صواريخ أميركية عملاقة ومركبات روسية بيئية لأبحاث الفضاء

«فالكون هيفي» وحش فضائي و«كورونا» تستخدم 100 مرة

صاروخ «فالكون هيفي» ينتصب في قاعدة كايب كانفيرال الفضائية الأميركية (أ.ب)
صاروخ «فالكون هيفي» ينتصب في قاعدة كايب كانفيرال الفضائية الأميركية (أ.ب)
TT

صواريخ أميركية عملاقة ومركبات روسية بيئية لأبحاث الفضاء

صاروخ «فالكون هيفي» ينتصب في قاعدة كايب كانفيرال الفضائية الأميركية (أ.ب)
صاروخ «فالكون هيفي» ينتصب في قاعدة كايب كانفيرال الفضائية الأميركية (أ.ب)

يتوقع أن تطلق شركة «سبايس إكس» أكبر صاروخ إلى الفضاء، بعد أن أكمل الصاروخ «سبايس إكس فالكون هيفي Falcon Heavy»، الذي وصفه مصمموه بأنه «أقوى صارخ تشغيلي في العالم»، اختباراته الأرضية نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وشمل ذلك الاختبار تحضير الصاروخ للإقلاع، واستكمال مواصفات الطاقة الدافعة، والتشغيل الفعلي لـ27 محركاً في وقت واحد، ولكن مع بقائه ثابتاً على منصة الإطلاق. ومع إتمام جولة الاختبارات التي طال انتظارها، يقترب «فالكون هيفي» من موعد إطلاقه الفعلي، حتى إن إيلون ماسك، المدير التنفيذي لـ«سبايس إكس» قال بعد الاختبار إن هذا الحدث التاريخي خلال أسبوع.
ومن المزمع أن يتم الإطلاق 6 فبراير (شباط)، وحُدّد يوم السابع منه موعداً احتياطياً.
وضع الصاروخ الجديد قبل عدة أيام في مبنى وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» الرئيسي في كايب كانافيرال في فلوريدا، وشهد الاختبار الذي تمّ بعد طول انتظار تشغيل جميع محركاته في وقت واحد.
يضمّ تصميم صاروخ «فالكون هيفي» ثلاثة صواريخ «فالكون 9» بمنصة علوية واحدة، ولا يتفوق عليه في القوة إلا صاروخ «ساتورن 5» الذي نقل منذ عقود من السنين رواد الفضاء إلى القمر. وفي إطار نظام «سبايس إكس» للصواريخ المجربة والمختبرة والقابلة لإعادة الاستخدام، صُممت عمليات الانفصال المتنوعة لصاروخ «فالكون هيفي» لتحصل بعد الإطلاق، مع عودة الدافعات الثلاثة وهبوطها على الأرض.
وفي حال سارت الأمور حسب الخطة المرسومة، سيحمل الصاروخ سيارة ماسك «رودستر تيسلا» إلى الكوكب الأحمر، لتطير في المدار لمليار عام قادم، على حدّ قول المدير التنفيذي. وقال ماسك أخيراً إنه أراد إرسال «أتفه شيء يمكن أن نتصوره»، مضيفاً أنه أحبّ فكرة أن «تبحر سيارة في الفضاء لربما يكتشفها مخلوق فضائي في المستقبل بعد ملايين السنوات».
وفي تعبير مفاجئ نظراً لقوة وحجم الصاروخ، وصف ماسك «فالكون هيفي» بالـ«وحش». أوردت شركة «سبايس إكس» على موقعها الإلكتروني أنّ الجزء الأول من الصاروخ الذي يبلغ طوله 230 قدماً (70 متراً) يضمّ ثلاثة صواريخ «فالكون 9» بنواة تسع محركات، وتولّد محركات «ميرلين» الـ27 الموجودة فيها أكثر من 2267961.85 كلغ من الضغط عند الإقلاع، أي ما يعادل قوة دفع نحو 18 طائرة 747.
وأضافت الشركة أنه وفي الوقت الذي يصلح فيه تصميم «فالكون 9» للرحلات القصيرة، سيتمكّن أخوه الأكبر «من الوصول إلى القمر أو المريخ حاملاً معه طاقماً من رواد الفضاء».
و«فالكون 9» حالياً هو واحد من أكثر الصواريخ ذات الأنظمة المعادة الاستخدام، ثقة للطيران، إلا أنه ليس خالياً من المشاكل. ففي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، اشتعل أحد صواريخ «فالكون 9» أثناء هبوطه بعد إيصاله حمولة إلى الفضاء.

صاروخ كورونا

على عكس «فالكون 9» من «سبايس إكس»، فإن صاروخ «كورونا ليس صاروخاً فحسب على حدّ قول الخبراء، لأنه يمثل سفينة فضائية قادرة على الإقلاع والهبوط بتصميمها الفعال الذي يفتح المجال لرحلات رواد الفضاء بين الكواكب.
وقدّم سيرغي مولشانوف، نائب المصمم العام في مكتب «ماكييف روكيت ديزاين» للصحافيين معلومات جديدة حول «كورونا»، الصاروخ الروسي الجديد ذا المنصة الواحدة، والقابل لإعادة الاستخدام.
بدأ العمل على «كورونا»، المركبة المصممة للإقلاع والهبوط العمودي منذ التسعينيات، وجُمد العمل فيه عام 2012 بسبب نقص التمويل.
ولكن الأخبار تؤكد أن مكتب «ماكييف روكيت ديزاين» قد استأنف تطويره مع بداية الشهر الجاري، وفقاً لموقع «سبوتنيك» الروسي.
وقال نائب المصمم خلال حديثه مع وسائل إعلام روسية إن مشروع «كورونا» يدعو إلى ابتكار صاروخ قابل لإعادة الاستخدام مؤلف من منصة واحدة، ويضمّ في تصميمه طبقة متداخلة غير قابلة للانفصال.
وكشف مولشانوف أن «كورونا» سيكون مجهزاً بأجهزة امتصاص للصدمات على اعتبار أنه مركبة للإقلاع والهبوط العموديين، وسيتمّ تصميم المكونات المركزة للطاقة لتستخدم أكثر من 25 مرة، مع نظام فعال صالح لـ100 رحلة.
ومن المتوقع أن تعتمد صناعة الجهاز على ألياف الكربون، مع تعزيزات من السيراميك للحماية الحرارية خلال رحلة العودة والدخول إلى الأرض. كما يفترض أن يتضمن محرك الصاروخ الخارجي غرفة مخصصة لحرق وقود صديق للبيئة، إذ يدرس الخبراء حالياً إمكانية الاعتماد على الكيروسين والأوكسجين المسيّل.
وأكد الأسبوع الماضي مهندسون من مركز مكتب «ماكييف روكيت ديزاين» في مياس، في منطقة سيليابينسك أن المركبة الفضائية ستكون قادرة على نقل ما يقارب سبعة أطنان من الحمولة إلى الفضاء، و12 طناً إلى المدار الأرضي المنخفض. ويتوقع المهندسون أن يثبت «كورونا» جدارته في رحلات رواد الفضاء التجريبية، ومن بينها الرحلات المكوكية إلى المحطات الفضائية المدارية.
وحسب تقارير غير مؤكدة، يبلغ وزن الصاروخ عند الإقلاع 300 طنّ، وطوله 30 متراً وقطره 10 أمتار. وتشتهر شركة مكتب «ماكييف روكيت ديزاين»، المتخصصة في تصميم الصواريخ، بإنتاجها للصواريخ الباليستية التي تحملها الغواصات الروسية.

وكان مشروع «كورونا» قد شهد تكرار بعض الأفكار القديمة منذ انطلاقه عام 1992. أولها التخطيط لإعادة تنفيذ مركبة «بوران»، التي صنعها الاتحاد السوفياتي السابق رداً على المكوك الفضائي الأميركي، ولكن المشروع ألغي.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً