طائر البوم ينضم إلى الباز لحماية ذهب قصر الكرملين

بعد أن عجزت الأسلحة الروسية عن التصدي للغربان

الطيور الجارحة خير صديق للقضاء على الغربان
الطيور الجارحة خير صديق للقضاء على الغربان
TT

طائر البوم ينضم إلى الباز لحماية ذهب قصر الكرملين

الطيور الجارحة خير صديق للقضاء على الغربان
الطيور الجارحة خير صديق للقضاء على الغربان

تقف أحدث أنواع الأسلحة الروسية، بما فيها المنظومات الصاروخية المتطورة جداً على أهبة الاستعداد لضمان أمن وسلامة الكرملين، ومع الأسلحة يبقى أمن ذلك المجمع من الأبنية القديمة مهمة يعمل على تنفيذها بدقة عدد كبير من الأجهزة الأمنية الروسية. إلا أن كل وسائل ضمان الأمن هذه، والتي يمكن تصنيفها «اصطناعية»، تقف عاجزة عن حماية الكرملين وقُببه الذهبية من الغربان، التي تبدو مثل عدو «طبيعي» المنشأ، «أصيل محلي»، يلحق أضرارا جسيمة بالكرملين. ولمواجهة هذا الطائر «المخرب» لجأ المختصون إلى الطبيعة، ووجدوا في الطيور الجارحة الحرة، خير صديق يساعد في القضاء على الغربان، وبالمقابل يحصل عليهم كوجبة لذيذة، وكل هذا في مجمع الكرملين.
ويُعرف عن الغربان عشقها لكل ما يتلألأ، وكثيرة هي الحكايات عن الغربان، كيف تتسلل عبر نوافذ المنازل لتسرق ملعقة أو سوارا ذهبيا. وفي حالة الكرملين يختلف الأمر قليلا، إذ لا تمارس الغربان السرقة هناك، وإنما تستخدم مناقيرها الحادة لقشر طبقة الذهب التي تغطي تلك القبب، وتخرب تلك الطبقة أيضاً بمخالبها الحادة وهي تمارس حركات تبدو مثل التزلج من أعلى القبب إلى أسفلها، حيث يغرس الغراب مخالبه في الغطاء الذهبي للقبة، بغية التحكم بحركة الانزلاق، ويلحق بذلك الضرر بالقبب التاريخية. فضلا عن هذا كله لا يمكن تجاهل مخلفات الغربان، التي تعيش عادة ضمن مجموعات أسراب، في كل منها ما لا يقل عن 100 غراب.
ولمواجهة الغربان في الكرملين اعتمد المختصون في البداية وسائل الترهيب الصوتي، إلا أنها لم تجد نفعاً، لأن الطيور السوداء المخربة اعتادت عليها وتمكنت من التعايش معها. ولما كان استخدام بنادق الصيد في الكرملين عملا غير مرحب به، قرر المختصون الاعتماد على الطيور الحرة الجارحة، التي تعشق غريزياً اصطياد الغربان والتهامها. ويقوم بتلك المهمة التي يمكن إدراجها على قائمة «مهام ضمان أمن وسلامة الكرملين» طيور حرة من نوع «الباز»، وهو طير جارح من رتبة الصقريات. ومن ثم انضمت لطيور الباز مجموعة من مختلف أنواع الصقور، بعد اجتيازها دورات خاصة لتألف الصيد بالتعاون مع الإنسان. وبهذا الشكل ظهرت فرقة أمنية من نوع خاص تابعة للكرملين، تتألف بصورة رئيسية من مختصين في عالم الحيوان، والطيور الحرة على وجه الخصوص.
وفي الوقت الحالي يعتمد الكرملين في حربه مع الغربان على طيور «الباز» بصورة رئيسية. وقال كيريل فورونين، كبير الخبراء في فريق علماء الطيور التابع للكرملين، في حديث لوكالة «ريا نوفوستي»، إن الطيور الجارحة الحرة من نوع «الباز» أظهرت كفاءة عالية في التصدي للغربان. وأوضح أن الأنواع الأخرى من الصقريات، بما في ذلك أنواع الصقور التي جرت العادة استخدامها في هواية الصيد، تحتاج إلى فضاء رحب، وتقوم بالصيد من علو شاهق، ترتفع وتراقب وتنقض على الفريسة. وأشار إلى أن الصقر عندما يحلق عاليا قد يرصد فريسة على قبة مبانٍ أخرى مجاورة خارج الكرملين، وينقض عليها، الأمر الذي يرجح فقدانه. أما الباز، فيقول فورونين، إن هذا الطير أظهر كفاءة عالية وحاز بجدارة على صفة «مقاتل موثوق متعدد المهام»، و«تشكل الغربان فريسة طبيعيه له»، وعلى عكس الطيور الجارحة الأخرى، لا يقوم الباز بالتحليق عاليا أثناء الصيد، بل يعتمد أسلوب «الكمين»، حيث يختبئ عادة على الأشجار، ويترقب الفريسة، وفي اللحظة المناسبة ينفذ عملية انقضاض سريعة ودقيقة. ولا يمكن أن يضيع الباز، لأنه بعد كل عملية صيد وحتى إن لم تكلل بالنجاح، يحط على شجرة قريبة، ما يجعل عملية إعادته ليحط على يد مدربه أمرا سهلا.
نشاط الغربان التخريبي لا يقتصر على ساعات النهار، بل وتواصل حتى ساعات متأخرة من الليل اللعب واللهو على القبب الذهبية في الكرملين، مستفيدة من الإضاءة هناك. ويكون الباز في ساعات كهذه «خارج الخدمة» بطبيعته. وكان حل هذه المعضلة باللجوء إلى طائر مفترس آخر، هو البوم، الذي يمارس الصيد عادة في ظلمة الليل. لذلك حصل عدد من طيور البوم على «تصريح» للعيش في الكرملين، والعمل كصياد ليلي هناك. ومعروف في الطبيعة أن الغربان نادرا ما تظهر في المناطق التي تعيش فيها طيور البوم.
ولا يحظى أي طير حر كان بشرف العمل في الكرملين، إذ يجري بدقة انتقاء «النخبة» من مجموعة طيور، للسماح لها بالتحليق في المجمع الذي يرمز للدولة الروسية، منذ أن نقل البلاشفة العاصمة عام 1918 من بطرسبورغ إلى موسكو. وللحفاظ على تلك الطيور، يقوم الخبراء بتثبيت أجهزة بث على أقدامها، وبحال حط الطير في مكان ما تصعب رؤيته بالعين المجردة، يتابع الخبراء تحركاته، ويحددون موقعه عبر الإشارات اللاسلكية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».