل أو عملين رئيسيين، مثل كتاب الناقد الأميركي المعاصر جورج ستاينر «مارتن هايدغر» (لندن 1978)، وهو في اعتقادي من أهم المراجع في بابه.



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».