صراع الطاقة يستعر في البلطيق

أوروبا تمنح تراخيص لشبكات الغاز الروسية وترفض تشديد العقوبات

TT

صراع الطاقة يستعر في البلطيق

منحت السلطات الألمانية ترخيصاً بمد شبكة أنابيب غاز «سيل الشمال - 2»، المعروفة أيضاً باسم «نورد ستريم - 2»، في إطار مشروع تنفذه شركة «غاز بروم» الروسية لإيجاد شبكات بديلة لتصدير الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية، والتخفيف من تأثير شبكة الترانزيت الأوكرانية على تلك الصادرات.
وتأتي هذه الخطوة في وقت كشفت فيه السلطات الأوروبية عن حجم خسائرها جراء العقوبات المتبادلة مع روسيا، ودعوات أطلقها رجال أعمال أوروبيون لتوسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا والتخلص من العقوبات... هذا، بينما تستعد الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة ضد روسيا، وأعلنت أوروبا رفضها تشديد العقوبات.
وقالت شركة «نورد ستريم» على موقعها الرسمي، إنها حصلت على ترخيص من سلطات مناطق شرق ألمانيا لمد الجزأين البري والبحري من شبكة «السيل الشمالي - 2»، وأوضحت أن «السلطات في اشترالزوند منحت ترخيصاً رسمياً لمد قاطع بري من الشبكة بطول 55 كيلومتراً»، فضلاً عن ترخيص لمد الجزء البحري من الأنابيب في المياه الإقليمية، بالقرب من غرايفسفالت، المطلة على بحر البلطيق شرقي ألمانيا. ورحب أليكسي ميللر، رئيس مجلس إدارة شركة الغاز الروسية «غاز بروم» بصدور تلك التراخيص، وقال في تصريحات أمس: إن هذا القرار حاسم «يتيح إمكانية مد أهم قاطع من شبكة الأنابيب البحرية الجديدة (سيل الشمال – 2) في المياه الإقليمية الألمانية، وبناء محطة ضخ ساحلية في غرايفسقلت». كما رحبت الشركة القائمة على التنفيذ بتلك الموافقات والتراخيص، ورأت فيها «مرحلة مهمة في مجمل عملية الموافقة على المشروع».
جدير بالذكر، أن «السيل الشمالي - 2» هي شبكة من أنبوبين لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قعر البلطيق، وتصل تكلفته نحو 9.5 مليار يورو، وتعهدت شركات «شل» و«أو إم في» و«يونيبر آند وينترشال» الأوروبية أن تساهم كل منها في المشروع بمبلغ قدره 950 مليون يورو، بينما ستساهم شركة «غاز بروم» الروسية بمبلغ قدره 4.75 مليار يورو.
وتعارض دول بينها بولندا وأوكرانيا والولايات المتحدة هذا المشروع، وتقول وارسو: إن مد «سيل الشمال - 2» سيزيد من هيمنة روسيا على سوق الغاز الأوروبية. أما أوكرانيا فهي تخشى من تراجع كميات الغاز الروسي التي يتم نقلها عبر شبكة الأنابيب الأوكرانية؛ ما يعني حرمانها من دخل تجنيه على شكل نسبة من الغاز ومبالغ محددة يدفعها الجانب الروسي مقابل الترانزيت عبر الأراضي الأوكرانية. ولا يسقط من الحسابات الأوكرانية احتمال أن تسمح الشبكة الجديدة لروسيا بوقف صادراتها إلى أوكرانيا، بحال نشب خلاف مجدداً بين الجانبين بشأن سعر المتر المكعب من الصادرات الروسية للسوق الأوكرانية. وعبّر أندريه كوبوليف، مدير شركة «نافت غاز» الحكومية الأوكرانية عن قلقه إزاء منح «سيل الشمال - 2» تراخيص جديدة، وفي تعليق نشره على حسابه أمس في «فيسبوك»، وصف تلك الخطوة بأنها «جرس إنذار لنا جميعاً، لكنه ليس الأخير»، محذراً من أنه «لم يعد لدى الجانب الأوكراني الكثير من الوقت للتصرف». وتدعم الولايات المتحدة مواقف وارسو وكييف، وتسعى إلى تصدير الغاز الأميركي المسال إلى السوق الأوروبية، ليكون بديلاً عن الصادرات الروسية.
وكان رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، قال في تصريحات أخيراً إنه سيبحث هذا المشروع الروسي مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وحذر من أنه «في حال تم مد شبكة (سيل الشمال – 2) لن تبقى هناك حاجة إلى نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا»، وأضاف: «نحن على اتصال دائم مع الإدارة الأميركية للتخفيف من احتكار (غاز بروم) الروسية وتحكمها بالأسعار في السوق الأوروبية».
في الأثناء، جددت أوروبا موقفها المؤيد لمد الشبكة، وطالب مانفريد لايتنير، العضو في مجلس إدارة «أو إم في» النمساوية، المفوضية الأوروبية للطاقة بالنظر إلى الجوانب الإيجابية للمشروع، عوضاً عن التعامل معه بعدم ثقة، وأشار إلى أن خمس شركات أوروبية تساهم في التمويل، أي أن المشروع لا يقع تحت تأثير القوانين الأوروبية الخاصة بمكافحة الاحتكار في مجال الطاقة، وأكد أن «المشروع من أجل أوروبا، ولضمان أمن سوق الطاقة الأوروبي، وسيجلب استثمارات كبيرة، ما سيسهم في نمو الاقتصاد الأوروبي».
وكانت الولايات المتحدة فرضت حزمة عقوبات جديدة ضد شركات روسية في أغسطس (آب) 2017، شملت بما في ذلك مشروعات شركات الطاقة الروسية، إلا أن تأثير قانون العقوبات لم يمس مشروع «السيل الشمالي» ذلك أن كل الاتفاقيات الخاصة بتنفيذه تم توقيعها قبل موعد دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.
ومن ثم باشرت الولايات المتحدة تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، ووعدت بتوفير كميات كبيرة لتغطية احتياجات السوق. ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى عبر العقوبات إلى تضييق الخناق على الشركات الروسية في السوق الأوروبية وإبعادها من هناك لفسح المجال أمام شركات الغاز الأميركية لدخول السوق بقوة.
وتستعد الولايات المتحدة حالياً لتوسيع قائمة العقوبات ضد شخصيات اعتبارية وطبيعية روسية، بينها أليكسي ميللر، مدير شركة «غاز بروم»؛ الأمر الذي أثار قلق بعض الدول الأوروبية التي تعتمد على صادرات الغاز الروسي. إلا أن رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل، طمأن موسكو والسوق الأوروبية في آن واحد، حين أكد خلال محادثاته في موسكو أول من أمس مع رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، أن الاتحاد الأوروبي لن ينضم إلى توسيع العقوبات ضد روسيا، وقال: «أود التأكيد بأن الاتحاد الأوروبي اتخذ قرارا بعدم دعم تشديد العقوبات». كما دعا رجال أعمال في عدد من المقاطعات الألمانية حكومتهم إلى الابتعاد عن تلك العقوبات، واللجوء إلى الحوار الدبلوماسي لحل الخلافات، وتوسيع التعاون مع روسيا.
وانضم الاتحاد الأوروبي إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد روسيا عام 2014، إثر ضم شبه جزيرة القرم قوام الاتحاد الروسي، وتفجر النزاع المسلح في دونباس جنوب شرقي أوكرانيا. وردت روسيا بعقوبات، شملت فرض حظر على دخول قائمة واسعة من المنتجات الأوروبية إلى السوق الروسية. وقالت الهيئة الاقتصادية الشرقية في ألمانيا: إن حجم الخسائر عن تلك العقوبات زاد عن 100 مليار يورو، 60 في المائة منها خسائر روسية، و40 في المائة خسائر أوروبية.


مقالات ذات صلة

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

الاقتصاد إحدى منصات «أديس» البحرية (موقع الشركة الإلكتروني)

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

أعلنت شركة «أديس القابضة» السعودية فوز منصتها البحرية المرفوعة «أدمارين 504» بعقد حفر مع شركة «بريتانيا-يو» في نيجيريا بنحو 81.8 مليون ريال (21.8 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خزانات تخزين النفط الخام في منشأة «إينبريدج» في شيروود بارك في أفق مدينة إدمونتون في كندا (رويترز)

الزيادة الكبيرة في مخزونات الوقود الأميركية تخفّض أسعار النفط

انخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي، يوم الخميس، بعد زيادة كبيرة في مخزونات الوقود في الولايات المتحدة أكبر مستخدم للنفط في العالم.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد العلم الإيراني مع نموذج مصغر لرافعة مضخة للنفط (أرشيفية- رويترز)

«رويترز»: إيران تضغط على الصين لبيع نفط عالق بقيمة 1.7 مليار دولار

قالت مصادر مطلعة، 3 منها إيرانية وأحدها صيني، إن طهران تسعى لاستعادة 25 مليون برميل من النفط عالقة في ميناءين بالصين منذ 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار «شل» خلال المؤتمر والمعرض الأوروبي لطيران رجال الأعمال في جنيف (رويترز)

«شل» تحذر من ضعف تداول الغاز الطبيعي المسال والنفط في الربع الأخير من العام

قلّصت شركة شل توقعاتها لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال للربع الأخير وقالت إن نتائج تداول النفط والغاز من المتوقع أن تكون أقل بكثير من الأشهر الـ3 الماضية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سفن الشحن راسية قبالة الساحل وتتقاسم المساحة مع منصات النفط قبل التوجه إلى ميناء لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

النفط يرتفع بدعم تراجع المخزونات الأميركية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الأربعاء، مع تقلص الإمدادات من روسيا وأعضاء منظمة «أوبك»، وبعد أن أشار تقرير إلى انخفاض آخر بمخزونات النفط الأميركية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).