داعش يهدد أميركا من جديد

استراتيجية ترمب تنجح خارجياً في المواجهة وتخفق داخلياً

مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
TT

داعش يهدد أميركا من جديد

مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)

هل لا تزال المعركة مع «داعش» طويلة وممتدة بخلاف ما هو ظاهر للعيان من أنها انتهت وحسمت عسكرياً على الأرض بعد انكساراتها في العراق وسورياً؟ ربما بات هذا السؤال يشغل أذهان الأميركيين بنوع خاص أكثر من غيرهم؛ ولهذا أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة «ميريلاند» الأميركية، بالتعاون مع معهد «بروكنجز» للأبحاث، أن 70 في المائة من الأميركيين يرون أن تنظيم داعش يمثل أكبر تحدٍ يواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
غير أن السؤال محور هذا الحديث: هل لا يزال «داعش» يهدد الولايات المتحدة الأميركية في الداخل، وعليه يمكن القطع بأن استراتيجية ترمب قد أفلحت بدرجة ما في مواجهة الدواعش خارج الحدود الأميركية وأخفقت في الداخل؟
تقتضي الموضوعية الإشارة إلى أن ترمب، ومن قبل أن يدخل البيت الأبيض، كانت نواياه واضحة لجهة محاربة «داعش» والقضاء على فلوله، ولاحقاً حينما أضحى صانع القرار بوصفه رئيس البلاد اعتمد سياسة زيادة الانخراط العسكري في سوريا من خلال تقديم التدريب والمشورة، والدعم الجوي، حتى وإن لم يلتزم بالانخراط المباشر في المعارك وتجفيف منابع تمويل الإرهاب، وتعطيل عمليات تجنيد المقاتلين الجدد في صفوف التنظيم. عطفاً على ذلك؛ فقد اتبع ترمب سياسة اللامركزية على الأرض، وذلك حينما أعطى العسكريين صلاحيات أكبر لاتخاذ قرارات ميدانية في تسريع العمليات. تمثلت نجاحات ترمب في تحرير 40 ألف كيلومتر مربع من المواقع التي احتلها التنظيم، وكذا إفلات 5.3 مليون شخص من قبضة «داعش» خلال أحد عشر شهراً.
وعلى الجانب العراقي، كان لدول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الدور البالغ في تحرير الموصل، فقد ضغطت إدارة ترمب بشكل فاعل على الدول الداعمة للإرهاب من أجل تجفيف المنابع؛ ما عزز فرص هزيمة «داعش»، ولاحقاً تم تحرير مدن أخرى عراقية مثل تلعفر والحويجة والقائم وراوه. في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى أن التواجد الأميركي المسلح في سوريا لن ينتهي قريباً، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية ريكس تيلرسون، والهدف عدم إتاحة الفرصة لإيران وقوات النظام السوري لاحتلال المناطق التي تم تحريرها.

تهديدات «داعش» لأميركا
لم ينقطع سيل التهديدات الداعشية للولايات المتحدة، فضلاً عن العمليات المختلفة التي جرت من مؤدلجين تابعين له في ولايات مختلفة، منها نيويورك وكاليفورنيا، وهو أمر توقعه رجالات الاستخبارات الأميركية منذ وقت مبكر، وفي مقدمهم جيمس كلابر، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية في عهد باراك أوباما، فقد أشار في مقابلة له مع قناة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، إلى أن تنظيم داعش الإرهابي قادر على شن هجمات في الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي وقعت في باريس وبروكسل، وهو ما جرت به الأقدار بالفعل. على أن قرار الرئيس الأميركي الأخير والمثير بشأن اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، عطفاً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قد دفع «داعش» لتجديد تهديداته الإرهابية للولايات المتحدة بشأن هجمات جديدة على أراضيها، وذلك عبر قناة تابعة له في تطبيق «تلغرام»؛ فقد عرض صوراً لميدان تايمز سكوير الشهير في قلب مدينة نيويورك، ومن تحته عنوان «انتظرونا» و«داعش في مانهاتن»، وفي صور أخرى يهدد «داعش» بتنفيذ هجمات إرهابية في واشنطن وولاية كاليفورنيا، تحت عناوين «بيتكم الأسود سننسفه: (وعد الله، ولا يخلف الله وعده)» وكان ذلك في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبعد نحو شهر تقريباً أو أزيد بضعة أيام بدا وكأن المشهد في الولايات المتحدة يتخذ تطوراً آخر ما بين الحرب الدعائية، وبين المخاوف الفعلية... ما الذي جرى؟

«داعش» للأميركيين: نحن هنا بينكم
هل يشنّ «داعش» في الأيام الأخيرة حرباً دعائية ضد الولايات المتحدة الأميركية، أم أنه يخطط بالفعل لشن هجمات إرهابية كفيلة بأن توقع كثيراً من الضحايا، الأمر الذي يقض مضاجع الأميركيين فعلاً وقولاً؟
قبل نحو أسبوع ظهرت عبر وسائل الإعلام صور روّجها تنظيم داعش لبعض من أتباعه مرتدين أوشحة، وفي بقعة جغرافية تتطابق بالمطلق مع الفضاءات الفسيحة لمدينة نيويورك ومن تحتها رسالة «نحن في وطنكم»، في حين المعلق على الصورة التي بثت على الحواضن الإعلامية لـ«داعش» يقول: «لقد حان الوقت لحصد الرؤوس».
والشاهد أنه حال تحليل المشاهد والصور المتقدمة يمكن القول إن الخطر الحقيقي الآن بات من الخلايا الهامشية على جانبي «داعش»، وليس من كوادر التنظيم نفسه، وهذا أمر شديد الفاعلية السلبية، وأضراره أكثر فداحة من هجمات «داعش» المباشرة... كيف هذا؟
حين خسر «داعش» مدينة «الرقة» فقد خسر معها بوصفها عاصمة دولة الخلافة المزعومة، الأدوات الإعلامية الاحترافية كافة، كالاستوديوهات وقسّم وسائط الإعلام، ومراكز الإنتاج التي كانت تخرج على العالم بمجلة «دابق» وبأشرطة فيديو محترفة تمجد فضائل الحياة تحت الحكم الإسلامي المسلح، كان ذلك واضحاً جداً.
غير أن صور نيويورك الأخيرة تأخذنا في طريق أخرى، بمعنى أن الذين قاموا عليها يبدو أنهم من الهواة، لا من المحترفين، وهؤلاء عادة ما يكونون من المدونين والمتطوعين، وليسوا من التابعين النظاميين لـ«داعش»؛ ما يجعل السؤال المزعج يتردد من جديد... هل نجح «داعش» عبر التواصل الإلكتروني، وهل ينجح وسينجح كل يوم في اكتساب عناصر جديدة تمضي في طريق الموت والأشواك التي يزرعها صباح مساء كل يوم؟
هنا تتبدى الملامح الكارثية للتنظيم والتداعيات المقلقة للأميركيين ولغيرهم بعد أن قدر لـ«داعش» استخدام أبواق ومنصات إعلامية مستقلة، قادرة على توزيع النداءات محددة الأهداف، بعشرات اللغات المحلية.
القضية الكبرى والقاتلة هنا هي أن العناصر العنقودية للجماعات الإرهابية كافة يمكن متابعتها ومراقبتها على مدار ساعات النهار والليل، غير أن النداءات عبر الأثير تأتي اليوم للدواعش بأفراد جدد لديهم استعداد فطري للتطرف، عبر الاختراق الذهني المغلوط، وهؤلاء لا يعرف أحدهم مكانهم أو زمانهم، أي زمان تخطيطهم لارتكاب أعمالهم الإرهابية؛ ولهذا فإن شرورهم هي الأكثر استفحالاً من عناصر «داعش» المعروفين.

الجنرال تاونسند والخلافة الأميركية
في تصريح حديث له قال الجنرال ستيفن تاونسند، القائد السابق للتحالف ضد «داعش»: إن تدمير «خلافة (داعش)» لا يعني تدمير التنظيم، متوقعاً تواجد ما يسمى «الخلافة الإلكترونية»، مضيفاً إن: «أتباعه سيحاولون إيجاد فروع لهم في أماكن أخرى حول العالم».
على أن الحديث عن «الخلافة الإلكترونية» هو حديث مزدوج؛ فهو من جهة يسعى إلى تجنب المزيد من العناصر الإرهابية؛ وذلك بالانتقاء من تجمعات بشرية غير معروفة لعناصر الأمن والاستخبارات الأميركية أو الأوروبية على حد سواء.
في هذا السياق، تضحى مسألة المواجهة الأمنية أو العسكرية غير ذات جدوى، وتحتاج المقاومة إلى حرب إلكترونية لمتابعة فريق شديد المهارة من رجالات «داعش» المهرة في التقاط عناصر لديها أبجديات الأصولية المتطرفة، وهؤلاء معرفتهم يسيرة عبر كتاباتهم أو تعليقاتهم على «فيسبوك»، و«تويتر»، وصورهم وما يدونون عبر «إنستغرام»، وبقية أدوات التواصل غير الخلاقة.
أما الطريق الثانية والأكثر خطورة في سياق الحديث عن «الخلافة الإلكترونية»، فيتمثل في المحاولات المستمرة والمستقرة من خبراء التنظيم الإلكترونيين لاختراق شبكات البريد الإلكتروني للمسؤولين الأميركيين، وللعناصر الأمنية والاستخباراتية بنوع خاص.
وهنا نذكّر بأن الدواعش قد اخترقوا بالفعل من قبل صفحات جنود ودبلوماسيين أميركيين، ونشروا أسماءهم وأرقام هواتفهم، وفي بعض الحالات عناوين منازلهم وأرقام بطاقات ائتمانهم، ويومها كتب الدواعش عبر صفحاتهم على شبكة الإنترنت «اعلموا أننا ندخل إلى بريدكم الإلكتروني وأنظمة حواسيبكم، نستخرج البيانات السرية ونرسل معلوماتكم الشخصية لجنود الخلافة، الذين سرعان ما - بإذن الله - سيضربون أعناقكم على أراضيكم». المنطوق السابق يدفعنا دفعاً إلى التساؤل: هل من معين بشري بعينه قريب من الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأميركية، يمكن أن يشكّل خطورة بعينها على الداخل الأميركي، بجانب التجنيد عبر الفضاء الإلكتروني؟

الخطر القادم من الكاريبي
قليلون جداً هم الذين قدّر لهم معرفة طرف من خيط عن نقطة في بحر الكاريبي يطلق عليها «جمهورية ترينيداد وتوباغو»، والواقعة في بحر الكاريبي بالقرب من فنزويلا في أميركا الجنوبية، ويبلغ تعداد سكانها نحو 1.3 مليون شخص. من هذا المكان التحق نحو 125 شخصاً بـ«داعش» خلال الأعوام الماضية؛ الأمر الذي جعلها حاضنة متوقعة للمزيد من الإرهابيين القريبين من حيث المسافة من قلب أميركا، ولا سيما أن الرحلة من هناك إلى الولايات المتحدة لا تزيد على ثلاث ساعات.
في حين الخطورة الأكبر هي أن العناصر الموالية لـ«داعش» في تلك المنطقة بعيدة كل البعد عن أعين المراقبة الأمنية، حتى بعد أن أدرجت السلطات الأميركية «الجمهورية المغمورة» في قائمة بؤر التطرف المحتملة.
ولعل ما زاد من خطورة تلك العناصر هو الأدوات الجديدة التي يعمد التنظيم إلى تفعيلها في الداخل الأميركي، ولا تحتاج إلا إلى مواطنين محليين أو زائرين مؤقتين، متواجدين على الأراضي الأميركية.
في تقرير لوكالة أنباء «يورو نيوز» نقرأ عن أحدث سلاح للدواعش في الداخل الأميركي، سلاح ربما يتسق مع تبرير «إرهاب الابتكار»؛ فقد دعا التنظيم الإرهابي إلى تسميم الطعام في المحال التجارية في الولايات المتحدة بمادة «السيانيد»، وقد نقلت هذه الرسالة مجموعة «إنتل سايت»، مشيرة إلى أحدث التخطيطات الإجرامية التي يحيكها «داعش» بدقة، والمعروف أن السيانيد من أسرع السموم قتلاً وأشدها فتكاً، وحال الربط بين فك شفرة «الذئاب المنفردة» من جهة، وطرح تسميم الأغذية والمأكولات، وضخ سم السيانيد في الأغذية الموجودة في الأسواق تضحى أميركا وغيرها من مدن العالم الكبرى، إزاء كارثة غير مسبوقة.
هل لهذا السبب تؤكد المباحث الاتحادية الأميركية (إف بي آي) على أن «داعش» لا يزال التهديد الأكبر للولايات المتحدة؟ المؤكد أن ذلك كذلك، والعهدة هنا على كريستوفر راي مدير مكتب «إف بي أي» الذي أعلن في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أن تنظيم داعش إلى جانب متطرفين محليين، باتوا يمثلون أكبر تهديد إرهابي على أميركا، وقد جاء ذلك خلال جلسة استماع نظمتها اللجنة المعنية بالأمن القومي لدى مجلس الشيوخ الأميركي، حيث أشار إلى أن مكتب التحقيقات يواصل الكشف عن أميركيين محليين يسعون للسفر للانضمام إلى «داعش» والقتال تحت رايته، عطفاً على تخطيطهم لارتكاب أعمال عنف داخل البلاد.
«إنتل سايت» وصحوة «داعش»: في الأسبوع الثاني من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، وعبر تغريدة له، كتب السير جنت ميجور «جون تروكسل» الذي يمثل ضباط الصف في هيئة الأركان الأميركية يقول: «إن على مقاتلي (داعش) أن يدركوا أن لديهم خيارين عندما يجدون أنفسهم في مواجهتنا: إما الموت أو الاستسلام». وتابع: «لكن إذا اختاروا ألا يستسلموا، فسنقتلهم بعنف كبير، إما بمساعدة قوات الأمن، أو بإلقاء القنابل عليهم، أو إطلاق النار على جماجمهم، أو ضربهم حتى الموت بأدوات حفر الخنادق»..
على أن تطورات المشهد الداعشي لا تتقيد بأنهم قد تأثروا على نحو أو آخر بتصريحات الضابط الأميركي الكبير والدليل حالة الصحوة التي تنتاب وكالة «أعماق» صوت «داعش»، للمرة الأولى منذ سقوط الرقة، منتصف سبتمبر الماضي؛ فقد أصدرت من جديد بياناتها باللغة الإنجليزية، وبحسب مجموعة المخابرات «سايت»، التي تراقب المحتوى الأصولي حول العالم، فإن الأسابيع الأولى من 2018 قد شهدت صعوداً حاداً في حسابات التواصل الاجتماعي المؤيدة لـ«داعش» مقارنة بالأشهر السابقة.
وفى تصريح لها تقول ريتا كاتنز، المديرة التنفيذية لـ«سايت»: «تظهر الدولة الإسلامية الآن العلامات الأولى لإعادة تجميع وسائل الإعلام»، وتضيف «عانى التنظيم من انتكاسات كبرى، بسبب هجمات التحالف والنظام، لكنه يتخذ الآن خطوات كبيرة لإعادة تجميع عملياته الدعائية التي تعتبر أحد أسلحته الخطيرة».
هل تهديدات نيويورك الأخيرة واقع إرهابي محتمل، أم جزء من تلك الخطة الدعائية لإرباك الأميركيين وإدخال الرعب إلى قلوبهم؟
وتبدو الاحتمالات كافة مفتوحة، في حين المؤكد والمقطوع به تحول «داعش» من تنظيم لوجيستي إرهابي، إلى نظرية تكفيرية مؤدلجة، تنشر عبر الفضاءات المسمومة ذهنية حول العالم، وطالما سادت تلك الآيديولوجية التكفيرية، فإن الدواعش سيظهرون بأسماء وأشكال مختلفة، وقد تمتد المواجهة والمجابهة لعقدين أو ثلاثة عقود تالية، ومنا هنا ربما يتوجب على البروباغندا الأميركية بقيادة الرئيس ترمب أن تقلل من لهجة انتظارها؛ فالحرب مستمرة والصراع قائم مع «داعش» ومن لف لفها.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».